Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف حكمت "سيدات القصر" تونس في الظل؟

وسيلة بورقيبة الأكثر تأثيراً وليلى الطرابلسي صاحبة "نفوذ" أما نادية عكاشة "صندوق أسرار"

حضور ليلى الطرابلسي السياسي كان يثير الجدل دائماً (أ ف ب)

ملخص

وسيلة بورقيبة وليلى الطرابلسي ونادية عكاشة ثلاث سيدات تونسيات لكل واحدة منهن قصة في قصر قرطاج... ما هي؟

أعادت تغريدات من حساب "تويتر" موثق باسم مديرة الديوان الرئاسي السابقة في تونس نادية عكاشة، الجدل حول مسألة النفوذ الذي حظيت به نساء تونسيات خلال وجودهن في قصر قرطاج وتمكينهن من لعب دور قوي في إدارة البلاد.

ولطالما اتهمها خصومها بأنها أدارت تونس خلال فترة حكم الرئيس قيس سعيد وهو أمر نفته عكاشة في السابق قبل أن يقيلها وتغادر البلاد إلى فرنسا، لكن منذ ذلك الحين بات اسمها يثير زوابع سياسية لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد من خلال تدوينات تنشرها عبر حساباتها الرسمية على "فيسبوك" أو "تويتر" تنتقد فيها الرئيس الحالي، مما جعل بعضهم يعدها صندوقاً أسود كاتماً لأسرار القصر الرئاسي، إذ إنها لم تكن تفارق سعيد سواء في المناسبات الرسمية أو حتى في زياراته الخارجية.

وليست عكاشة الوحيدة التي أثارت جدلاً حول دور النساء في القصر الرئاسي، فتاريخياً لقبت ليلى الطرابلسي بـ"حاكمة قرطاج" من قبل الصحافيين الاستقصائيين نيكولا بو وكاترين غراسييه في إشارة إلى الدور الذي كانت تلعبه المرأة في عهد زوجها الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

أما في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة الذي وضع بن علي حداً لحكمه في انقلاب عام 1987، فإن زوجته وسيلة كان لها هي الأخرى دور مؤثر وصل، بحسب مؤرخين، إلى حد التدخل في تعيين مسؤولين وإقالتهم.

لغز عكاشة 

مثلت نادية عكاشة محط أنظار السياسيين التونسيين طيلة شغلها منصب مديرة ديوان الرئيس سعيد، فلم يتردد سياسيون كثر في اتهامها بأنها هي من تدير البلاد في الظل وأنها مهندسة قرارات الـ25 من يوليو (تموز) التي اتخذها الرئيس التونسي وأطاح من خلالها البرلمان المنتخب والحكومة.

لكن عكاشة لطالما نفت ذلك، خصوصاً بعد مغادرتها للبلاد وأصبحت تعتمد على تدوينات في صفحتها الرسمية بـ"فيسبوك" للرد على هذه الاتهامات قبل أن تفتح ضدها تحقيقات في إطار قضية تعرف بالتآمر على أمن الدولة، مما جعلها تنتقد بشكل مبطن الرئيس سعيد متوعدة بالعودة لتونس للكشف عن ملفات عدة تشغل بال التونسيين.

وعكاشة كانت طالبة لدى الرئيس سعيد قبل أن يعينها مستشارة قانونية في الـ28 من يناير (كانون الثاني) 2020 ثم مديرة الديوان الرئاسي في العام نفسه، وهي مناصب وظيفية وليست سياسية، لكن ما إن تولتها حتى أصبحت تثير جدلاً حول الدور الذي يؤديه شاغلو هذه المناصب.

وبرز اسم عكاشة أكثر عند تزكية البرلمان لحكومة هشام المشيشي عام 2020، فلم يتوانَ سياسيون تونسيون في اتهامها بأنها هي من عينت عدداً من الوزراء الذين يتولون حقائب وزارية بارزة.

وقال رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي آنذاك إن "البرلمان سيسحب الثقة من وزراء عينتهم نادية عكاشة في حكومة هشام المشيشي"، لافتاً إلى أنها "فرضت عدداً من الأسماء في الحقائب الوزارية السيادية قبل الإعلان عن تركيبة الحكومة".

وبالفعل سارع البرلمان إلى تمرير تعديل وزاري مثير للجدل سرع بتدهور العلاقات بين سعيد والمشيشي في أزمة انتهت بإعلان الرئيس التونسي عن إجراءات الـ25 من يوليو التي من أهمها إقالة الحكومة وتجميد أعمال البرلمان السابق وبدء العمل بالمراسيم الرئاسية في خطوة وصفها خصومه بالانقلاب، لكنه يشدد دائماً على أنها خطوة ضرورية لتصحيح مسار ثورة الـ14 من يناير 2011.

وسيلة بورقيبة

وسيلة بن عمار أو وسيلة بورقيبة كما يُشاع في تونس هي مثال آخر على النساء اللواتي نجحن في ترسيخ نفوذ قوي في قصر قرطاج بحسب مؤرخين، إذ كانت للمرأة اليد الطولى في تعيين الوزراء وإقالتهم، علاوة على دورها المؤثر في اتخاذ قرارات حاسمة، خصوصاً خلال أواخر حكم الرئيس بورقيبة الذي كان متأثراً بمرضه، مما فتح الباب واسعاً أمام معركة لخلافته بين الوزراء والمقربين منه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووسيلة هي امرأة عاشت قصة حب مع الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي لا يزال إرثه السياسي يثير كثيراً من الجدل بسبب الأحداث التي صاحبت فترة حكمه بدءاً من ثورات التحرير والحرب العربية – الإسرائيلية وموقفه المثير من مقترح تقسيم الأراضي الفلسطينية وصولاً إلى الوحدة مع ليبيا.

ولعل اتفاق جربة عام 1974 للوحدة مع ليبيا من أكثر الملفات التي سلطت الضوء على دور وسيلة، فهي كانت تعارضه بشدة لأن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي جهز له جيداً، وحاول الأخير استغلال غياب زوجة بورقيبة عن تونس لوجودها في سوريا حينها، بغية إقناع الرئيس بالتوقيع عليه وهو ما حدث بالفعل.

لم يدم هذا الاتفاق طويلاً، إذ إن بورقيبة سارع إلى التراجع عنه متعللاً بعوائق قانونية تتعلق باستفتاء كان ينوي القيام به حول الوحدة بين بلاده وليبيا اللتين ستصبحان "الجمهورية العربية الإسلامية" ليتم وأد هذا الحلم الذي راود القذافي كثيراً من قبل وسيلة بن عمار وكذلك الوزير الأول التونسي آنذاك الهادي نويرة في خطوة سرعت بانهيار العلاقات بين طرابلس وتونس.

ليلى الطرابلسي

في المقابل لا يزال طيف زوجة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، ليلى الطرابلسي ماثلاً، فكان لها دور مؤثر في رسم سياسات الدولة حتى إن صحافيين استقصائيين وصفاها بـ"حاكمة قرطاج" في مؤلف مشترك أحدث ضجة واسعة فور صدوره.

وليلى الطرابلسي كانت دائمة الحضور في الاحتفالات والأنشطة الرسمية، وكذلك في الأعمال الخيرية من بوابة جمعيتي "سيدة" و"بسمة" اللتين كانتا تهتمان بتوفير فرص عمل للمعوقين ومرضى السرطان.

ويلاحق أفراد كثر من أقرباء ليلى الطرابلسي في ملفات فساد واستغلال نفوذ في تونس، من بينهم شقيقها مراد الطرابلسي الذي توفي عام 2020 في سجنه، بينما دينت هي نفسها في كثير من المناسبات فيما لم تفصح عن إمكان عودتها لتونس.

وتصاعد الحديث قبل أعوام من سقوط الرئيس بن علي إثر انتفاضة شعبية في 2011 حول إمكان خلافتها له على رأس السلطة.

نفوذ ومصالح

وقال أستاذ التاريخ محمد ذويب إن "ليلى الطرابلسي كانت وراء تقريب عائلتها وإخوتها من السلطة واتساع دائرة نفوذهم ومصالحهم في البلاد"، لكن الحديث عن إمكان أن ترث الحكم عن بن علي فردت عليه المرأة في كتاب "هذه حقيقتي" الذي أصدره الصحافي الفرنسي إيف ديراي عام 2012 عندما قالت "بأي مستوى تعليمي سأحكم تونس؟ بأي شهادات وأي كفاءات" في إشارة صريحة إلى مستواها التعليمي المتواضع، إذ إنها رسبت في شهادة الباكالوريا ثلاث مرات قبل أن تنقطع عن دراستها وتبدأ مساراً مهنياً في الحلاقة إلى أن تزوجت الرئيس التونسي الراحل.

وأقرت ليلى الطرابلسي في هذا المؤلف الذي كان ثمرة لقاءات عبر "سكايب" دامت لساعات طويلة بحدوث تجاوزات خلال فترة حكم الرئيس بن علي، مشيرة إلى أن أفراداً من عائلتها استغلوا قرابتهم لها ونفوذهم من أجل تحقيق مكاسب شخصية.

ولفت ذويب إلى أن "وسيلة بورقيبة كانت مؤثرة جداً، خصوصاً خلال أواخر حكم الرئيس الراحل، وكان لها حتى حلفاء من الوزراء والمستشارين وهناك كثيرون يؤكدون أنها كانت وراء إبطال الاتفاق الدولي بين تونس وليبيا حول الوحدة بين البلدين".

وأشار الباحث التاريخي إلى أن "نادية عكاشة تبقى المرأة اللغز حول كيفية اعتماد قيس سعيد عليها وأدوارها في رسم المشهد السياسي في تونس، بخاصة قرار الـ25 من يوليو 2021، وأسباب إقالتها وكذلك حقيقة التسريبات التي نسبت إليها أخيراً".

ويرى ذويب أن " تأثير النساء في صنع القرار في قصور الرؤساء والملوك ظاهرة كونية وعرفها العرب منذ الخلافة الأموية والعباسية وشهدتها تونس منذ عهد وسيلة بورقيبة ثم مع ليلى بن علي وصولاً إلى العهد الحالي".

يد خفية

بدوره يصف المؤرخ والأكاديمي نور الدين الدقي، وسيلة بورقيبة باليد الخفية التي كانت تسهم بقوة في إدارة الأوضاع في تونس، موضحاً أن طموحها هو الذي أطاحها من خلال الطلاق من بورقيبة إثر لقاء صحافي أجرته مع مجلة "جون أفريك" انتقدت فيه نظام الحكم في قصر قرطاج.

ويذكر الدقي في مؤلفه الصادر باللغة الفرنسية "وسيلة بورقيبة... اليد الخفية" إن زوجة الرئيس كانت لها أدوار عدة من بينها أنها عارضت تجربة التعاضد (قام بها وزير تونسي سابق وبارز هو أحمد بن صالح) وأججت الأوضاع لإنهائها، وعارضت فكرة الوحدة مع ليبيا، لكنها في الوقت نفسه تحالفت مع القذافي".

تمكين وتأثير

ومن جانبه، يقول المؤرخ والأستاذ في الجامعة التونسية خالد عبيد إن "الثابت أن وسيلة كان لها تأثير قوي في السياسة التونسية، خصوصاً عندما كان الرئيس الحبيب بورقيبة يضعف بسبب مرضه بشكل دوري أو بسبب تقدمه في السن"، لافتاً إلى أن هذا التدخل "لم نرَه عندما كان الرئيس ممسكاً بدواليب السلطة، إذ لم تكن لديها قدرة كبيرة على التأثير".

ويوضح أنه "دستورياً أو قانونياً لا يوجد في تونس ما يسمح لزوجة رئيس الدولة بأن تكون لها مكانة خاصة وسلطات محددة، بل كل ما لديها مكانة اعتبارية لأنها حرم رئيس الجمهورية، لكن عندما يضعف الحكم أو الماسك به بطريقة أو بأخرى أو لسبب ما، فإننا نرى أن المرأة سواء الزوجة أو غيرها تحاول ملء هذا الفراغ من خلال فرض وجودها والتأثير في كواليس السياسة، وهذا ينطبق على كل اللاتي مررن بقصر قرطاج منذ الاستقلال وحتى الآن".

ويعتبر عبيد أنه "بصفة عامة للمرأة حضور دائم موجود في بعض الفترات التاريخية، هذا رأيناه بدءاً مع ما سمي مسألة تأسيس قرطاج والمرأة عليسة مروراً بالكاهنة وغيرها، يعني هو حضور تاريخي".

وفي ظل استمرار حضور النساء بنفوذ قوي في قصر قرطاج الرئاسي بعيداً من الوظائف التقليدية مثل تولي منصب الرئيس أو أحد مستشاريه المؤثرين في صياغة السياسات العامة، فإن بعضهم يربط هذا الحضور "غير الرسمي" أحياناً كثيرة بمسائل تاريخية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي