ملخص
كانت تفاعلات تشارلز مع القادة الأميركيين، تنصب بشكل كبير على شغفه بمعالجة تغير المناخ
في المرة الأخيرة التي حول فيها العالم أنظاره الى كنيسة وستمنستر لرؤية تاج سانت إدوارد وهو يوضع على رأس عاهل بريطاني جديد، لم يكن معظم الأميركيين الذين يعيشون اليوم قد ولدوا بعد.
كانت الولايات المتحدة حينئذ القوة الاقتصادية والعسكرية الرائدة في العالم، ولم يقف في وجهها أحد سوى الاتحاد السوفياتي، الذي كان لايزال يتعافى من آثار الحرب العالمية الثانية.
كان التلفزيون وسيلة جديدة نسبياً، يبث برامجه على موجات الأثير عبر قلة من القنوات لفترة محدودة من الوقت كل يوم. وغالباً ما كانت المكالمات الهاتفية تجرى من طريق المشغلين، فيما كانت الاتصالات الهاتفية مع مكان قَصي تعد ترفاً باهظاً على نحو لا يمكن تحمله بالنسبة إلى معظم الناس. أما فكرة الهواتف المحمولة، ناهيك عن جهاز من نوع "الكل في واحد" الذي يوصل الفيديو والمكالمات الهاتفية والرسائل إلى راحة يد المستخدم، فقد كانت من الأشياء التي يمكن أن يجدها المرء في قصص الخيال العلمي، ليس إلا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في الولايات المتحدة، تابع 85 مليون شخص عرضاً لأبرز الفقرات التي سجلت من الحفل الذي كرس الملكة إليزابيث الثانية كواحدة من أشهر النساء وأكثرهن تميزاً في العالم.
بدءاً من عام 1951، حينما قامت الأميرة حينها إليزابيث بزيارتها الأولى إلى الولايات المتحدة، ظلت الملكة الراحلة تحظى بتقدير كبير للغاية من جانب مواطني دولة نالت استقلالها عن بريطانيا العظمى في حرب تحرر دامية قبل أقل من قرنين من الزمان. ومع ذلك، فقد أصلحت الدولتان اللتان كانتا عدوتين في السابق الصلات التي جمعت بينهما وشكلتا معاً ما أطلق عليه السير ونستون تشرشل [رئيس وزراء بريطانيا السابق] بـ "العلاقة الخاصة" التي مثلت العمود الفقري لتحالف عبر الأطلسي الذي أنجب لاحقاً حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقاد الغرب إلى الانتصار على الشيوعية بعد حرب باردة استمرت ما يقرب من نصف قرن.
كانت إليزابيث الثانية على امتداد العقود السبعة التي تربعت خلالها على العرش البريطاني، على رأس دولة شهدت تعاقب 15 رئيس وزراء وكذلك 14 رئيساً أميركياً، الذين التقت بهم جميعاً باستثناء ليندون جونسون.
أما الرجل الذي توج ملكاً الأسبوع الفائت، تشارلز الثالث، فلا يمكنه أن يفعل تماماً ما فعلته والدته الراحلة، إذ التقى بـ 10 فقط من أصل آخر 14 شخصاً ممن أقاموا في البيت الأبيض.
ولكن خلال الـ 64 عاماً التي مضت منذ توليه منصب أمير ويلز، أمضى الملك وقتاً في الولايات المتحدة أطول بكثير مما قضته والدته هناك طوال حياتها.
ووفقاً لقصر باكنغهام، قطع الملك، الذي كان يسمى في ذلك الوقت الأمير تشارلز، المحيط الأطلسي لزيارة أميركا في 22 مناسبة منفصلة، وكانت رحلته الأولى في يوليو(تموز) 1970 أما زيارته الأخيرة فتمت في ديسمبر (كانون الأول) 2018.
ومن المحتمل أن تشارلز لم يكن مهتماً جداً بالحكومة التي حلت محل حكم البرلمان في عهد سلفه جورج الثالث، عندما زار واشنطن لأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود.
في ذلك الوقت، أُهديت إليه نسخة رسمية من كتاب قواعد مجلس الشيوخ الأميركي خلال جولة قام بها في مبنى الكابيتول ومجلس الشيوخ.
وبدلاً من وضع الكتاب في مكتبة "هايغروف هاوس"، المقر الرسمي لإقامة أمير ويلز في تلك الفترة، فقد تم العثور على المجلد الجلدي، وهو واحد من 450 نسخة مطبوعة في بداية الكونغرس الحادي والتسعين، بعد عقود من الزمن في مخزن كتب مستعملة ولقب الشخص الذي تلقاه في الأصل لايزال منقوشاً عليه بشكل بارز: صاحب السمو الملكي أمير ويلز.
على رغم أن تشارلز ربما لم يكن مهتماً للغاية بالهدية، فقد أعرب لاحقاً عن امتنانه العميق للاستقبال الذي حظي به هو وشقيقته الأميرة آن في البيت الأبيض عند زيارتهما للرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون وعائلته.
وكتب تشارلز في رسالة شكر لنيكسون، قائلاً إن "اللطف" الذي أظهره له وللأميرة آن كان "غامراً بشكل كبير".
وأضاف: "نحمل كلانا، أنا وأختي معنا إلى بريطانيا الدليل الأكثر حميمية على ما يعرف بالعلاقة الخاصة بين بلدينا وعلى حسن الضيافة التي أظهرتها لنا أنت وعائلتك".
منذ ذلك الحين، كانت تفاعلات تشارلز اللاحقة ولعقود، مع القادة الأميركيين، تنصب بشكل كبير على شغفه بمعالجة تغير المناخ.
عندما التقى الرئيس جو بايدن في قمة "كوب 26" في غلاسكو، كانت أزمة المناخ موضوع مناقشاتهما. كما ناقش الرجلان المسائل المتعلقة بالمناخ حينما زار بايدن قصر باكنغهام لحضور حفل استقبال أقامته الملكة الراحلة خلال انعقاد قمة قادة مجموعة السبع في كورنوال.
غير أن الملك كان قد أقر بأن دوره الجديد لن يتيح له الحرية اللازمة من أجل مواصلة نشاطه المناخي.
وفي فيلم وثائقي تم إنتاجه عام 2018، سئل تشارلز ما إذا كان سيستمر في حملاته كناشط بالطريقة نفسها حالما تربع على العرش. فأجاب: "أنا لست غبياً إلى هذا الحد". وأردف "لا يمكنك أن تتصرف كملك كما لو كنت أمير ويلز أو وريثاً للعرش".
بالنظر إلى الطبيعة السياسية المشحونة المرافقة للمناقشات حول التغير المناخي الذي يسببه الإنسان، لا سيما في دولة منتجة للنفط ومحبة للسيارات مثل الولايات المتحدة، قد يستطيع المرء أن يجادل أن النشاط السابق للملك يمكن أن يجعله شخصاً غير مرغوب فيه بين صناع السياسة الأميركيين إذا استعاد الجمهوريون البيت الأبيض ووضعوا فيه إدارة صديقة للوقود الأحفوري.
إلا أن أعضاء الكونغرس الذين سئلوا من قبل "اندبندنت" عما يفكرون فيه بشأن الملك الجديد، أعربوا عن اعتقادهم أن صراحته السابقة لن تقلل من أهمية العلاقة الخاصة.
وقال النائب رو خانا، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، لـ "اندبندنت" في رسالة نصية إن جهود الملك حول قضايا المناخ يمكن أن تربط بينه وبين شباب أميركا.
وأضاف النائب أن "السنوات التي قضاها الملك تشارلز في النشاط المناخي الصادق يمكن أن تساعده على إنشاء علاقة مع شباب أميركا. هنالك فرصة سانحة له لقيادة هذه القضية على الصعيد العالمي وتعميق الروابط بين بلدينا".
بيد أن جيمس لانكفورد، وهو سيناتور جمهوري عن ولاية أوكلاهوما الغنية بالنفط، قال إنه واثق من أن آراء تشارلز لن تجد طريقها إلى المواقف الرسمية لحكومة صاحب الجلالة. وتابع "لا أعتقد أنه سيكون لها أي تأثير(...) البرلمان سيحدد سياساتهم كدولة".
أما زميله في الحزب الجمهوري، السيناتور جون كينيدي من لويزيانا، فأوضح أنه لا يعتقد أن النشاط السابق للملك سيكون عاملاً ذا صلة بعلاقة الولايات المتحدة بالمملكة المتحدة فيما يمضي قدماً في أداء مهامه كعاهل للبلاد.
وأضاف كينيدي، الذي يحمل بكالوريوس في القانون المدني من كلية ماغدالين في جامعة أوكسفورد عام 1979، إنه يتوقع أن يكون الملك تشارلز الثالث أقل ثرثرة عندما يتعلق الأمر بالموضوعات المثيرة للجدل مقارنة بما كان عليه عندما كان أميراً لويلز.
واعتبر أنه " كان صريحاً عندما كان أميراً - يمكنك فعل ذلك عندما لا تكون الملك أو الملكة، لكنني أعتقد أنه سيجد أنه سيتعين عليه أن يكون أكثر حذراً. أنا لا أقول إنه مخطئ في الأشياء التي تحدث عنها. لكن أن تكون الوريث شيء، وأن تكون الملك أو الملكة الفعلي هو شيء آخر تماماً". "وقال كينيدي ذلك على سبيل مقارنة الفرق بين كون المرء عاهلاً وكونه أمير ويلز [من جهة] بالفرق بين أن تكون عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي وأن تكون رئيساً للولايات المتحدة.
وأضاف السيناتور "يمكن لأعضاء مجلس الشيوخ أن يقولوا أشياء لا يصغي إليها العالم بأسره، بيد أن الرئيس مختلف وكذلك الملك أو الملكة. وأظنه سيكتشف على وجه السرعة، أنه سيكون عليه الاختيار والاختيار بعناية للمجالات التي يقرر أن يدلي بدلوه فيها".
إلا أن السيناتور الجمهوري من لويزيانا أعرب عن أمله في أن يبقى تشارلز مصدر استقرار للمملكة المتحدة بالطريقة ذاتها التي كانت عليها والدته الراحلة على مدار سبعة عقود، خصوصاً وأن حكومة المملكة المتحدة لم تكن تتمتع بالاستقرار على الإطلاق في السنوات الأخيرة.
واعتبر أن [الملوك] "لا يصنعون السياسات. لكنهم يصنعون الاستقرار، وهم يصنعون الاستمرارية. والملك هو رمز للتاريخ الاستثنائي للمملكة المتحدة، والنمو في المملكة المتحدة، والأخطاء التي ارتكبتها المملكة المتحدة... وكذلك مستقبل المملكة المتحدة... إنه رمز غير عادي ليس فقط للقيم الثقافية في البلاد، ولكن للحرية أيضاً".
وأوضح السيناتور بن كاردان، وهو ديمقراطي من ولاية ماريلاند وكان عضواً بارزاً في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بين عامي 2015 و2018، لـ "اندبندنت" أنه لا يعتقد أن تشارلز الثالث سيكون له تأثير كبير في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأنها سلفاً "صلبة".
أما عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا تيم كين، الذي قال إنه التقى ذات مرة تشارلز وهو لايزال أمير ويلز حينما كان يشغل منصب رئيس بلدية ريتشموند في فرجينيا، فرأى أن الأميركيين يعرفون الملك جيداً. وتوقع أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة "ستظل قوية" خلال الفترة التي سيقضيها على العرش.
ولدى الإلحاح عليه بالسؤال عن نشاط تشارلز المتعلق بالمناخ، قال كين إنه يقدر العمل الذي أداه الملك في السابق. ولكن بينما أشار إلى أن ذلك العمل كان "موضع اهتمام طويل وصادق" لأمير ويلز السابق، قال السيناتور كين إنه لا يرى أن ذلك [الاهتمام] سيؤثر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
بيد أن زميله كاردين من ماريلاند، أعرب عن أمله في أن يستخدم تشارلز منصبه الجديد لمواصلة لفت الانتباه إلى أزمة المناخ، مقارناً الملك الجديد بالبابا فرانسيس، الذي علق أيضاً على الحاجة إلى معالجة تغير المناخ.
وقال: "أعتقد أن هذا التزام عالمي يقع على عاتقنا جميعاً، وأعتقد أنه [الملك] يتحدث عن حقائق الواقع".
وأضاف كاردين: "نتوقع أن نرى القيادة في القضايا العالمية من وجهة نظر مسؤولة من جانب قادة العالم، وملك إنجلترا هو زعيم عالمي".
© The Independent