ملخص
عبر تاريخ تركيا تسببت المواجهات السياسية في توترات كبيرة، فمن الممكن أن تصبح السياسة صعبة، خصوصاً خلال فترة الانتخابات، فتنتشر الإشاعات والأكاذيب وتجد قبولاً واسعاً لدى الجمهور
سياسة الاستقطاب بالدعاية السوداء ليست غائبة عن السياسة التركية، بل هناك أمثلة كثيرة لها في تاريخ البلاد نستعرض جزءاً منها في سياق هذا التقرير.
خلال لقائه على قناة "خبر ترك" التلفزيونية، كان رد مرشح تحالف الأمة كمال كليتشدار أوغلو قاسياً عندما تمت مشاركة فيديو له مع مراد قرايلان أحد قادة حزب العمال الكردستاني.
كليتشدار أوغلو استهدف مرشح تحالف الشعب رجب طيب أردوغان واتهمه بالاحتيال والافتراء، علماً أن هذا الفيديو تم عرضه في أحد التجمعات الانتخابية لأردوغان في إسطنبول قبل أن تتناقله شاشات التلفزيون.
لكن بعدما ظهرت ادعاءات عدة بأن هذا الفيديو مفبرك، قال أردوغان خلال لقاء على قناة "تي آر تي"، رداً على سؤال الصحافي عبدالقادر سلفي حول الموضوع "لدى كليتشدار أوغلو تسجيل مصور مع الموجودين في قنديل، لكن هذا مونتاج".
فسرت المعارضة تصريح أردوغان على أنه "اعترف بأن الفيديو كان مفبركاً"، كما اعترف المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن بأن الفيديو كان خيالياً، "شريط فيديو قصير أعدته مجموعة من الشباب الأذكياء، عناصره حقيقية، لكن الفيديو بحد ذاته خيال".
لم ينته الجدل عند هذا الفيديو فحسب، بل بدت أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي بعض المنشورات التي تتعلق بالمرشح الرئاسي رئيس حزب البلد محرم إنجه الذي قال إنها مفبركة، مما تسبب في احتجاز متهمين عدة وتقييد الوصول إلى بعض الحسابات.
عبر التاريخ تسببت المواجهات السياسية في توترات كبيرة داخل تركيا، فمن الممكن أن تصبح السياسة صعبة، خصوصاً خلال فترة الانتخابات، ففي مثل هذه الفترات تنتشر الإشاعات والأكاذيب، عمداً أو سهواً، وتجد قبولاً واسعاً لدى الجمهور، إذ إن هناك كثيراً من الناس يصدقونها.
منذ العهد الدستوري الثاني
أستاذ قسم التاريخ في جامعة "9 أيلول" هاكي أويار الذي لديه نحو 10 مؤلفات حول هذه القضايا قال إن المعارك الحزبية والاستقطاب السياسي موجودان منذ العهد الدستوري الثاني، مذكراً بالمواجهة الوحدوية مع الوفاق 1908-1922، والمواجهة بين اليمين واليسار 1965-1980، والمواجهة العلمانية الإسلامية في التسعينيات وتنافس تحالفي الجمهور والأمة.
وأضاف أويار أن المعارك بين جمعية "الاتحاد والترقي" وحزب "الحرية والائتلاف" كان لها أثر سلبي في البيئة السياسية خلال العصر الدستوري الثاني، مثل التسبب في قتل الصحافيين أحمد صميم وحسن فهمي و"إرهاب الشارع"، حيث خلقت الانتخابات حال كراهية كبيرة بين الحزبين، مما أثر بشكل سلبي في النضال الوطني، إذ لم يدعم حزب الحرية والائتلاف النضال والحلفاء لأنهم اعتبروا "الاتحاد والترقي" متعاونين مع الأعداء ووصلت الاتهامات إلى حد الخيانة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن التنافس بين الأحزاب في الفترة الأولى من الجمهورية التركية أدى إلى أحداث يمكن تسميتها بـ"القبيحة"، خصوصاً خلال فترة خمسينيات القرن الماضي، عندما تم إدخال نظام التعددية الحزبية، فعاشت البلاد أعواماً سياسية صعبة.
وأشار إلى أن "عدنان مندريس طلب عام 1958 من المواطنين تأسيس جبهة وطنية ضد الكراهية بغض النظر عن السياسة والعاطفة، إذ إنه وصف خصومه بأنهم "جبهة الكراهية والعداوة"، وأثناء ذلك وبسبب التوتر السياسي تعرض الصحافيون المعارضون لضغط شديد.
كما تعرض عصمت إينونو للرجم بالحجارة في منطقة أوشاك وتمت محاولة إعدامه من دون محاكمة في توبكابي بإسطنبول، وفي المقابل، وفق أويار، أرسلت صور غير لائقة لمندريس إلى إينونو في النصف الثاني من الخمسينيات، لكنه رفض استخدام هذه الصور وأبدى غضبه من الذين أرسلوها إليه.
وعام 1975 عندما شكلت حكومة الجبهة الوطنية أيضاً تصاعد التوتر السياسي في البلاد تدريجاً، وانعكس الصراع بين اليمين واليسار في الشوارع، "العنف في تركيا تصاعد تدريجاً، وبغض النظر عن مدير ’تي آر تي‘ تعرض سليمان ديميريل لهجوم باليد، كما تعرضت تجمعات حزب الشعب الجمهوري لاعتداءات، وخلال ستة أشهر قتل 21 شاباً، فيما خرج رئيس الوزراء سليمان ديميريل ليعلن ’لا يمكنك أن تجعلني أقول إن القوميين يرتكبون جرائم قتل‘، ولا ننسى أيضاً مجزرة الأول من مايو (أيار) 1977 التي قتل فيها 37 شخصاً، فضلاً عن الهجمات التي تعرض لها بولنت أجاويد ومنها محاولة اغتيال في مطار سيغلي".
انعكاس للتوتر السياسي
أما بالنسبة إلى شريط الفيديو الذي يخص رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دينيز بايكال في الفترة ما بين 2010-2011، فقال أويار إن هناك تسجيلات مشابهة ظهرت ضد عدد من نواب حزب الحركة القومية، وهذا كله يمكن اعتباره انعكاساً للتوتر السياسي "نحن لا نواجه أي شيء، لكن مع تقدم التكنولوجيا أصبحت الأمور أكثر تعقيداً".
طرحنا على أويار السؤال التالي، ما أهم الاتهامات في تاريخ السياسة التركية المعروفة أنها كاذبة أو لم تثبت صحتها؟ فأجاب أن هناك كثيراً من الأمثلة في هذا الصدد، منها الادعاء بأن عصمت إينونو متورط في جريمة قتل بعد انتخابات 1950 مباشرة، إذ ظهرت اتهامات بأن الشباب قتلوا وتم مزج جثثهم باللحم المفروم قبل الـ27 من مايو.
وعن مدى تصديق الشعب هذه الافتراءات وهل أثرت في العمليات الانتخابية، أضاف "طبعاً الكذب والإشاعات لها تأثير، فعلى سبيل المثال لا تزال هناك تشوهات في المجتمع متعلقة بمنع الحجاب والقرآن وبناء المساجد في عهد الحزب الواحد، لكن الأمر المثير للاهتمام هو أن هذه الادعاءات والأكاذيب يمكن أن تستمر وتعثر على جمهور ولو بعد سنين، ومثال آخر، الهراء التاريخي بأن اتفاق لوزان عمره 100 عام، وأن فيه بنوداً سرية، والفكرة التي لا تزال سارية في الأوساط المحافظة بأن أتاتورك دمر الإمبراطورية العثمانية، وأيضاً مثال آخر، كذبة مقتل تورغوت أوزال عن طريق التسمم، هذا افتراء أخرجه إينونو".
ختاماً من المؤكد أن سياسة الاستقطاب بالدعاية السوداء مستمرة في تركيا، "في الغالب تعتمد ثقافتنا الديمقراطية على الصراع، إذ إن الصحافة والشعب ليسا أحراراً نسبياً، ومع تطور التكنولوجيا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم أيضاً على نطاق واسع لهذا الغرض".