ملخص
القاسم المشترك بين النازحين داخل سوريا أو خارجها هي الخيمة وغربة قسرية طوال 11 سنة عجفاء غيرت وجه البلاد وطوت معها كل السلام والأمن
مخطئ من يعتقد أن الطمأنينة تسري في نفوس النازحين بمخيمات اللجوء داخل سوريا أو خارجها لا سيما في الدول المجاورة بعد كل التطورات الأخيرة المرتبطة بالتسويات السياسية الحاصلة، وفي القلب منها عودة اللاجئين إلى وطنهم في مرحلة مقبلة، بالتوازي مع ضبابية مشهد المصير وكيفية العودة والضمانات الآمنة لها.
حتى مع تعهد سوريا بفتح أبوابها أمام الفارين من ويلات الحرب، على إثر استعادتها مقعدها بجامعة الدول العربية، في السابع من مايو (أيار) الجاري بالاعتماد على مبدأ خطوة بخطوة، يتخوف كثيرون من عودة قسرية لهم من بلدان الجوار، وسط زغاريد النصر التي أطلقها الفريق الموالي لدمشق، وحنق يختلج نفوس المعارضين غير الراضين عن مسار التطبيع مع السلطة، والذي بدا يشق طريقه كقطار لا يتوقف حتى آخر محطة.
عودة السوريين باتت محاصرة بالخوف أيضاً من انتصار سياسي ودبلوماسي جديد للحكومة في دمشق، بعد جلسة اجتماع رباعية في موسكو وتسجيلها أول لقاء بين وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد.
وعلى مدى عقد من الزمن تكبدت دول اللجوء السوري أعباء تدفق طالبي الحماية واللجوء تفوق استطاعتها، أي منذ اندلاع الحرب السورية في عام 2011، إذ فتحت (تركيا ولبنان والأردن) حدودها لتستقبل طالبي اللجوء فراراً من نيران الحرب المشتعلة في تضامن إنساني من واقعهم المحزن والذي تنفطر له الأكباد، بعد أن تقطعت بهم سبل العيش الكريم حين دمرت بيوتهم.
سقف البيت
بالعودة إلى اجتماعات الجامعة العربية، وشروط التفاوض التي وضعها مجلسها، ومنها إنهاء الاقتتال ووقف إطلاق النار وإعادة إحياء مسار اجتماعات اللجنة الدستورية وسحب القوات الأجنبية وغيرها، كان ملف اللاجئين أكثر ما يثير التساؤلات كيف سيحدث، وما السيناريو الصحيح لتنفيذه؟
وليس بعيداً أن يقتلع هؤلاء اللاجئون أوتاد خيامهم المثقلة بالهموم والمتاعب ومعها ذكريات الألم، وحينما تأزف ساعة الرحيل إلى الأوطان، لا يهم متى يجتثون مخدعهم القماشي المتناثرة فوق سطحه رقع بالية كما لو أنها تحكي أوجاع الدهر، فكل ما يدور داخل كل خيمة سوري خارج حدود بلاده هو "كيف ستكون العودة وما شروطها؟ هل سنعيش الأمان؟ ماذا ينتظرنا بعد كل هذه السنوات الماضية؟ هل دارنا على حالها وحقولنا ما زالت خضراء؟".
لا شك أن جل أحلام هؤلاء اليوم هي حياة كريمة يتابعون فيها مسيرة العمر بعيداً من كلمة "نازح" التي تلاحقهم كوصمة ضاق الصبر منها ذرعاً، وليس غريباً ما وصفته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ما حدث من حركة نزوح للسوريين على أنها الأضخم في العالم، حيث اضطر 13 مليون شخص، بحسب إحصاءات أممية إلى الفرار من الصراع الأهلي المسلح خارج البلاد أو داخل حدودها وإلى مناطق آمنة، ملاصقة للحدود التركية بعد أن توقفت إسطنبول عن إدخال مزيد من النازحين إلى أراضيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تتوقف مناشدات المتحدث باسم المفوضية بوريس تشيشركروف العالم بحاجة دول الجوار السوري إلى دعم دولي مستمر، إذ استضافت قرابة 5.6 مليون لاجئ سوري وهي أكبر مجموعة من اللاجئين حول العالم، وفق حديثه.
التصريحات الأممية التي تحض الدول المانحة كل عام في مؤتمر بروكسل السنوي، والذي يعقد في مارس (آذار) أو أبريل (نيسان)، لم تعد تحقق أية نتائج تذكر، فالحرب الأوكرانية برزت العام الماضي كتحد خطر وضعته الدول الأوروبية كأولوية دعم بعد بروز حركة نزوح، علاوة عن أزمة مالية خلفتها جائحة كورونا والحرب في ليبيا.
كل ذلك بعيداً من الحرب السودانية التي تدور رحاها بلا توقف اليوم، وكلها أزمات وحروب خطفت أنظار الدول المانحة إليها كونها مشكلات إنسانية تستحق الدعم، فضلاً عما أصاب الدول الأجنبية من تململ بعد أن ضاقت ذرعاً من طول أمد الحرب السورية.
وثمة انخفاض في تمويل الدول والمجتمعات المانحة لسوريا، إذ تشير مفوضية اللاجئين إلى تلقيها نصف التمويل المطلوب لخطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة في مؤتمر بروكسل قبل الأخير، في إشارة إلى خفض الاهتمام، مما انعكس بدوره على مستوى المعيشة والحاجات الغذائية والصحية والطبية والنفسية.
لقد عاد الملف السوري إلى الواجهة، وتصدر المشهد والأهمية بين كل الأزمات بعد زلزال السادس من فبراير (شباط) الماضي، والذي أصاب شمال وغرب البلاد وجنوب تركيا مودياً بحياة أكثر من 30 ألف ضحية، ومشرداً مئات الآلاف من العائلات.
وتعهدت الدول المانحة في بروكسل هذا العام بمنح سوريا وتركيا سبعة مليارات دولار مع الحرص على عدم دعوة دمشق إلى المؤتمر، الذي يعقد من دونها، على رغم تجميد العقوبات الأميركية ووصول وفود أجنبية وعربية والتي من خلالها أنهت العزلة السياسية للسلطة.
تحديات العودة
تعيش دول الجوار السوري أزمة مصرفية ومالية منذ سنوات، في حين بات ملف اللاجئين ورقة سياسية وانتخابية تلوح بها المعارضة التركية كسبيل للظفر بالفوز في انتخابات الرئاسة والبرلمان.
ومع كل ذلك يبدو السيناريو الأقرب إلى التحقق وسط الغموض الحاصل هو إيجاد ضمانات آمنة لعودة اللاجئين ودونها لن يتدفقوا إلى بلادهم بل منهم من يفكر بالسعي اتجاه أوروبا.
ويرى مراقبون لواقع النازحين الأسود أن العامل الأمني والاستقرار هو أبرز ما يحتاجون إليه، يتبعه إلغاء دعوة الاحتياط وتسوية أوضاع المطلوبين لخدمة الجيش، وتوقف العنف المفرط ومظاهر الحرب.
أما العامل الاقتصادي فيعد الأكثر إلحاحاً، وعلى رغم وجود لاجئين سياسيين فإن من بينهم موالين يرغبون بالعودة، لكن الأمر غير مشجع لهم بسبب فقدان فرص العمل وضعف الخدمات والأرضية المحفزة للإنتاج والمشجعة للاستثمار من جهة ولضعف القدرة الشرائية والتضخم وانهيار البنية التحتية من جهة أخرى. وهنا يقدر البنك الدولي إعادة إعمار سوريا بعد الزلزال بسبعة مليارات دولار، بينما الحكومة قدرت حجم الخسائر بـ50 مليار دولار.
في المقابل، يقدر المبعوث الرئاسي الروسي، ألكسندر لافرنتييف، كلفة إعادة إعمار سوريا بـ800 مليار دولار. وقال في تصريحات سابقة "استنفدت الحكومة السورية وبعد 11 عاماً من المواجهة مع الإرهابيين مواردها المالية وسيكون من الصعب جداً تجاوز هذا الوضع من دون مساعدة فعالة من المجتمع الدولي".
غربة في الوطن
على رغم عيشهم على أرض وطنهم فإن (الخيمة) بقيت ملجأهم الوحيد في مناطق شمال غربي سوريا، بل إنها تعد حلماً بعيد المنال، وبين 2019 و2020 باتت عائلات من ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي يلتحفون السماء ويفترشون أرض بساتين وحقول أشجار الزيتون المعمرة، وتتقاسم عائلة أو ثلاث عائلات خيمة واحدة رثة لا تصمد أمام أقل العواصف المطرية شدة.
وتفيد إحصاءات "منسقو الاستجابة" عن وجود ما يربو على مليوني نازح داخل الأراضي السورية يتركزون في شمال البلاد، ونشوء 1633 مخيماً يقطنها نحو 1.8 مليون شخص بينها 514 مخيماً عشوائياً يقطنها أكثر من 300 ألف شخص.
يبقى القاسم المشترك بين النازحين داخل الوطن أو خارجه هو خيمة وغربة قسرية، طوال 11 سنة عجفاء غيرت وجه سوريا، وطوت معها كل السلام والأمن.
أما المتوقع فهو أن يبقى جيل قد ولد على تراب غير تراب البلد ومن سيعود فسيواجه بلا شك تحديات أمنية وسياسية واقتصادية مصحوبة بتغير ديموغرافي حدث طوال تلك المرحلة على أسس طائفية وعقائدية، وفي حال لم تحدث مصالحة حقيقية لن تنكفئ الحرب وإن وضعت أوزارها إلى حين.