هل ينذر استهداف مركبة روسية بتصعيد محتمل في الشمال السوري؟

تيقن أفراد الدورية الروسية الناجون من قصف آليتهم صباح اليوم الإثنين خلال جولتهم ضمن أراضي فاصلة في ريف حلب الشمالي، بأن المنطقة ذاتها لم تعد باردة كما هو الحال بعد توقف الاقتتال بين الفصائل الكردية والأتراك لفترة وجيزة، وأن خطوط التماس في طريقها إلى الاندلاع، ويمكن أن تلتهب أرض الشمال خلال فترة الصيف إذا ما استمرت الأوضاع الأمنية متأزمة.

فقد لقي جندي روسي مصرعه وأصيب ثلاثة آخرين جراء قصف من أراض تتبع لفصائل المعارضة السورية المسلحة والمدعومة تركياً، وفق المعلومات الواردة والتي جاءت متضاربة حيال طريقة قصف المركبة عبر مدفعية أو طائرة مسيرة، ووصفتها وسائل إعلام كردية بأنها تركية.

وجاء القصف أثناء سير دورية للشرطة العسكرية الروسية بمنطقة تقع بين قريتي حربل وأم حواش في ريف حلب الشمالي، وبمناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وجاء الهجوم بعد ساعات من استهداف قاعدة جبرين العسكرية التركية، إضافة إلى مركز شرطة بمنطقة أونجوبنار في جنوب تركيا عبر قذائف مدفعية من الحدود المحاذية.

الضغط لإنشاء المنطقة

الحادثة المفاجئة والطارئة يراها مراقبون تحمل تطوراً خطراً بعودة الأجواء الساخنة التي اندلعت بشكل متسارع بعد انتهاء الانتخابات التركية وفوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة، وهذا يصب بكل الأحوال نحو الإصرار باتجاه الضغط لإزاحة خطر المقاتلين الأكراد من حدود بلاده الجنوبية تهيئة لولادة منطقة آمنة، ومن المتوقع وفق المخطط له إعادة جميع اللاجئين السوريين إليها، وهو ما رفضته الإدارة الذاتية الكردية وحكومة دمشق وتصفه بـ "تغيير ديموغرافي" للبلاد.

وفي المقابل يصف الباحث السياسي في تركيا فراس أوغلو خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" الحادثة بالعرضية، وأنها جاءت نتيجة خطأ ما وقع وليست مقصودة، في حين لم يصدر لغاية اللحظة أية تصريحات رسمية من الأطراف المتنازعة.

واعتبر الباحث التركي أوغلو أنه من الاستحالة تغيير أي شيء مع روسيا لتشابك المصالح بين الطرفين، إضافة إلى ما قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان من دعم متواصل، علاوة على تفاهمات بين البلدين أفضت إلى هدوء في المنطقة، لا سيما في القوقاز والبحر الأسود وغيره، وقال إن "التفاهمات الروسية والتركية على الأرض السورية أمنية عسكرية بشكل كبير، واليوم انتقلت إلى الشأن السياسي ولكن التقدم بطيء".

يأتي ذلك مع مناورات مشتركة بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي بمشاركة جيش سوريا الحرة شرق سوريا، بهدف تعزيز قدراتهم الدفاعية والهجومية بالتوازي مع استخدامهم أسلحة متطورة وحديثة إلى جانب مشاركة الطيران الأميركي.

مصلحة من؟

في غضون ذلك يلفت متابعون للملف الأمني في الشمال السوري إلى أن الاتهامات التي تتوالى إلى الجيش التركي وطائرته المسيرة مستبعدة، لا سيما بطائرة تركية، باعتبار أن الهدف يعد واضحاً ودقيقاً، فالمركبات العسكرية وحمالة الجند الخاصة بهم معروفة وتحمل العلم الروسي، مع ترجيح حدوث ذلك بقصف مدفعي لا علاقة لتركيا فيه، إذ لا مصلحة لهم من قصف كهذا مباشرة بعد هذه العلاقة المتطورة.

وكان مركز المصالحة الروسية وعبر نائب رئيسه اللواء البحري فاديم كوليت أعلن تسيير دورية مشتركة للعسكريين الروس والأتراك في أغسطس (آب) 2021، وعن مشاركة الشرطة الروسية على طريق "أم 4" نحو ريف الرقة وعين عيسى ومنبج، وكلها مناطق نفوذ كردية، وكل هذه الدوريات جاءت نتيجة تفاهمات حدثت بعد لقاء الرئيسين الروسي والتركي عام 2019.

وخلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته توغل الجيش التركي نحو البلدات الحدودية مما أسفر عن نزوح 300 ألف من السكان إلى كردستان العراق أو مناطق خاضعة للنفوذ الكردي، وأطلقت على العملية اسم "نبع السلام"، وسبقتها عمليتان منذ عام 2016 وهما "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، بينما تتأهب أنقرة لإعادة الكرّة بهجوم لاستكمال إنشاء منطقتها الآمنة.

وكلما اقترب الأكراد من الولايات المتحدة سابقت أنقرة الزمن لعلاقة أكثر تطوراً مع موسكو، وهي حقيقة أخذت بالتجذر منذ عام 2014 حين ظهر خطر "داعش" وولدت قوات "قسد" المدعومة من التحالف الدولي وأميركا، وهذا ما أغضب أنقرة ورأت معه تعاظم خطر المقاتلين الأكراد المتنامي مع الوقت، لا سيما بعد دحرهم "داعش" عام 2019، وسيطرتهم على مناطق غنية بالآبار النفطية.

وبالتالي بات إعلان الحكم الذاتي وإقامة دولة كردية شبه وشيك في سوريا مما دفع تركيا إلى الاقتراب من روسيا وتوطيد العلاقة التي لا يمكن، بحسب مراقبين، أن تتأثر حتى بهذه الحادثة العابرة، لكن المشهد لا ينبئ إلا عن حرب قادمة مع إصرار "قسد" على تطوير إمكاناتها، وهو ما لن تقف أنقرة مكتوفة اليدين أمامه، وفق خبراء أمنيين.