في اعتراض حاد على استراتيجية بوريس جونسون المتعلقة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، قال أحد الممثلين لقطاع صناعة السيارات البريطاني، مخاطباً رئيس الوزراء "لن تستطيع أبدا أن تكون جاهزا للخروج من دون اتفاق".
وجاء هذا التحذير على لسان مايك هَوز، الرئيس التنفيذي لـ "جمعية صانعي السيارات وتجارها" (أس أم أم تي) الذي أفاد يوم الأربعاء الماضي بأن إنتاج السيارات في المملكة المتحدة انخفض خلال النصف الأول من عام 2019 بمقدار الخمس مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما ظل الاستثمار في حالة جمود.
ونبّه هَوز إلى أن صناعة السيارات أنفقت في المملكة المتحدة حتى الآن مايزيد على 330 مليون جنيه إسترليني في التخطيط للطوارئ في حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وهذا بزيادة مخزونات قطع الغيار، والتأمين ضد الخسائر، وتدريب الموظفين، والاستثمار في برامج كمبيوترية إضافية وغير ذلك.
غير أنه مع ذلك، شدّد على عدم إمكانية اتخاذ أي إجراء لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية على صادرات المملكة المتحدة للسيارات لدول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، أو العرقلة الهائلة التي ستواجه سلاسل الإمداد الآنية المحكمة حاليا عبر القناة الإنجليزية التي تعتمد الصناعة عليها.
هكذا سيتسبب غياب قطع قليلة خلال التجميع في توقف الإنتاج ورفع التكاليف. وأوضح هوز ، الذي كان يتحدث في لقاء له مع مجموعة من الاعلاميين، أن الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق يهدد قابلية أكثر القطاعات الصناعية البريطانية كسبا لعملة أجنبية واحدة (يورو) على البقاء.
يُشار إلى أن حالة عدم اليقين وإمكانية تطبيق بريكست من دون اتفاق اضعفتا الاستثمار في قطاع صناعة السيارات البريطاني. فعلى عكس معدل الاستثمار الصافي الذي كان يترواح بين 2.5 إلى 2.7 مليار جنيه إسترليني سنويا خلال السنوات السبع السابقة، لم يتجاوز حجم الاستثمار الجديد خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019 مبلغ 90 مليون جنيه انفقت على مصنع جديد مع الآلات التي يضمّها.
في المقابل، رحب هوز بإعلان شركة جاغوار لاند روفر الأخير عن مبادرة كبيرة في مجال تكنولوجيا البطاريات تكلفتها مليار جنيه، في منطقة "ويست ميدلاندز"، معتبرا إياها "خبرا سعيدا نادرا". لكنه حرص في الوقت نفسه على وضعها في سياق إجراء تخفيضات محتملة، وإغلاق اُعلن عنه سلفاً لفروع إنتاجية تابعة لشركات هوندا وفورد ونيسان.
كذلك تضرر إنتاج السيارات في المملكة المتحدة بتداعيات بريكست على الأعمال التجارية الهشة وعلى ثقة المستهلكين، ورد الفعل المستمر على وقود الديزل بعد فضيحة فولكس فاغن، وحالة عدم اليقين حول الضرائب التي ستفرض على سيارات الديزل، والطلب المنخفض من أسواق أساسية مثل سوقي الصين والاتحاد الأوروبي، علماً أن الأخير يشتري 57% من صادرات السيارات المصنوعة في المملكة المتحدة.
انتجت مصانع المملكة المتحدة خلال الأشهر الستة الأولى من هذه السنة 666,521 سيارة أي أقل من معدل انتاجها السنوي بـ 168,052 وحدة. ويعود هذا التراجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض الطلب في الأسواق الرئيسة بما فيها المملكة المتحدة التي غادرها عدد من المصانع إلى الخارج قبيل موعد خروجها السابق من الاتحاد الأوروبي في مارس ( آذار) الماضي، مما زاد الطين بلة.
ونظراً إلى أن 8 من كل 10 سيارات مصنوعة في بريطانيا تُصدر إلى الخارج، أصبحت هذه الصناعة عرضة لهبوط في الطلب العالمي على إنتاجها. وقد لاحظت "جمعية صانعي السيارات وتجارها" البريطانية أن الطلب انخفض في القارات كلها، ففي بلدان الاتحاد الأوروبي كانت نسبة الانخفاض 15.6 %، وفي الصين 53.1 %، وفي الولايات المتحدة 12.9 %، وفي اليابان 10.5 %، وفي تركيا 93 %.
"بريكست من دون اتفاق هو ببساطة ليس خيارا متاحاً"
وقال هوز إن "الأرقام الحالة جاءت نتجية حالة عدم الاستقرار العالمي، التي عزّزها الخوف المتواصل من بريكست من دون اتفاق. ويتسبب هذا الخوف في تعطيل الاستثمار، إذ أُنفقت مئات الملايين من الجنيهات على التخفيف من آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي بدلا من صرفها على معالجة التحديات التكنولوجية والبيئية".
وأضاف أن " ركائز الصناعة قوية، ونحن مستعدون للعمل مع الحكومة الجديدة لمواصلة البناء على هذه الركائز من خلال استراتيجية صناعية. صناعة السيارات هي واحدة من أهم الأصول الاقتصادية في المملكة المتحدة.. ويعتمد نجاحها على تجارة حرة انسيابية وفّرها سوق الاتحاد الأوروبي الواحد والاتحاد الجمركي. فبريكست من دون اتفاق سيعني وضع رسوم جمركية مباشرةً وهذا سيكلف 4.5 مليار جنيه في السنة كما سيضع حداً للتنقل السلس للسلع. وأي عرقلة محتملة على الحدود ستدفع بالتصنيع المستمر بوتيرة سريعة إلى الفوضى، ويقوض القدرة التنافسية لهذا القطاع ويعرّض الربحية والوظائف للخطر".
على صعيد الواقع العملي، أصبحت الوظائف في مصنع فوكسهول الواقع في "اليسمير بورت" مهددة. في هذا السياق، حذر المصنع ، هو حالياً مملوك لشركة بيجو، أنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مناسب حتى يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل فإن إنتاج النسخة الجديدة من سيارة أسترا سينتقل إلى القارة الأوروبية.
وقالت "جمعية صانعي السيارات وتجارها" (أس أم أم تي) في رسالة وجهتها الأسبوع الماضي إلى رئيس الوزراء "نحن بحاجة إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لضمان الانسيابية والتجارة الخالية من الرسوم الجمركية. فبريكست من دون اتفاق هو ببساطة ليس خيارا".
وإذ لم يرد جونسون على الرسالة، فهو رفض إعلان الوزير مايكل غوف بأن الحكومة تتصرف الآن على "افتراض" عدم تحقق اتفاق قبل حلول تاريخ 31 أكتوبر.
وإذا حدث هذا الامر، فإن "أس أم أم تي" ستطلب دعم الحكومة في مجالات مثل تكاليف الطاقة، والائتمانات، وعلاوات رأس المال، ومعدلات التجارة وتكاليف أجهزة تشغيل أخرى. وأشار هوز إلى أن "الحكم لم يصدر بعد" على مدى تعاون وزيرة الأعمال الجديدة أندريا ليدسوم وفاعليتها ، علماً انها من أشد أنصار بريكست من دون اتفاق، وقد روجت لفكرة "إمكانية إدارة عملية الخروج من دون اتفاق"، وهو رأي لا تتفق الجمعية معه. إلى ذلك، لفت هوز إلى إن سلفها، غريك كلارك، كان "حليفا كبيرا" للصناعة.
© The Independent