ملخص
يكشف التقرير أن مبيعات سيارات الأفراد "الملاكي" في مصر تراجعت بنسبة 78 في المئة
فقدت سوق السيارات في مصر ثلاثة أرباع عملائها منذ بداية العام الحالي على نحو يشي بأن ثمة متغيرات جذرية في طبيعة هذه السوق ومعطياتها، في ظل ارتفاع محموم في أسعار المركبات، مدفوع بتحركات سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي وفقدان شهية الشراء تأثراً بذلك.
وأمام ارتفاع أسعار السيارات، تخلى بعض أصحاب المداخيل المتوسطة عن حلم اقتناء سيارة، ووجدوا ضالتهم في مركبات شركات النقل التشاركي عبر التطبيقات الذكية، ومن بينهم عادل سليم، فني جودة بإحدى شركات إنتاج الملابس، متحيناً كما يقول "هدوء الأوضاع" لاقتناء "سيارة العمر".
تراجع كبير
ويقدم التقرير الصادر عن مجلس معلومات سوق السيارات "أميك" في مصر، نظرة شاملة على طبيعة هذه التغيرات، فيشير بجلاء في أحدث نسخه الصادرة، الأسبوع الماضي، إلى أن المبيعات تراجعت بنسبة 74.4 في المئة، لتهوي بذلك السيارات المباعة إلى 18085 سيارة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بـ70642 سيارة في الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويكشف التقرير أن مبيعات سيارات الأفراد "الملاكي" تراجعت بنسبة 78 في المئة، لتسجل 12330 سيارة خلال الفترة محل الرصد، من 55532 سيارة في ذات الفترة من عام 2022، وشمل التراجع مبيعات الأوتوبيسات أيضاً بنسبة 52.8 في المئة إلى 2213 أوتوبيساً، من 4691 أوتوبيساً في الفترة المماثلة من عام 2022. وأعطى التقرير لمحة عن هبوط مبيعات الشاحنات، الأكثر ارتباطاً بحركة نقل البضائع والمنتجات بنسبة 66 في المئة، لتسجل 3542 وحدة من 10401 وحدة في الربع الأول من العام الماضي.
بدائل أرخص
ويقول المواطن المصري عادل سليم (56 سنة)، إنه كان يدرس اقتناء سيارة من الفئة السعرية 250 ألف جنيه مصري (8117.41 دولار أميركي) لولا ارتفاع وتيرة الأسعار خلال العام الماضي على نحو مفاجئ، قبل أن يعدل عن مساعيه السابقة بدراسة شراء سيارة مستعملة بحالة جيدة.
ويمضي سليم بالقول، إن "تطبيقات النقل التشاركي تقدم خدمة ذكية راقية" عن تلك المقدمة في ما يعرف بـ"التاكسي الأبيض"، حيث توفر الأولى موثوقية أكبر عن السائق وبيانات السيارة وإمكانية طلبها في الزمان والمكان المناسبين وبسعر معقول، وهي خدمات تغنيه وأسرته موقتاً عن اقتناء سيارة خاصة.
وارتفعت معدلات التضخم في مصر إلى مستوى غير مسبوق منذ منتصف عام 2017، لتسجل في مارس (آذار) الماضي، 33.9 في المئة للتضخم السنوي في إجمالي الجمهورية، بحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في وقت سجلت معدلات التضخم الشهري لإجمالي البلاد نسبة 3.2 في المئة خلال الشهر قبل الماضي مقارنة بفبراير (شباط) من العام الحالي، وفقد الجنيه المصري قرابة 50 في المئة من قيمته الشرائية منذ مارس (آذار) 2023.
ويلقي رئيس رابطة تجار السيارات في مصر أسامة أبو المجد، باللائمة على قرار حظر استيراد السيارات المصنعة قبل العام الحالي، فيقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "القرار المعمول به منذ عام 1996 ويحظر على الأفراد والشركات والوكلاء والموزعين استيراد سيارات سبق تصنيعها في عام سابق لعام الاستيراد، يحتاج إلى مراجعة". ويضيف أبو المجد أن "الرابطة التي تضم ممثلين عن تجار ووكلاء وموزعي السيارات في مصر، سبق أن تقدمت بمذكرة إلى وزارة التجارة والصناعة المصرية، طلبت خلالها الموافقة على إلغاء القرار المعمول به حالياً، والسماح بدخول السيارات الحديثة 2022 من دون التقيد بشرط موديل السنة".
ضعف الإنتاج الأوروبي
ويوضح أبو المجد أن "ضعف الإنتاج العالمي من السيارات العام الماضي، وبخاصة في الاتحاد الأوروبي الذي تأثر سلباً بتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية ومشكلات توريد الغاز الروسي إلى القارة على خلفية العقوبات المتبادلة منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، يلقي بظلاله على السوق المصرية، حيث إن الاتحاد الأوروبي يشكل مصدراً لعديد من العلامات التجارية الشهيرة في مصر".
ويشير "أبو المجد" إلى أن "سوق السيارات في مصر تأثرت بالظروف الاقتصادية العالمية وببعض التحديات المحلية التي تمر بها مصر بشكل خاص"، مضيفاً "لدينا معدلات مرتفعة من التضخم وتحركات سعر الصرف وشح في موارد العملة الصعبة، وتحديات في تدبير الدولار اللازم لقطاع السيارات، بالتالي كل ذلك يسهم في مواصلة ارتفاع السيارات في مصر بشكل مضاعف، والزيادة قد لا تتوقف عند مستوياتها الحالية، فهناك عديد من التوقعات بمزيد من الارتفاع الفترة القادمة".
11 مليون سيارة
وتزدحم شوارع مصر بما يتجاوز 10.9 مليون مركبة مرخصة حتى نهاية عام 2021، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في البلاد، بزيادة قدرها واحد في المئة عن العام السابق له (10.8 مليون مركبة). وكان نصيب القاهرة وحدها 2.5 مليون مركبة بنسبة 22.8 في المئة من إجمالي سيارات مصر، تليها في المرتبة الثانية محافظة الجيزة بـ1.3 مليون مركبة بنسبة 11.6 في المئة، ثم الإسكندرية ثالثة بـ702.3 ألف مركبة بنسبة 6.4 في المئة.
لدى أبو المجد قناعة بأن العام الحالي هو "الأسوأ" على قطاع السيارات في مصر، مستبعداً في الوقت ذاته تحسن وضع السوق خلال 2023، موصياً بعض المترددين في توقيت الشراء بالمبادرة الآن، تجنباً لمزيد من الارتفاعات مستقبلاً. ويرى في المقابل، رواجاً في سوق السيارات المستعملة تأثراً بارتفاعات أسعار "السيارات الزيرو".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تراجع غير طبيعي
في المقابل، يرى عضو الشعبة العامة للسيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية منتصر زيتون، أن التراجع المرصود في تقرير "أميك" غير طبيعي عند مقارنته بمبيعات الفترة ذاتها من العام الماضي، إذ كانت وتيرة أسعار السيارات قد هدأت في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، تأثراً بتعافي السوق العالمية من أزمة نقص الرقائق الإلكترونية وانفراجة سلاسل الإمداد، قبل أن يتغير المشهد بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية.
وبحسب بيانات "اتحاد السيارات في أوروبا"، تراجع حجم السيارات المسجلة منتصف العام الماضي، إلى أقل مستوى منذ عام 1996، بنحو 1.06 مليون سيارة، كما هبطت مبيعات عدد من شركات السيارات بنحو 50 في المئة منتصف عام 2022، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز" عن "الاتحاد".
ويلفت منتصر زيتون إلى بوادر تغير السوق في مصر، "يوم توقف الاستيراد وخرجت الأموال الساخنة مع اندلاع الحرب، وهو مما أدى إلى عجز كبير في المعروض نتيجة لضعف التوريد، الأمر الذي ضاعف من أسعار السيارات في مصر مرتين ونصف المرة تقريباً".
خروج محدودي الدخل
ويشير منتصر زيتون إلى تغير مفاجئ في السوق المصرية، تمثل في خروج الشريحة ذات الدخل المتوسط، ممن كانت تستهويهم وتناسب دخولهم السيارات من الفئة السعرية 200 ألف جنيه (6493.9 دولار أميركي) في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القيمة الشرائية للجنيه المصري منذ مارس من العام الماضي، إضافة إلى اختفاء عدد كبير من العلامات التجارية ذات الطلب الواسع في السوق المحلية.
وتراجع إنفاق البلاد على استيراد السيارات مع بداية العام الحالي، لتسجل وارداتها في يناير (كانون الثاني) ما مجموعه 100.69 مليون دولار أميركي مقابل 351.4 مليون في الشهر ذاته من العام الماضي، بفارق 250.7 مليون دولار أميركي، وفق قائمة الواردات المصرية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في البلاد. ويصر منتصر زيتون، على فك الارتباط بين ظاهرة "الأوفر برايس" (over price) -وهي إضافة مبالغ مالية على سعر السيارة المعلن من جانب التجار مقابل توفيرها بمواصفات مرضية للمشتري وفي وقت قصير- وارتفاع أسعار السيارات في مصر. ويعلل بأن "الأوفر برايس" مرتبط بالمعروض من السيارات، ما يخالف السوق التي تعاني عجزاً في المعروض في الآونة الأخيرة.
الأزمة مستمرة
ولا يرى عضو الشعبة العامة للسيارات، أفقاً أرحب للسوق المحلية في الأجل القريب، فيتوقع أن تحسن أوضاع السوق رهن بتوقف الحرب الروسية- الأوكرانية وعودة الأموال الساخنة وارتفاع صافي الاحتياطي النقدي لدى البلاد، مع قدرة البنوك على تدبير النقد الأجنبي اللازم للاستيراد بشكل كامل، وهو مشهد لا يرجح رؤيته قبل منتصف عام 2024.
وبحسب بيانات مجلس معلومات سوق السيارات، فإن واردات مصر من السيارات أوروبية الصنع تراجعت بنسبة 92.1 في المئة خلال أول شهرين من العام الحالي، لتسجل 707 سيارات مقابل 8979 سيارة خلال الفترة المثيلة من العام الماضي، وهو الأمر ذاته مع السيارات اليابانية التي تستوردها البلاد، وشهدت هي الأخرى تراجعاً قدره 71.3 في المئة، لتصل إلى 3854 سيارة من 12040 سيارة خلال ذات الفترة من عام 2022.