ملخص
يعتبر باتريك وات، الرئيس التنفيذي لمنظمة "المعونة المسيحية" الخيرية أن دعم المجتمع المدني الأوكراني هو في آنٍ واحد الخطوة الصحيحة الواجب قيام بها والاستثمار الذكي في سلام عادل ودائم
في الوقت الذي تقاتل فيه القوات المسلحة الأوكرانية لاستعادة الأراضي من الغزاة الروس، قد يبدو مؤتمر إعادة الإعمار الذي تستضيفه لندن هذا الأسبوع في أحسن الأحوال سابقاً لأوانه وفي أسوئها في غير محله.
كما توضح بشكل مروع كارثة سد نوفا كاخوفكا، يتسارع تدمير أوكرانيا ويزيد يومياً من حصيلة المعاناة الإنسانية. ومع ذلك، يخبرنا التاريخ أيضاً أن السلام الدائم يكون أكثر احتمالاً، حيث يبدأ التخطيط للتعافي في وقت مبكر – قبل صمت البنادق والتوصل إلى تسوية سياسية.
عندما تنتهي الحرب، ستكون حاجات إعادة الإعمار في أوكرانيا على نطاق لا يشبه أي شيء شهدته أوروبا منذ عام 1945. وفي الذكرى السنوية الأولى للحرب، قدرت فاتورة إعادة الإعمار والتعافي بأكثر من 400 مليار دولار. وهي ترتفع في شكل كبير منذ ذلك الحين. والواقع أن الاقتصاد انكمش بمقدار الثلث، مما أدى إلى غرق ملايين الأوكرانيين في براثن الفقر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ستكون هناك حاجة إلى قدر كبير من الإصلاح المادي وإعادة البناء. فمن باخموت إلى ماريوبول دمرت مدن بأكملها. وسيولي "مؤتمر لندن لإعادة إعمار أوكرانيا" London Ukraine Recovery Conference اهتماماً كبيراً للصلب والخرسانة – إلى جانب الأموال – اللازمين لإعادة الإعمار. ومن دون هذا الاستثمار، لا يمكن لنشاط القطاع الخاص أن ينتعش، ولا الوظائف التي ستجذب اللاجئين إلى ديارهم، وتعطي الناس مصلحة اقتصادية في السلام.
ومع ذلك، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن يقلل مؤتمر لندن من أهمية الحاجة الملحة بالقدر نفسه إلى الاستثمار في الجانب البشري من التعافي.
من الصعب المبالغة في شأن حجم الصدمة التي يعانيها الناس. في وقت سابق من هذا العام في أوديسا التقيت أولغا، وهي امرأة في السبعينيات من عمرها من ماريوبول. كانت تعيش هي وأفراد عائلتها في غرفة واحدة ضيقة في الطابق السادس من مبنى من الشقق يعود إلى الحقبة السوفياتية. يتردد صدى وصف أولغا لظروف الحصار في تجربة ملايين الأوكرانيين الذين أجبروا على ترك منازلهم في شرق البلاد: معاناة البرد، والانفصال عن العائلة، وغياب الكهرباء أو الماء، والوقوع تحت القصف المستمر، والعيش على علب من أطعمة للحيوانات الأليفة وجدت في شقة الجيران المهجورة.
سيستغرق إصلاح النسيج الاجتماعي في أوكرانيا وقتاً وجهداً متعمداً. وسيتطلب التعافي النفسي الاجتماعي الاستثمار، ليس فقط في التعليم وخدمات الصحة العقلية، وفي النظام القضائي، لكن أيضاً في المبادرات المجتمعية التي يمكن أن تجمع الناس معاً وتعيد بناء الثقة والأمل في المستقبل.
تدعم منظمة "المعونة المسيحية" الخيرية (كريستيان إيد) Christian Aid مزيجاً من الجماعات الدينية والعلمانية المجتمعية العاملة في خيرسون وميكولايف وخاركيف وغيرها من المناطق والتي تعزز قدرة الأشخاص المتضررين. من خلال المنح الصغيرة، يمكننا دعم المبادرات التي تحددها المجتمعات المحلية نفسها كأولويات – مثل الملاعب، ومجموعات الوالدين والأطفال، ومرافق غسيل الملابس المجتمعية، والفصول المدرسية المسائية، إلى جانب تمويلنا للدعم الإنساني المعتاد – مثل العيادات الصحية المتنقلة.
في معظم الأحوال، قامت المبادرات التي تقودها المجتمعات المحلية في أوكرانيا – وظهر كثير منها في الأسابيع الأولى بعد الغزو الشامل – من غير دعم المانحين الغربيين والمنظمات غير الحكومية الدولية. وعادة ما تكون المساعدات التي تقودها الأمم المتحدة غارقة في البيروقراطية وواسعة النطاق فلا تصل إلى مجموعات كهذه: وتشير التقديرات إلى أن واحداً في المئة فقط من المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا وجه إلى المنظمات المحلية، وأن حصة أصغر من هذا المبلغ وجهت إلى الجهود المبذولة على مستوى المجتمعات المحلية. يتسم ذلك بقصر النظر.
يعد المجتمع المدني المزدهر حيوياً لإبرام عقد اجتماعي صحي بين دولة ما بعد الحرب وشعب أوكرانيا، ولتحقيق التماسك الاجتماعي والمشاركة السياسية الواسعة النطاق، ولتسريع التقدم في معالجة الفساد. وللجماعات المجتمعية، بما في ذلك العدد الكبير من الجماعات التي تقودها نساء وتنشأ منذ نيسان (أبريل) 2022، وللمؤسسات الدينية دور مهم في بناء هذا المستقبل.
في مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا الذي استضافته لوغانو في يوليو (تموز) الماضي، دار وعن حق حديث كثير حول ضمان أن تذهب فرص إعادة الإعمار، عندما يحين الوقت، إلى الشركات الأوكرانية، وألا تستولي عليها ببساطة الشركات الغربية المتعددة الجنسيات.
وينطبق الشيء نفسه على التعافي النفسي والاجتماعي في البلاد: بدلاً من احتكاره من قبل الأطراف الدولية، يجب أن يحظى تمويل التعافي الاجتماعي بدعم مرن من المجتمع الدولي. وهذا يعتمد على آلاف الأمثلة الإيجابية للنشاط الذي تقوده المجتمعات المحلية، والذي يحدث بالفعل.
إن دعم المجتمع المدني الأوكراني هو في آنٍ واحد الخطوة الصحيحة الواجب قيام بها والاستثمار الذكي في سلام عادل ودائم.
باتريك وات هو الرئيس التنفيذي لمنظمة المعونة المسيحية
© The Independent