ملخص
بادينوك تحتفظ بـ800 قانون من القوانين الأوروبية في استكمال لهندسات ريشي سوناك البريكسيتية.
أعلنت وزيرة الأعمال والتجارة كيمي بادينوك في معرض كلامها عن خطة إلغاء نحو 4.000 قانون أوروبي من سجل القوانين المعمول بها في المملكة المتحدة، عن خفض عدد القوانين [المشمولة في الخطة] إلى نحو 800، في قرار أثار قلق منتقدي الاتحاد الأوروبي في كل مكان، تلته اتهامات بـ"خيانة اتفاق بريكست". وبموجب مشروع قانون (إزالة وتعديل) القوانين الأوروبية Retained EU Law (Revocation and Reform) Bill الذي وضعه وزير الأعمال السابق جاكوب ريس-موغ، ستلغى تلقائياً، بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) 2023، القوانين التي لم يعمل الوزراء أو البرلمان على حمايتها أو تحديثها بشكل فاعل، فيطبق بالتالي شرط انقضاء مثير للجدل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر خفض [عدد القوانين المشمولة في] الخطة أحدث إجراء ضمن سلسلة إجراءات تصحيحية هندسها ريشي سوناك ضمن آلية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
أين أعلنت بادينوك عن قرارها؟
لم يرد ذكر القرار في "تقرير هانسارد البرلماني" [وهو سجل تقليدي لنصوص المناقشات البرلمانية في بريطانيا وعدد من دول الكومنولث]، ولم ينظم أي مؤتمر صحافي [للإعلان عن القرار]. بل إن بادينوك اختارت، في دليل واضح على مدى تأثير "مجموعة البحوث الأوروبية" European Research Group (ERG) اليمينية في الحزب، أن تكشف عن الخبر السيئ للمرة الأولى، وبصورة حصرية، خلال اجتماع مغلق لـ"مجموعة البحوث الأوروبية". أما النواب الآخرون، وطبعاً الشعب، فلم يعلموا بمضمونه إلا لاحقاً، من التقارير الصحافية.
وعملت بادينوك بما هو مألوف، فألقت اللوم على الموظفين الحكوميين الذين أخبروها بأن الجدول الزمني [للخطة] غير قابل للتطبيق. وفي هذا السياق، صحيح أن إحدى العقبات تتمثل في كثرة القوانين [المشمولة في الخطة] وفي تغطيتها لمجالات شاسعة كانت سابقاً ضمن صلاحيات الاتحاد الأوروبي، لكن ارتكاز القوانين على مواضيع حساسة، كحقوق العمال والبيئة والزراعة، فيه تحذير للوزراء بأنهم سيواجهون مقاومة شديدة.
كيف تم تقبل القرار؟
نقل عن لسان عضو في "مجموعة البحوث الأوروبية" أن القرار شكل "خيبة أمل مدوية"، في حين قال أحد نواب المقاعد الخلفية: "نحتاج إلى وزير قوي. أما هي، فوزيرة ضعيفة، يتفوق عليها إلى حد كبير مؤيدو البقاء ضمن المنظومة الأوروبية Remainers. وفي حين كنا بحاجة إلى وزير قوي، أثبتت كيمي إلى أي مدى [أداؤها] مخيب للآمال".
لقد قدم سوناك كأساً سامة لبادينوك المتشبثة بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وتركها توفر غطاء وحجة لإحدى مبادراته العملية، الهادفة إلى عودة أدراجه [في منتصف الطريق]. بالتالي، ها إن بادينوك تقوض حظوظها في القيادة.
هل من مشكلات أخرى في مشروع قانون (إزالة وتعديل) القوانين الأوروبية؟
وما أكثرها. فمن الأمور التي طرأت منذ الاتفاق على "إطار وندسور"، أن المقام الخاص الممنوح لإيرلندا الشمالية ضمن السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي يفرض مواصلة تطبيق عدد من القوانين البريطانية الراهنة، المستقاة من الأنظمة الأوروبية، في إيرلندا الشمالية، حتى في حال إلغائها في ما تبقى من المملكة المتحدة.
أضف إلى ذلك مسألة أخرى انبغى التنبه إليها قبل الآن، وهي أن بعض القوانين تبقى قائمة بسبب اتفاق "بريكست" الذي يوجب على الطرفين تطبيق "شروط مماثلة لجميع الأطراف".
بالتالي، وفي حال طرأت تغييرات على قانون العمل في المملكة المتحدة وانعكست بشكل ملموس على التجارة والاستثمار، أو أدت إلى تقليص حقوق العمال، فقد يفرض الاتحاد الأوروبي غرامات على بريطانيا. ولا بد للحكومة إذاً من أن تكون حذرة، في حال قررت إنفاذ تغييرات تحد من مستوى الحماية المقدمة للعمال أو تمنع تطبيق حقوق العمل، بطريقة تنعكس على التجارة.
بهذه الطريقة، سيبقى القانون البريطاني المكرس لتوجيهات الاتحاد الأوروبي حول عدد ساعات دوام العمل قائماً، على رغم خيبة بادينوك وزملائها. (وفي هذا السياق، تحدد [التوجيهات الأوروبية] ساعات العمل الأسبوعية بـ48 ساعة، بالاعتماد على فترة زمنية مرجعية ممتدة على 17 أسبوعاً. لكن في حال إلغاء هذا القانون من دون إيجاد بديل عنه، فلن تعود تفرض أي قيود على عدد ساعات الدوام خلال أسبوع عمل).
سبق لقوانين أخرى بالغة الأهمية، كالقوانين الضريبية، أن وضعت خارج إطار تطبيق مشروع قانون (إزالة وتعديل) القوانين الأوروبية، كما أن مشروع القانون المذكور لم يلغ بالكامل قانون السوابق والأحكام القضائية الذي تعتمده المحكمة الأوروبية، وسيبقى بالتالي سارياً على القوانين التي تقرر عدم التخلي عنها، على سبيل المثال عند تعريف "العامل" في قانون العمل والدعاوى القضائية. وفي هذا الإطار، يبدو تحديد العدد الفعلي للقوانين المستقاة من الاتحاد الأوروبي مستحيلاً.
ما الداعي لإحداث التغييرات الآن؟
لأن مشروع قانون (إزالة وتعديل) القوانين الأوروبية يوشك على الانهيار، ولأننا نقترب من موعد الانتخابات المحلية. فمشروع القانون المذكور سيحال، في الـ15 من مايو (أيار)، إلى مجلس الأعيان لمراجعة تفاصيله، ويكون على الأرجح عرضة للتشريح والتأجيل، فتزداد الفوضى. وفي هذا الإطار، يصر تحالف قوي بين الحزبين على منع ما يعتبره مشروع قانون سيئاً وانتهاكاً بحجم غير مسبوق للسلطة الوزارية. ووسط احتمال حصول كارثة من هذا القبيل، ترى الحكومة نفسها مرغمة على مراجعة قرارها.
هل يحرج الموضوع رئيس الوزراء؟
بالطبع. فخلال حملة سوناك الرئاسية العام الماضي، أنتج مقطع فيديو قصيراً وذكياً، ظهرت فيه آلة إتلاف ورق تمزق قوانين الاتحاد الأوروبي. فأثبت من خلاله وجهة نظر قوية، إذ تعهد بإبطال أو استبدال أكثر من 2.000 قانون قبل الانتخابات العامة التالية، "وبإلغاء أو إصلاح جميع قوانين الاتحاد الأوروبي، وحواجزه الروتينية، وإجراءاته البيروقراطية التي لا تزال مشمولة في سجل القوانين ولا تزال تسبب تباطؤاً للنمو الاقتصادي".
دخل ذلك كله ضمن إطار [منافسة هي أشبه] بسباق على التسلح ضد بروكسيل مع غريمته ليز تراس التي وعدت بإلغاء جميع القوانين بوتيرة أسرع حتى، بحلول نهاية عام 2023، على رغم تحذيرات رؤساء الشركات والمحامين بأن ذلك سيكون سبباً للخلل والفوضى. لكن تبين أن العملية تنطوي على تعقيدات - وأخطار سياسية - هي أكبر بقليل مما توقعه أي من سوناك أو تراس.
أي قوانين ستتأثر؟
ستتأثر [تحديداً] القوانين التي تتناول مسائل حساسة على غرار التجارب على الحيوانات لإنتاج مستحضرات التجميل، والتعويض عن رحلات السفر المتأخرة، وتساوي الرواتب بين الرجال والنساء، وحقوق تقاعد الأرامل في الزيجات بين المثليين. وفي هذا الإطار، حذرت نحو 25 مجموعة معنية بمعايير السلامة، من بينها "مؤتمر اتحاد العمال" Trades Union Congress (TUC) و"مجلس السلامة البريطاني" British Safety Council و"الجمعية الملكية للوقاية من الحوادث" Royal Society for the Prevention of Accidents، من التداعيات غير المقصودة لمشروع قانون (إزالة وتعديل) القوانين الأوروبية، مع اتهام الوزراء بتسهيل القسوة تجاه الحيوانات ونهب الأرامل خلال عام ستجري فيه انتخابات.
كلما قرر المحافظون إعطاء صورة تعكس الإنصاف والكفاءة، كتب سيناريو حزب العمال نفسه تلقائياً. وقد تبدو "النيران الاحتفالية" الهادفة إلى إحراق القوانين أشبه بنيران إحراق نفايات، مع أن حلاً أفضل بكثير يتمثل في أن يتحدد، في الإعلان الرسمي [للحكومة]، إطار لعدد من الالتزامات المبهمة، قبل الشروع في وضع فعلي للسياسات، على أن يتسنى إجراء تدقيق برلماني واقعي في مرحلة ما بعد الانتخابات.
ففي نهاية المطاف، هم وعدوا فعلياً بـ"استعادة السيطرة" على البرلمان البريطاني السيادي.
© The Independent