ملخص
يندرج اللقاء الأول الذي يجمع قيادات عسكرية جزائرية ومصرية وليبية مع نظيرتها من جبهة البوليساريو، في إطار اجتماع مجلس وزراء الدفاع في آلية "قدرة إقليم شمال أفريقيا" وهي آلية تابعة للاتحاد الأفريقي، فما دلالاته؟
أثارت مشاركة مصر وليبيا في اجتماع عسكري رباعي بالجزائر مع جبهة البوليساريو تساؤلات حول دلالات ذلك، وما إذا كانت هناك مساعٍ لاستمالة البلدين من أجل الاعتراف بالجبهة التي تتصارع مع المغرب حول الصحراء في نزاع مستمر منذ عقود.
يندرج هذا اللقاء، وهو الأول الذي يجمع قيادات عسكرية مصرية وليبية مع نظيرتها من جبهة البوليساريو، في إطار اجتماع مجلس وزراء الدفاع في آلية "قدرة إقليم شمال أفريقيا"، وهي آلية تابعة للاتحاد الأفريقي التي تعد الجبهة عضواً فيه.
ولم تعلق المغرب على الفور على هذا الاجتماع، لكنها في السابق لم تتردد في سحب سفيرها من تونس التي تعاملت بالمثل بسبب مشاركة زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في مؤتمر دولي احتضنته العاصمة التونسية.
اجتماع أمني فحسب
حضر الاجتماع الذي عقد في العاصمة الجزائر، قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، وكذلك مساعد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية اللواء أركان حرب عصام الجمل، ورئيس هيئة الأركان العامة لحكومة الوحدة الوطنية الليبية الفريق أول محمـد علي الحداد، ورئيس أركان جبهة البوليساريو محمد الولي أعكيك.
وتباينت تأويلات تأثيرات الاجتماع المحتملة بين من رأى فيه مناسبة لتنسيق المواقف في ظل اشتعال الوضع في السودان بين قائد الجيش الفريق الأول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وآخرين اعتبروا أنها قد تغضب المغرب الذي تعود على اتخاذ مواقف متصلبة في السنوات الأخيرة تجاه أية دولة تتقارب مع جبهة البوليساريو.
الباحث السياسي الجزائري جيلالي كرايس، لا يعتقد أن الاجتماع سيفضي إلى الاعتراف الكلي بجبهة البوليساريو من طرف مصر بخاصة، أو حتى ليبيا التي تعيش أزمة أمنية ولا تريد التصعيد مع أي طرف، فالمغرب من بين رعاة عملية السلام في ليبيا من خلال مخرجات اتفاق الصخيرات، لكن من جهة أخرى فإن الاجتماع يبدو عادياً، حيث إن الصحراء الغربية دولة عضو في الاتحاد الأفريقي وتحضر كل الاجتماعات جنباً إلى جنب مع كل الدول الاعضاء، حتى تلك التي تميل إلى الطرح المغربي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع كرايس لـ"اندبندنت عربية"، "لذلك يظل الاجتماع العسكري بهدف التنسيق الأمني بخاصة في الظروف التي تمر بها المنطقة، وتوجه السودان نحو الانهيار في حال لم يتم التوصل إلى حل للصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، فالاجتماع بحسب ما نشر من أخبار يهدف إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين دول إقليم شمال أفريقيا، والجزائر دولة مهمة ولها مكانة في المنطقة وكذلك مصر، وليبيا لا تريد أن تنتقل إليها الأزمة السودانية بخاصة أن الوضع فيها جد هش ومفتوح على كل الاحتمالات، لذلك فإن قرارات الاجتماع وما سيترتب عنه ربما أهم من التركيز في تفاصيله".
واستطرد "في اعتقادي أن مصر وليبيا في هذه المرحلة تبحثان عن كيفية التعامل مع الأزمة السودانية على المستوى الأمني، من دون التركيز على التفاصيل، ومن جهتها تعترف الجزائر بدولة الصحراء الغربية وتتعامل معها كعضو كامل العضوية في أجهزة الاتحاد الأفريقي، ولديها جيش يمكن أن يسهم في أمن الصحراء والساحل، فالجيش الصحراوي له خبرة وتجربة في الصحراء الكبرى، وهي منطقة تماس مع الساحل بكل هواجسه الأمنية والعسكرية، لا سيما بعد الأزمة السودانية والحضور الأمني الروسي وإمكان تموقع واشنطن في السودان، كل هذه المتغيرات تقتضي تنسيقاً أمنياً عالي المستوى بهدف عدم السماح بانفلات الوضع".
وحول ما إذا كانت الجزائر ستدفع نحو الاعتراف بجبهة البوليساريو، قال كرايس "لا أعتقد أنها ستطرح الأمر في مثل هذه الاجتماعات، فمن مبادئها عدم خلط الأوراق أو فرض توجهاتها على الدول، لذلك فالاجتماع أمني وحسب، وأعتقد أنه سيبقى كذلك".
مجازفة ليبية بالعلاقة مع المغرب
في المقابل، لا تخفي أوساط دبلوماسية ليبية مخاوفها من تبعات المشاركة في اجتماع يضم جبهة البوليساريو، خصوصاً في ظل ما بذله المغرب لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء منذ سقوط معمر القذافي في 2011.
ويعد اتفاق الصخيرات، الذي وقعه الفرقاء الليبيون عام 2015، واحداً من أبرز الشواهد على الدور الذي لعبته الرباط في حلحلة الأزمة الليبية، حيث تمخض ذلك الاتفاق عن ترتيبات سياسية ودستورية وأمنية في بلد لم ينعم بالأمن منذ سنوات.
يقول الدبلوماسي الليبي عثمان البدري، إن "هذا الاجتماع لن يفيد القضية الليبية في شيء نظراً إلى أن هذه القضية مرتبطة بجوانب سياسية وأمنية، لذلك فهذه المشاركة لن تعود بأي مردود إيجابي علينا، بل على العكس قد تثير حفيظة المغرب في هذه المرحلة".
وأردف البدري "نعرف أيضاً الدور المهم للمغرب في المرحلة الماضية، إذ استضاف عديداً من الاجتماعات بين الأطراف الليبية، وتمخضت هذه الاجتماعات عن اتفاقيات مهمة منها اتفاق الصخيرات، وباختصار فإن دور المغرب في ليبيا يذكر فيشكر، وإثارة حفيظة الرباط في هذه المرحلة لن يفيد القضية الليبية في شيء على رغم أن البوليساريو عضو في الاتحاد الأفريقي".
وشدد على أن "الجانب الليبي لا يحتاج لمثل هذه اللقاءات، أو إثارة حفيظة هذا الطرف أو ذاك، يوجب أن يكون حذراً في مثل هذه المسائل، لأن هذا الاجتماع في ظاهره لمحاربة الجماعات الإرهابية التي تتحرك في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يأتي في إطار دعم واضح لجبهة البوليساريو، ومن أجل حشد مواقف سياسية داعمة لها ضد المغرب، وقد كان على ليبيا التريث، فلا يمكنها أن تصطف مع هذا الجانب أو ذاك".
مصر لن تعترف بالبوليساريو
مشاركة مصر في الاجتماع العسكري الرباعي لا تعني أي موقف مختلف، خصوصاً أن القاهرة في آخر تعليق لها حول قضية الصحراء عام 2022، أعلنت دعمها للوحدة الترابية للمغرب، لافتة وقتذاك إلى التزامها الحل الأممي لهذه القضية.
لكن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي تسلم مهامه منذ أكثر من عام، لم ينجح بعد في تحريك المياه الراكدة في هذا الملف الشائك.
يقول الباحث السياسي المصري رامي شفيق، إن "القاهرة لن تقدم على الاعتراف بالجبهة، غير أن اللقاء سيخضع بالتأكيد لترتيبات تتسق مع تطورات الأوضاع في السودان وتداعياتها على دول الجوار ومنطقة الساحل، خصوصاً أن الوضع السياسي والأمني في ليبيا يرتبط بالحال الميدانية في الخرطوم".
يؤكد شفيق على أن "مصر ترى أن حدودها المباشرة، سواء الجنوبية مع السودان أو الغربية مع ليبيا، تحتاج تنسيقاً مباشراً مع الأطراف كافة، لمتابعة التطورات وآثارها المباشرة، ولعل ذلك يرتبط أيضاً بزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تشاد، وتسليمه رئيس الفترة الانتقالية رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكذا زيارة المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان للقاهرة ومقابلته الرئيس المصري".
مساع لحشد الدعم
وتواجه البوليساريو التي بدأت الصراع مع المغرب حول الصحراء وضعاً صعباً، حيث تسارعت في السنوات الأخيرة الإعلانات الدولية بدعم الرباط وأحقيتها في السيطرة على هذا الإقليم، علاوة على جمود ميداني ودبلوماسي لحلحلة النزاع.
وتعد الجزائر الداعم الرئيس للبوليساريو، فيما دخلت تونس العام الماضي على خط هذا الصراع بالخروج من حيادها المعتاد عندما استقبلت زعيم الجبهة للمشاركة في مؤتمر للتعاون الياباني-الأفريقي المعروف اختصاراً بـ"تيكاد"، وهو ما أثار حفيظة الرباط.
الباحث السياسي التونسي المتخصص في الشؤون المغاربية محمد صالح العبيدي يقول إن "الاجتماع يبعث بإشارات واضحة مفادها أن الجزائر تريد حشد مزيد من الدعم للبوليساريو ضد المغرب، ولم لا؟ فبعد تونس تحقق اختراقاً آخر باستمالة القاهرة وطرابلس".
يرى العبيدي أن "مصر تاريخياً كان موقفها متوازناً من هذا الملف، لكن الجزائر تريد أن تقول للمغرب إنها قادرة على دفعها للجلوس على طاولة واحدة مع البوليساريو، والأمر نفسه مع ليبيا التي كانت في فترة ما داعمة للجبهة".
وأكد أنه "على رغم ذلك ففي اعتقادي لن يكون هناك تطور كبير في مواقف كلا البلدين تجاه هذه القضية، لأن ذلك لا يخدم الاستقرار في المنطقة، ومصر تدرك ذلك جيداً، أما ليبيا فعلى رغم التقارب بين حكومة الوحدة الوطنية والجزائر التي دعمتها بقوة منذ البداية، فإنه يبقى من الصعب أن تجازف بانفتاح تام على الجزائر على حساب العلاقة مع الرباط التي أثبتت أنها وسيط محايد وقادر على دعم الليبيين للتوصل إلى تفاهمات".
ويقترح المغرب منذ عام 2006، منح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً على أن يبقى تحت سيطرته، وهو أمر ترفضه جبهة البوليساريو والجزائر، لكنه اكتسب في السنوات الماضية تأييداً لافتاً من الولايات المتحدة وإسبانيا المستعمرة السابقة لهذا الإقليم.