Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولات افتراضية... السياحة تسقط في قبضة التكنولوجيا

المعلومات التي كانت سراً رفعت عنها التقنيات الحديثة الستار وزيارة المواقع الأثرية عن بعد فرضت نفسها ومتخصصون يطالبون المسؤولين بمواكبة التطور واستثماره

مع انتشار جائحة كورونا كانت الانطلاقة الحقيقية للجولات السياحية الافتراضية بسبب ظروف الحظر ومنع السفر دولياً (أ ف ب)

ملخص

أصبحت السياحة الإلكترونية توجهاً عالمياً قائماً... فهل تتوقف الزيارات الحقيقية للمتاحف والآثار حول العالم؟

ضمن كنوز ذهبية عدة لا تقدر بثمن ضمتها مقبرة توت عنخ آمون، عثر على علبة صغيرة تضم خصلات شعر مع كتابات تقول إنها لجدته التي كان يحبها كثيراً، احتفظ بها لتذهب معه إلى العالم الآخر.

وفي عام 1898 اكتشفت المقبرة 35 في وادي الملوك بالأقصر جنوب مصر، وكان من بين الاكتشافات مومياء لسيدة مجهولة لم يتعرف على هويتها وقتها، ومنذ سنوات قليلة ومع التقدم التكنولوجي تبنت مصر مشروعاً لتحليل الحمض النووي للمومياوات لينتج منه تطابق الحمض النووي للمومياء المجهولة مع خصلات الشعر الموجودة في مقبرة توت عنخ أمون، ليثبت أنها جدة توت غنخ أمون الملكة "تي" زوجة أمنحتب الثالث والد إخناتون.

أشعة وتحاليل

القصة السابقة رواها عالم الآثار المصري زاهي حواس ضمن حديث عن مشروع تحليل الحمض النووي للمومياوات المصرية، والنتائج التي ترتبت عليه التي أعادت قراءة التاريخ للتعرف على علاقات بين أشخاص ساعدت في الحصول على معلومات كانت غامضة، وأضافت كثيراً للمعرفة في مجال علم المصريات، وهي ليست النموذج الوحيد للتأثير الذي أحدثته التكنولوجيا في عالم الآثار.

ومن بين المشاريع التي كان للتكنولوجيا بصمتها الواضحة عليها مشروع بناء وجه بعض ملوك مصر القديمة باستخدام النتائج الدقيقة لفحص الأشعة المقطعية لعمل شكل ثلاثي الأبعاد لوجه الشخص، مثلما حدث مع رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون، واستخدام الأشعة في درس المخطوطات القديمة لاكتشاف محتوى قد يكون مخفياً وغير ظاهر بالعين المجردة، وإضافة إلى كل ما سبق استخدام الأجهزة الحديثة في التنقيب عن الآثار.

ودائماً ما كانت الآثار مرتبطة بالسياحة، فالسياحة الثقافية جانب أساسي لكثير من الدول ومن بينها مصر، وقد ساعدت التكنولوجيا في إتاحة المعلومات وتسهيل الحصول على الخدمات السياحية المختلفة، وفي الوقت ذاته منحت السائح المحب التاريخ والآثار الفرصة للاطلاع على تاريخ البلد التي يرغب في التوجه إليه، وربما القيام بجولة افتراضية في متاحفها قبل أن يأخذ قرار السفر.

التنقيب بالتكنولوجيا

بدأ ظهور مفهوم علم المصريات بعد أن تمكن العالم الفرنسي شامبليون من فك رموز حجر رشيد منذ 200 عام، ومن وقتها وحتى الآن أخذت المعرفة في هذا التخصص تتراكم وتزداد مع كل كشف أثري جديد ومع كل جهد بحثي يقوم به العلماء.

غير أن الأعوام الأخيرة شهدت كثيراً من التقدم التكنولوجي الذي كان له أكبر الأثر في كل العلوم ومن بينها المصريات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن علاقة التكنولوجيا بالآثار يقول مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة الوادي الجديد محمود الحصري إن "التكنولوجيا أحدثت طفرة في مجال الآثار على كل المستويات، وفي الفترة الأخيرة زادت الاكتشافات الأثرية بدرجة كبيرة نتيجة استخدام التقنيات الحديثة في التنقيب، وبشكل عام أدت التكنولوجيا إلى زيادة المعلومات والمعرفة في مجال علم المصريات، فكم المعلومات يتضاعف بصورة أسرع".

ويستشهد الحصري بنماذج كان للتكنولوجيا عظيم الأثر على مستوى الآثار، ومنها "تحليل عينات من المومياوات مما أدى إلى التعرف على كثير من التفاصيل عنها مثل الأمراض وأسباب الوفاة وغيرها، وكذلك التعرف على بعض التفاصيل عن العصر الذي تعود إليه، وفي الوقت ذاته كشف تحليل الحمض النووي للمومياوات معلومات وعلاقات بين الأشخاص كانت مجهولة في عصور سابقة".

ويضيف أستاذ الآثار أنه "في مجال التنقيب ساعدت التكنولوجيا الحديثة مثل تقنيات الاستشعار عن بعد والتصوير بالأشعة تحت الحمراء في العثور على اكتشافات أثرية مهمة"، موضحاً أنه "طبقاً لتقديرات العلماء فإن ما جرى اكتشافه لا يتجاوز 30 في المئة من إجمال الآثار الموجودة فعلياً.

وفي مجال ترميم الآثار يشير الحصري إلى حدوث طفرة في الأجهزة والتقنيات المستخدمة، "والكشف بالأشعة على القطع الأثرية يظهر خدوشاً أو شقوقاً غير ظاهرة تجري معالجتها، وأحياناً تظهر كتابات أو رسوم مطموسة بفعل الزمن ويجري إظهارها بالترميم، والمتحف المصري الكبير يضم حالياً واحداً من أهم مراكز الترميم حول العالم".

جولات افتراضية

وتعد المتاحف واحدة من أهم الوجهات التي يقبل عليها المهتمون بالسياحة الثقافية، خصوصاً السياح القادمون من الخارج، وعن كيف أثرت التكنولوجيا في زيارات المتاحف يقول مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حسين عبدالبصير إن "مفهوم المتاحف اختلف بدرجة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة ولم يعد المتحف مجرد مكان يضم قطعاً أثرية معروضة للجمهور، إنما تحول إلى مفهوم المؤسسة الثقافية المتكاملة التي تجري فيها نشاطات وفعاليات مختلفة بعض منها يكون افتراضياً".

ويضيف عبدالبصير أنه "مع انتشار جائحة كورونا كانت الانطلاقة الحقيقية للجولات الافتراضية، بسبب ظروف الحظر ومنع السفر دولياً وحتى التنقلات وزيارة المواقع الأثرية داخل البلد نفسه، وكثير من المتاحف في مصر وخارجها اتجه إلى الزيارات الافتراضية التي حققت نجاحاً كبيراً، واستمرت في التطور من وقتها باعتبارها أصبحت توجهاً عالمياً لا مفر من مواكبته، وأصبح مجالاً للمنافسة بين المتاحف".

ويرى مدير متحف آثار الإسكندرية أن هذا التوجه "له مميزات كثيرة من بينها إتاحة الاطلاع على كثير من المتاحف في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت ذاته يكون للأجيال الجديدة اهتمامها الأساس بالتكنولوجيا والتطبيقات وكل ما هو إلكتروني، ومن هنا تجب مخاطبتهم باللغة التي يهتمون بها ودفعهم إلى الاطلاع على تجارب ثقافية وتاريخية بشكل يكون أكثر إبهاراً بالنسبة إليهم".

لكن عبدالبصير الذي يثني على الجولات الافتراضية يؤكد في الوقت ذاته أنه في جميع الأحوال "لا يغني هذا عن الزيارات الحقيقية للمتاحف، لأن التجربة تختلف كلياً وليس هناك تعارض بين الحالتين"، موضحاً أنه "على سبيل المثال في متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية يمكن تنزيل تطبيق متحف الآثار التخيلي من خلاله يقوم الجمهور بزيارة افتراضية عبر نظارات الواقع الافتراضي لتأمّل القطع الأثرية عن قرب وعرض بياناتها الأثرية بصورة مفصلة، وبالتوازي يشهد المتحف حضوراً جماهيرياً".

كيف تؤثر التكنولوجيا في القطاع السياحي؟

وفق إحصائية أصدرها موقع "بوكينغ" الذي يعد الأشهر حول العالم في مجال حجز الفنادق، فإن عدد الأشخاص الذين حملوا التطبيق حول العالم وصل عام 2022 إلى 100 مليون شخص، وأن الموقع الإلكتروني وصل عدد زواره في العام نفسه إلى 511 مليون زيارة.

وعن تأثير التكنولوجيا في السياحة يقول المتخصص في الشأن السياحي محمد كارم إن "السياحة الإلكترونية أصبحت توجهاً عالمياً قائماً بالفعل، ولا بد من مواكبته باعتباره هو مستقبل السياحة في العالم كله، وإذا جرى استغلاله بشكل جيد فسيكون له مردود كبير على التدفق السياحي".

ويرى كارم أن الجولات الافتراضية "تتيح للسائح التعرف على كثير من الدول أو الأماكن التي يخطط لزيارتها، وكذلك أهم مزاراتها والأماكن الأثرية السياحية فيها، وحرية الاطلاع على كثير من المعلومات"، كما أنه لا غنى عن الزيارات الحقيقية، "فجمهور السياحة الثقافية لا تكتمل تجربته إلا بزيارة المكان نفسه أو الموقع الأثري، وجمهور الأنواع الأخرى من السياحة الترفيهية والشاطئية لن تكتمل تجربتهم إلا بزيارة المكان نفسه".

ويطالب المتخصص في الشأن السياحي المؤسسات القائمة على السياحة بأن تواكب هذا التوجه التكنولوجي والمنافسة فيه بقوة بكل الوسائل وتقديم محتوي منافس، لأنه "من أهم وسائل التسويق للقطاع السياحي، وفي الوقت ذاته يعمل على تجنب اطلاع السائح على كثير من المعلومات المغلوطة التي تنتشر على كثير من المواقع، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل بعض السياح يتعاملون معها باعتبارها حقيقة".

المزيد من منوعات