ملخص
أول مقاطعة مسجلة تاريخيا كانت لأثينا برفض دفع غرامة رياضية ومقاطعة الجمهور للأولمبياد
في الولايات المتحدة ترفع المنظمات العمالية سلاح المقاطعة في معظم الأحيان كتكتيك لزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، إذ يمنحهم القانون الأميركي حق مقاطعة بضائع الشركات التي يعملون فيها كوسيلة ضغط ولكنها تمنع الترويج لهذه الطريقة أمام الجمهور.
تاريخياً استخدمت المقاطعة كطريقة لتحقيق مطالب حركة الحقوق المدنية الأميركية خلال خمسينيات القرن الـ20، حين تمت مقاطعة المتاجر والشركات التي تميز ضد السود لتغيير سياستها.
وبعد نجاح الحركة في تحقيق مطالبها لجأ الأميركيون في الستينيات إلى مقاطعة شركة "نايكي" Nike للتعبير عن الاستياء من سياسة تشغيل الأطفال في دول العالم الثالث والأجور المتدنية للعمال الذين يعملون في ظروف صعبة.
وكان لهذه المقاطعة أثرها على مجموعة قرارات اتخذتها "نايكي" وشركات أخرى عابرة للأسواق لتحسين ظروف العمل في مصانعها في الدول الفقيرة بسبب رخص الأيدي العاملة.
لكن "عدداً قليلاً جداً من المقاطعات أدت إلى تغييرات"، بحسب الأكاديمي المتخصص في إدارة المعلومات بجامعة بنسلفانيا موريس شفايتزر، إذ أكد أن الممارسة العملية أثبتت أن معظم دعوات المقاطعة لم تحقق سوى الهدف الأكثر تواضعاً أي جذب انتباه وسائل الإعلام.
وبرأيه هناك مئات الدعوات إلى المقاطعة كل عام ومعظمها لا يحقق سوى قليل جداً من المطالب الأساسية، موضحاً أنه "في معظم الحالات تدعو أقلية صغيرة من الناس إلى المقاطعة التي يفشل المجتمع الأوسع في دعمها من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية تؤدي إلى نتائج جوهرية".
تغيير الرأي العام
يبقى السؤال هنا هل غيرت المقاطعة الرأي العام... الإجابة نعم بالتأكيد وأحد أفضل الأمثلة من عصر الحقوق المدنية عندما بدأ السود الأميركيون بمقاطعة الحافلات العامة وسرعان ما انضم القس مارتن لوثر كينغ جونيور والقس رالف أبيرناثي وغيرهم من قادة الحقوق المدنية إلى قضيتهم، وقضت محكمة فيدرالية في النهاية بأن الفصل في الحافلات غير دستوري وينتهك أحكام الدستور.
واستهدفت مقاطعة كبرى أخرى، حظيت بدعم من جميع أنحاء العالم وكذلك الولايات المتحدة، جنوب أفريقيا ونظامها للفصل العنصري، وقاطع الأفراد والشركات والحكومات والسياح السفر إلى هناك وامتنعت المؤسسات عن القيام بأعمال تجارية هناك وتم استبعاد جنوب أفريقيا من المشاركة الألعاب الأولمبية لعقود.
قبل ذلك وفي عام 1927 تسببت مقاطعة سيارات "فورد" في اعتذار هنري فورد وإغلاق صحيفة "ديربورن اندبندنت" بسبب معاداتها لليهود والتي كانت تحت إدارة فورد نفسه ويكتب فيها مقالات معادية للسامية.
حينها رفعت رابطة مكافحة التشهير دعوى قضائية ضد فورد ونظمت الدعوة إلى مقاطعة الصحيفة وعدم شراء السيارات من شركة فورد، والتزم عدد كبير من اليهود والمسيحيين الإنجيليين هذه الدعوة، مما أدى إلى إغلاق "ديربورن اندبندنت" واعتذار فورد.
وفي 1930 عاد المهاتما غاندي إلى وطنه الهند بعد أن أمضى 20 عاماً في جنوب أفريقيا وبدأ العمل كناشط من أجل استقلال بلاده، وقرر مقاطعة الملح الإنجليزي باعتباره وسيلة فاعلة لبدء العصيان المدني الشامل.
وبالفعل سار غاندي والآلاف من أتباعه في رحلة رمزية نحو البحر لصنع الملح من المياه، ونظم ملايين الهنود احتجاجات في جميع أنحاء البلاد واعتقلت السلطات البريطانية أكثر من 60 ألف شخص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستمر غاندي في تنظيم مقاطعات غير عنيفة مماثلة للسلع الإنجليزية، ثم دعا في وقت لاحق الهنود إلى صناعة أقمشة ملابسهم الخاصة لمقاطعة النسيج البريطاني.
ثم في 1977، دعا تحالف عمل حليب الأطفال، للمرة الأولى إلى مقاطعة "نستله" الشركة متعددة الجنسيات التي تصنع مجموعة واسعة من المواد الغذائية بما في ذلك حليب الأطفال. واتهمت جماعات مثل الشبكة الدولية للعمل من أجل أغذية الأطفال ومنظمة إنقاذ الطفولة "نستله" باستخدام إستراتيجيات تسويقية عدوانية وغير أخلاقية لإقناع الأمهات في البلدان النامية باستخدام حليب الأطفال بدلاً من لبن الأم.
وامتدت المقاطعة إلى أوروبا وخارجها، وبحلول 1984 وبعد أن شعرت "نستله" بآثار العمل الطويل، التقت بمنظمي المقاطعة ووافقت على التزام المدونة الدولية لتسويق بدائل لبن الأم التي صاغتها جمعية الصحة العالمية.
حديثاً وبعد تصريحات مسؤولين في حزب "بهاراتيا جاناتا" الذي استلم الحكم في الهند منذ عام 2014 حتى عام 2022 برئاسة ناريندرا مودي، اندلعت المواجهات بين المسلمين والهندوس، فدعت منظمات المجتمع المدني وبعض الجمعيات في الدول العربية إلى مقاطعة البضائع الهندية، مما أسفر عن اعتذار رئيس الوزراء الهندي السابق وعودة الهدوء للمدن الهندية التي شهدت أعمال عنف دينية.
مقاطعة معاصرة
النوع الجديد من أنواع المقاطعة المعاصرة يتعلق بترشيد الاستهلاك بما يفيد قضية معينة كأن يتوقف المستهلك عن شراء المنتجات غير الصالحة للتدوير من البلاستيك والمواد المصنعة الأخرى أو أن يشتري منتجات مفيدة لقضية بيئية أو سياسية أو لقضية نقابة عمالية أو مجموعة من الحرفيين أو دعماً للتراث والفلكلور.
وهذه النزعة الاستهلاكية الموجهة تسمى "الاستهلاك الواعي" الذي يمكن أن يأخذ شكلين متعارضين أي الإقبال على الشراء جماعياً أو المقاطعة الجماعية، ويمكنهما أن يحققا الهدف نفسه.
يقول المؤرخ الأميركي في جامعة كورنيل مؤلف كتاب "القوة الشرائية وتاريخ نشاط المستهلك" لورانس غليكمان إن الدعوات إلى المقاطعة أو المشاركة في الاستهلاك باتت أكثر فاعلية وقوة وقدرة على الحشد والتأثير مع وصول وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع سهولة تبادل أفكار مشتركة بين أشخاص يحملون أهدافاً موحدة وإقامة النشاطات والدعوة إليها على رغم أن مكان عيشهم متباعد جداً.
وبالإمكان في يوم واحد إجراء عملية مقاطعة لمنتج ما حول العالم أو دعم لمنتج آخر كانت مجموعات الضغط قبل عصر الإنترنت تحتاج إلى أعوام لتنظيمها، وفقاً للمؤرخ الأميركي.
ويكمل غليكمان أن أكثر من ثلثي الأميركيين يشاركون سنوياً في دعوة واحدة في الأقل إلى مقاطعة منتج ما، وبرأيه فإن أي مقاطعة ناجحة يجب أن تكون مدعومة بالغضب الذي بينت الأبحاث أنه من بين العواطف الإنسانية الأكثر والأسرع انتشاراً على الإنترنت، موضحاً أن نشاط المستهلكين أو المقاطعين الجماعي والمنظم يحقق تأثيراً لافتاً، مما يعني أنه يضع السلطة في متناول المواطنين.
يعيد غليكمان استخدام المقاطعة كوسيلة ضغط إلى اليونان القديمة، عندما قاطعت مدينة أثينا الألعاب الأولمبية عام 332 قبل الميلاد، واعتبرت هذه الحادثة بداية المقاطعة الناتجة من الشعور بالظلم، إذ فرضت غرامة كبيرة على المدينة بسبب غش أحد الحكام في تحكيم المباراة، فرفضت أثينا دفع الغرامة وأعلن الجمهور مقاطعة الألعاب.