ملخص
عبارات براقة تملأ لافتات الشوارع المصرية وإعلانات القنوات الفضائية، يلجأ إليها أصحاب مراكز وعيادات التجميل؛ لجذب السيدات
"لبشرة صافية من دون تجاعيد أو هالات... وداعاً لدهون الرقبة... تخلصي من علامات الشيخوخة واستمتعي بإطلالة جذابة"، عبارات براقة دائماً ما تملأ لافتات الشوارع وإعلانات القنوات الفضائية المصرية، ويلجأ إليها أصحاب مراكز وعيادات التجميل، لجذب السيدات ولفت أنظارهن من دون دراية منهن بما يخفيه هذا العالم من خبايا.
وتُعد مصر من الأسواق الرائجة في هذا المجال، في ظل الإقبال الكثيف من النساء والرجال للاهتمام بمظهرهم الخارجي، وهو ما كشفته التقارير الصادرة من الجمعية الدولية للجراحة التجميلية المعروفة بالـ (ISAPS)، التي أكدت أن مصر تحتل مكانة متقدمة عربياً من حيث معدلات إجراء عمليات التجميل.
وعلى رغم التنامي المتزايد الذي تشهده مصر في هذا الجانب، فإن ثمة مخاوف أثارت عديداً من الشكوك والشبهات، كشفتها الأرقام الرسمية الصادرة من وزارة الصحة المصرية في فبراير (شباط) من العام الماضي، بعدما شنت عدداً من الحملات المفاجئة أسفرت عن ضبط أكثر من 3000 منشأة مخالفة وإحالتها للتحقيق من إجمالي 100 ألف منشأة طبية في مصر.
ولم تمض أشهر قليلة في العام ذاته، حتى أغلقت الوزارة 65 منشأة طبية أخرى متخصصة في الأمراض الجلدية والتجميل والعلاج بالليزر في محافظات مختلفة بعد تفتيشها 575 منشأة، لمخالفتها الاشتراطات الصحية ومعايير مكافحة العدوى.
"اندبندنت عربية "حاولت الوقوف على أسباب تزايد أعداد مراكز وعيادات التجميل غير المرخصة أو ما يطلق عليها "مراكز بير السلم"، علاوة على الدور المنوط للأجهزة المعنية ممثلة في وزارة الصحة والسكان ونقابة الأطباء والمسؤولين في مواجهة تلك الظاهرة، وما إذا كانت العقوبات القانونية رادعة لكبح جماح تداعياتها المخيفة.
تشوهات الوجه
بين عشية وضحاها، تبدلت حياة، منى عثمان (35 سنة)، بعد أن ساقها القدر للذهاب إلى أحد مجمعات العيادات الطبية بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة)، لإجراء قطع لـ"ندبات الوجه"، إلا أنها اصطدمت بواقع أكثر قسوة ومرارة، بعد أن انتهت بها الحال لتشوهات في أغلب معالم وجهها.
تروي الفتاة الثلاثينية تجربتها قائلة "البداية كانت حينما طالعت إعلاناً عبر فيسبوك لمجمع عيادات طبية يعالج ندبات الوجه، وتحمست للذهاب إليه، والتقيت داخله سيدة شرحت لها طبيعة ما أعانيه، فطلبت 10 آلاف جنيه مصري (320 دولاراً أميركياً) مقابل 4 جلسات حقن في الوجه، واتفقنا على كافة التفاصيل"، مضيفة "قامت بحقن الوجه بـ 40 حقنة، وشعرت بعد ذلك بتورم وألم شديد في كافة أجزاء وجهي لمدة قاربت الـ20 يوماً، وحينما كنت أشكو إليها الأعراض التي أعانيها، أرجعت السبب إلى مضاعفات ما بعد العملية".
وتابعت منى، "فوجئت أنها حددت لي موعداً جديداً في عيادة مختلفة تقع في منطقة مدينتي (شرق القاهرة)، وحينما ذهبت هناك؛ طلبت منها استكمال بقية الجلسات لعلاج الآثار الناتجة عما أحدثته الجلسة الأولى، إلا أنها طلبت أموالاً إضافية على خلاف ما اتفقنا عليه مسبقاً، وحينما اعترضت، بدأت تتهرب ولم تعد ترد على هاتفها".
حاولت الفتاة الثلاثينية العثور عليها، حتى تبين لها لاحقاً أنها ليست طبيبة متخصصة في هذا المجال، وأن المكان بأكمله غير مرخص، وليس مؤهلاً لهذا النوع من العمليات التجميلية، لتحرر محضراً بالواقعة لإثبات حقها القانوني.
وحدد القانون رقم 51 لعام 1981 في نص المادة "13" الخاص بتنظيم المنشآت الطبية، الحالات التي يلغى ترخيص المنشآت الطبية فيها، يكمن أبرزها "إذا أديرت المنشأة لغرض آخر غير الغرض الذي منح من أجله الترخيص، وإذا زاول بالمنشأة الطبية أشخاص غير حاصلين على ترخيص بمزاولة مهنة الطب".
تجربة مريرة
مأساة أخرى عاشتها الشيماء محمد (44 سنة)، التي كادت تفارق الحياة قبل عامين، بعد تعرضها لمشكلات طبية خطيرة ناجمة عن عملية تجميل تسببت في حدوث تسمم بالدم وبتر كف يدها اليسرى وإصابتها بمرض السكري.
تقول الشيماء "لم أكن أعلم أن إجراء عملية تجميل ربما يكون ثمنه حياتي"، متابعة "لجأت لإحدى العيادات العاملة في ذلك المجال، لإجراء عملية شفط بطن وحقن دهون في منطقة المؤخرة عقب الولادة، مقابل 35 ألف جنيه (1200 دولار)، وبمجرد الانتهاء من العملية شعرت بمضاعفات خطيرة نتج منها تسمم في الدم".
حاولت أسرة الشيماء إسعافها بعد دخولها في غيبوبة، ورفضت بعض المستشفيات في البداية استقبالها لأن الحالة خطيرة، حتى تدخل أحد أفراد أسرتها لقبولها بمستشفى متخصص، وتحكي عن ذلك قائلة "عقب إجراء الفحوص والتحاليل تبين أن نسبة السكر مرتفعة، كما أن وجود (الكانيولا) التي لازمتني عقب عملية التجميل، أحدث غرغرينا مما تسبب في بتر كف اليد اليسرى، علاوة على إحداث تشوهات في بعض أجزاء الجسم".
خاضت المرأة الأربعينية مسارها القانوني لإثبات مدى إهمال الطبيب المعالج، الذي تبين أنه غير متخصص وليس مؤهلاً لإجراء تلك النوعية من عمليات التجميل، وهو ما ظهر لاحقاً في تقرير نقابة الأطباء، الذي أرسلته لجهات التحقيق في القضية، بحسب قولها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عيادات زائفة
ويعضد الآراء سالفة الذكر، حديث عضو مجلس نقابة الأطباء، خالد أمين، بالقول "هناك كوارث وفوضى في مراكز وعيادات التجميل على كافة المستويات والأصعدة"، مشيراً إلى أن سلطة النقابة في ذلك الجانب تقع على الأطباء أنفسهم والمراكز الطبية المرخصة، علاوة على مراقبة العملية الطبية داخل تلك المنشآت، مؤكداً أن هناك عشرات الشكاوى تصل إلى النقابة يومياً والمئات شهرياً، بسبب الأزمات الناجمة عن عمليات التجميل.
ولفت أمين إلى أن هناك أزمة كبرى في تلك القضية "تتمثل في انتشار أكاديميات ومراكز تدريب تزعم أنها تدرب الأشخاص ليكونوا مؤهلين لإجراء عمليات التجميل"، مؤكداً أن نقابة الأطباء لديها وسائل قانونية لمعاقبة الأطباء في حالة المخالفة، مثل لائحة آداب المهنة في حالة إذا كانت هناك ممارسات مهنية يشوبها شائبة، وكذلك قانون العقوبات إذا نتج من الخطأ الطبي ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.
وأقرت المادة "244" من قانون العقوبات، الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مئتي جنيه (6.46 دولار) في حالة ارتكاب الخطأ، والحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه (9.69 دولار) أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة.
أما انتحال صفة الطبيب، فإن قانون مزاولة مهنة الطب يحددها بالحبس "مدة لا تجاوز سنتين، وغرامة لا تزيد على 200 جنيه (6.46 دولار)، أو بإحدى العقوبتين، وفي حالة العودة يحكم بالعقوبتين معاً".
على النقيض، يطرح مسؤول آخر في ذات المؤسسة بعداً جديداً في تلك القضية، حيث يرى رئيس لجنة التحقيقات بنقابة الأطباء، جمال عميرة أن النقابة لا تملك سلطة الضبطية القضائية، و"لا يمكنها مراقبة كل شقة أو عمارة في مصر"، مؤكداً أن مراكز التجميل تخضع لإشراف إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة والوحدات المحلية بالمحافظات، ويقتصر دور النقابة على منح التصاريح فقط لإنشاء المركز بعد التأكد من سلامة الأوراق والمستندات المقدمة إلينا.
تراخيص وهمية
بدوره؛ أكد الرئيس السابق للإدارة المركزية للعلاج الحر بوزارة الصحة المصرية، علي محروس، أن الإدارة وحدها فقط التي تملك سلطة الضبطية القضائية لتطبيقها على المنشآت الطبية المخالفة، والقانون يتعامل بجدية وحسم مع المراكز والعيادات الطبية غير المرخصة ويصل الأمر لحد إغلاق المنشأة في حالة عدم الترخيص، شريطة أن يتم الإبلاغ من الشخص الذي تعرض للمخالفة.
ووفقا لـ"محروس" بلغ عدد العيادات الطبية الخاصة المرخصة خلال فترة تواجده في المنصب أكثر من 60 ألف عيادة في 2018، وهناك تطور ملحوظ طرأ في أعداد التراخيص للعيادات خلال الـ5 سنوات الماضية، مشيراً إلى أن هناك طلباً متزايداً وإقبالاً كبيراً على هذا المجال رغبة في الاهتمام بالمظهر الخارجي.
ووفقاً لبيانات الجمعية الدولية لجراحة التجميل (ISAPS)، تم إجراء أكثر من 30 مليون عملية جراحية وغير جراحية في 2021، بزيادة قدرها 19.3 في المئة عن العام الذي سبقه، وجاءت عمليات شفط الدهون في المرتبة الأولى لأكثر أشكال الجراحة التجميلية شيوعاً في العالم، وارتفعت الإجراءات غير الجراحية (مثل الحقن بالبوتوكس) بأكثر من 54 في المئة خلال الفترة (2017 – 2021).
فوضى الأطباء
وأرجع متخصص جراحة التجميل بطب القصر العيني، أيمن نعمان، السبب إلى "غياب الرقابة وظهور الدخلاء على المهنة"، وكذلك انتشار مراكز "بئر السلم" على مدى السنوات الماضية، لا سيما مع ظهور ما يطلقون على أنفسهم "أخصائي تجميل".
وشدد نعمان على ضرورة التنبه لتلك الممارسات، وأن يتأكد كل مواطن من سلامة التصاريح الخاصة بالمنشأة التي تقدم تلك الخدمة، ومؤهلات الطبيب المتخصص في هذا الشأن سواء أكان طبيب جراحات تجميل أو طبيب جلدية، علاوة على أن لا ينساق وراء الإعلانات المُزيفة والمضللة عن تلك المراكز والعيادات.
خطر مرتقب
وفي يناير (كانون الثاني) 2019، أوصت لجنة الشؤون الصحية بالبرلمان المصري بتفعيل الرقابة على مراكز التجميل. وإلى ذلك، يقول، عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، أحمد العرجاوي، إنه لا بد من ضرورة إيجاد آلية مؤسسية تحكم عمل تلك المنشآت، مشيراً إلى أنه "أصبح من السهل على أي شخص أن يفتح مركزاً ويمارس فيه أعماله غير القانونية بعيداً من أعين الأجهزة الرقابية".
وأضاف العرجاوي أن هناك مراكز تمارس أعمالاً مخالفة بحقن البوتكس والفيلر واستخدام الليزر وهي غير مؤهلة أو مختصة في ذلك، مشيراً كذلك إلى أن استخدام الليزر من الأمور الخطيرة، لأنه من العوامل المؤدية للإصابة بمرض السرطان.
وبالتزامن مع التوسع في مراكز وعيادات التجميل، تفاقمت أزمة أكثر خطورة، تمثلت في رواج سوق مستحضرات التجميل التي اجتاحت الأسواق في غياب الرقابة، وهو ما عبّر عنه البرلماني، أيمن محسب، في طلب إحاطة وجه إلى وزيري الصحة والتموين في أبريل (نيسان) الماضي، بأن "60 في المئة من مستحضرات التجميل في مصر غير مسجلة ومغشوشة أو مهربة وتنتج منها أمراض مزمنة".