تعقّد مسعى "الحوار الوطني الشامل" في الجزائر بعد خطاب لرئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح، وصف فيه شروط إطلاق سراح الموقوفين وتخفيف الإجراءات الأمنية حول المسيرات بـ "أفكار مسمومة تبثها العصابة"، وسارع إسماعيل لالماس عضو هيئة الحوار إلى إعلان انسحابه، بينما تريث بقية الأعضاء قبل إبداء موقف نهائي إلى غاية الخميس.
"لا إملاءات لمباشرة الحوار"
لم تكن كلمة رئيس أركان الجيش الجزائري، أمام "المتفوقين من طلبة أشبال الأمة" في مقر وزارة الدفاع "دبلوماسية"، بقدر ما انتقدت نقاشات تبعت إعلان تأسيس هيئة للحوار الخميس الماضي. وحملت كلمة الفريق أحمد قايد صالح، ثلاثة محاور على الأقل، وضعت حداً لسجالات صنعتها بالأساس، شخصيات دعيت للمشاركة في الحوار، لكنها قدمت شروطاً لقاء الموافقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نعم لهيئة كريم يونس
وبقدر ما كانت كلمة قائد المؤسسة العسكرية، واضحة بعين البعض، بقدر ما كانت غامضة في الوقت نفسه، أو على الأقل تحمل "تناقضات" بعين البعض الآخر. فقايد صالح، امتدح هيئة الحوار الوطني التي يقودها كريم يونس، وقال "الجيش يثمن الخطوات المقطوعة على درب الحوار الوطني، لا سيما بعد استقبال السيد رئيس الدولة لمجموعة من الشخصيات الوطنية".
وتحدث صالح عن دور هذه الهيئة بصيغة المستقبل، أي أن الجيش يضم صوته إلى رئاسة الدولة في إعلان ثقته فيها، وقال "رئيس الدولة استقبل الشخصيات التي ستتولى إدارة هذا الحوار، وتعهد بتوفير الإمكانات اللازمة والضرورية لمرافقتها في هذا المسعى النبيل، وتهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات الرئاسية في أقرب الآجال".
أضاف "لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، فالانتخابات هي النقطة الأساسية التي ينبغي أن يدور حولها الحوار، حوار نباركه ونتمنى أن يكلل بالتوفيق والنجاح، بعيداً من أسلوب وضع الشروط المسبقة التي تصل إلى حد الإملاءات".
"لا وجود لسجناء رأي"
وبمجرد إنهائه قراءة فقرات من الخطاب تثمن عمل لجنة رئيس البرلمان السابق كريم يونس، وجه رئيس الأركان، انتقادات لما سماها "شروطاً بل إملاءات" مقابل المشاركة في الحوار، قائلاً "مثل هذه الأساليب والأطروحات مرفوضة شكلاً ومضموناً، لأن الجزائر بحاجة إلى من يضحي من أجلها ويقدم المصلحة العليا للوطن على ما سواها، ويتحلى بالنزاهة والحكمة والهدوء والرزانة وبعد النظر، ويرفع مستوى النقاش ويترفع عن القضايا الهامشية ويبتعد من المزايدات، لأن الأمر يتعلق بمستقبل الشعب ومصير الأمة".
لكن الأمر الذي صعب فهمه في خطاب نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس الأركان، أن الأفكار التي انتقدها كانت مذكورة في بيان تلاه كريم يونس نفسه بمقر رئاسة الجمهورية، الخميس الماضي، بل كانت محل تفاعل من رئيس الدولة المؤقت، في بيان ثان حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه.
ثبات على موقف أم انقلاب على يونس؟
وفي حديثه عن موقوفي الحراك، أشار قايد صالح إلى "بعض الأفكار المسمومة التي بثتها العصابة وتبنتها بعض الأصوات التي تدور في فلكها، والمتمثلة في الدعوة إلى إطلاق سراح الموقوفين الموصوفين زوراً وبهتاناً بسجناء الرأي وتخفيف الإجراءات الأمنية المتخذة على مداخل العاصمة والمدن الكبرى، ومحاولة ضرب مصداقية وأداء مؤسسات الدولة، من خلال نشر الإشاعات لتضليل الرأي العام وإفشال جهود المسؤولين النزهاء والمخلصين القائمين عليها".
فشرح أولاً بخصوص السجناء "العدالة وحدها من تقرر، طبقاً للقانون، بشأن هؤلاء الأشخاص الذين تعـدوا على رموز الدولة ومؤسساتها وأهانوا الراية الوطنية، ولا يحق لأي أحد كان، أن يتدخل في عملها وصلاحياتها ويحاول التأثير في قراراتها"، ووجه دعوة للعدالة باسم الجيش "لمواصلة مسعاها الوطني المخلص بالعزيمة نفسها والإصرار بعيداً من كل التأثيرات والضغوط التي تحاول منح فرصة للعصابة وأذنابها من أجل التملص من العقاب والعودة إلى زرع البلبلة والتأثير في مسار الأحداث".
واختلفت قراءات في وصف المستهدف بهذه الفقرة، فيقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر علي ربيج لـ"اندبندنت عربية"، إن "المؤسسة العسكرية لم تغير موقفها من سجناء الحراك، ومن البداية كان رئيس الأركان ينفي وجود سجناء سياسيين أو سجناء رأي". لكن أطرافاً أخرى، فهمت الخطاب "انقلاباً" على كريم يونس والهيئة التي ترافقه، ووجه الناشط السياسي فضيل بومالة رسالة ينصح فيها يونس قائلاً "عد إلى بيتك كما فعلت منذ سنوات طويلة (...) اسمح لي أن أذكرك أن النظام ومن خلاله قيادة الأركان لا يرون فيك وفي كل من يعرض خدماته عليهم مجاناً سوى قطع غيار".
"دعوة مشبوهة" لتخفيف الإجراءات الأمنية
النقطة الثانية التي أثارها الفريق في خطابه، صدرت عن هيئة كريم يونس من دون غيرها، فقال "بخصوص الدعوة المشبوهة وغير المنطقية المطالبة بتخفيف الإجراءات الأمنية المتخذة على مداخل العاصمة والمدن الكبرى، هذه التدابير الوقائية التي تتخذها مصالح الأمن لتأمين المسيرات، هي في مصلحة الشعب وحماية له وليس العكس، وهو الأمر الذي طالما أكدناه أكثر من مرة بضرورة تنظيم وتأطير المسيرات لتفادي اختراقها".
وعليه، "فمن غير المقبول التشكيك في نوايا وجهود مصالح الأمن، ومن غير الأخلاقي تشويه الحقائق واختلاق الأكاذيب، بغرض إعطاء نفس جديد لأصحاب النوايا الخبيثة، الذين يعملون على تأجيج الوضع وإطالة أمد الأزمة".
لالماس يستقيل بعد خطاب الفريق
وبمجرد تداول خطاب رئيس الأركان، عقدت هيئة الحوار اجتماعاً وصفته بالطارئ، استمر ساعات من دون أن ينتج منه أي قرار بالانسحاب، أما العضو إسماعيل لالماس، فسارع إلى إعلان "استقالته" في بيان أرسله لوسائل الإعلام. ولالماس هو العضو السادس ضمن الهيئة التي استقبلها بن صالح الخميس الماضي، وضمت أيضاً كلاً من كريم يونس، بوزيد لزهاري، فتيحة بن عبو، عبد الوهاب بن جلول، وعز الدين بن عيسى.
وجاء في رسالة الانسحاب "إلى الشعب الجزائري وأعضاء لجنة الحوار المستقلة، في غياب ردّ إيجابي للمطالب الشعبية في ما يخص إجراءات التهدئة الضرورية لإنجاح عملية الحوار، ونظراً للضغوطات التي واجهتها منذ الإعلان على اللجنة، قررت انسحابي واستقالتي فوراً من لجنة الحوار ابتداء من هذه اللحظة"، وتابع الخبير الاقتصادي قائلاً "لقد حاولت بكل جهدي أن أساعد في إخراج بلدي من الأزمة ولكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها".
كريم يونس يتريث
ونقلت مصادر عدة اتصلت بكريم يونس، بعد خطاب رئيس الأركان، وكان الرجل يرد على المتصلين به بأنه "يجري اتصالات هاتفية ويستقبل شخصيات"، من دون أن يوضح هوية هؤلاء، وعلمت "اندبندنت عربية" من حدة حزام، التي استدعيت لتلتحق بهيئة الحوار ضمن الشخصيات الـ23 الجديدة، أن "لا شيء تقرر بعد بخصوص استمرار الهيئة من عدمه، نترقب قراراً من كريم يونس هذا الخميس مثلما سبق وأعلنه".
وعلى الرغم من "حدة الخطاب"، فإن مصادر تشير إلى تلقي يونس ما يشبه "التوضيح" من جهة عليا، تقول إن خطاب المؤسسة العسكرية "موجه لشخصيات أملت شروطاً في وجه الحوار الوطني الشامل على الرغم من جميع الصلاحيات الممنوحة للهيئة المديرة لهذه العملية السياسية".