ملخص
لم تعد الحكومات في جميع أنحاء العالم قادرة على تجنب الخيارات الصعبة اللازمة لترويض الاقتراض وقد تكون اليابان التالية في مواجهة الدين العام مع بلوغه أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي
وصفت صحيفة "فايننشيال تايمز" إدارة عديد من الحكومات حول العالم لمواردها المالية العامة بـ"المراهق المبذر ببطاقته الائتمانية الأولى"، فهي ترفع بانتظام حد الائتمان الخاص بها مع قليل من الاهتمام بتراكم الديون المتراكمة.
تضيف الصحيفة، على عكس المراهقين، لا تملك الدول بنك الأم والأب لإنقاذهم، وبدلاً من ذلك، يتم ضبطهم من قبل الأسواق المالية، كما لا يمكن للبنوك المركزية الاستمرار في شراء ديونها إلى ما لا نهاية دون إثارة التضخم.
وتشير إلى أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة والطلبات على الإنفاق، لم يعد بإمكان الحكومات في جميع أنحاء العالم تجاهل المستويات المرتفعة لديونها.
تقول الصحيفة إنه على رغم أن التعافي الاقتصادي من "كوفيد-19" قلص الدين العام من ذروته، فإنه لا يزال أعلى بكثير من سجلات ما قبل 2020 عند نحو 96 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي - أو 86 تريليون دولار.
وترى "فايننشيال تايمز" أن اللوم يقع إلى حد كبير على حزم دعم الإغلاق باهظة الثمن في الدول الغنية، ففي أوروبا، زاد دعم الطاقة منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا من العبء في وقت تتطلب فيه الأوبئة والحروب استجابة قوية، ولكنها تضيف أنه مع ضغوط الإنفاق الكبيرة في المستقبل، ستكافح الاقتصادات المتقدمة لكبح الاقتراض.
كانت الولايات المتحدة قد توصلت أخيراً إلى تسوية سياسية لتعليق سقف ديونها البالغة 31.4 تريليون دولار لمدة عامين هذا الأسبوع، لكن عجزها لا يزال في طريقه للارتفاع خلال العقد المقبل، في حين يتجادل الاتحاد الأوروبي حول القواعد المالية التي تم تعليقها منذ مارس (آذار) 2020، ومن المتوقع أن تحقق المملكة المتحدة هدفها المتمثل في خفض نسبة ديونها في غضون خمس سنوات، ولكن فقط إذا التزمت الحكومة بخطط الإنفاق الصارمة بعد الانتخابات.
مشكلة الديون الفائدة والمرتفعة
كانت الديون المرتفعة تمثل مشكلة أقل بعد الأزمة المالية، عندما كانت أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة قياسية، والآن بعد أن ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة إلى جانب إجمالي الديون، من المقرر أن يظل الإنفاق على الفائدة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي مرتفعاً في عديد من البلدان خلال العقد المقبل، وقد تكون اليابان التالية في مواجهة مشكلة الدين العام مع بلوغه أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي، إذا بدأ بنك اليابان المركزي في تطبيع الأسعار، وهو ما يرفع إنفاقه على الفائدة بشكل أكثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي أعباء الفائدة المرتفعة في الوقت الذي تتزايد فيه ضغوط الإنفاق، وهذا يشمل كلفة العمل على تغير المناخ، والالتزامات الدفاعية التي دفعتها التوترات الجيوسياسية المتزايدة، وارتفاع نفقات الصحة والمعاشات التقاعدية مع تقدم السكان في السن، كما أدى عدم المساواة إلى زيادة الطلب على الإعانات.
جاءت هذه الضغوط قبل أخذ الحيز المالي اللازم لمحاربة الأزمة التالية في الحسبان، ومع توقعات النمو غير المؤكدة وإمكانية بقاء المعدلات أعلى لفترة أطول، فإن الحذر مطلوب، كما تقول الصحيفة.
أظهرت أزمة الديون البريطانية العام الماضي، أن الخطط المالية غير الحكيمة ستقود المستثمرين إلى المطالبة بعائدات أعلى، كما أن عدم استقرار الأسواق المالية يشكل مخاطرة حقيقية.
الدول الأفقر وتحديات النمو
مع قيام الدول الأفقر بدفع علاوة للاقتراض، فإن ارتفاع الديون والمعدلات يهدد بوقف تنميتها، وهناك عدد قياسي من الدول النامية معرضة لخطر أزمة الديون وعلى رأسها زامبيا وسريلانكا وغانا، وهي من بين المتعثرين في الآونة الأخيرة، في حين أدى الاقتراض المبهم من الصين إلى تعقيد الأمور، كما ارتفع اقتراض الصين، مع ظهور "الديون الخفية" المستحقة على الحكومات المحلية، والتي تبدو منذرة بالسوء.
وتقول الصحيفة إن الحكومات، المحاصرة بين القيود السياسية والمتعلقة بالميزانية، ستحتاج إلى أن تكون أكثر ذكاءً في شأن كيفية إدارتها لأمورها المالية، مع توقعاتها باكتساب الإصلاحات الهيكلية والاستثمارات في المهارات والبنية التحتية أهمية أكبر في السنوات المقبلة، مع إمكانية انتشار رأس مال "المريض" بشكل أفضل للمساعدة في تحقيق النمو والتحول الأخضر.
وترى الصحيفة بضرورة أن تكون الضرائب أكثر فاعلية، فعلى سبيل المثال، من شأن تسعير الكربون الأكثر شمولاً أن يساعد في تحويل عبء إزالة الكربون عن الإعانات العامة، كما ستحتاج البلدان النامية إلى التحسن في تحصيل الضرائب، بينما تظل الجهود العالمية لإعادة هيكلة الديون أمراً حيوياً.
وحذرت الصحيفة من أنه لا يمكن أن يستمر الاقتراض في الارتفاع إلى الأبد دون عواقب، قائلة إن الوقت حان لكي تتوقف الحكومات في كل مكان عن التهرب من الخيارات الصعبة.