ملخص
يقول حقوقيون إن المحامين في تونس يجتهدون في غالب الأحيان للضغط على الكلفة بحسب الحالات الاجتماعية لموكليهم
تشكل الكلفة المترتبة على ممارسة المواطن التونسي حقه في النفاذ إلى العدالة عقبة حقيقية أمام ذوي الدخل المحدود، إذ يرى كثر أن الزيادة في أتعاب المحامين أثرت مباشرة في الكلفة وسط موجة ارتفاع في الأسعار يعيشها التونسيون، وأجور أغلبها ضعيفة لم تعد تفي بالحاجة.
زينب، سيدة خمسينية موظفة في شركة خاصة، أرهقتها سلالم المحاكم كما أرهقتها كلفة المحامي والتنقل من أجل قضية الطلاق التي رفعتها على زوجها منذ سنة ونصف السنة. وتقول "ربما لو كنت غنية لحصلت على الطلاق في وقت وجيز"، مواصلة "أنا مسؤولة حالياً عن إعالة ثلاثة أطفال وزوجي يرفض دفع النفقة، لهذا أضطر كل مرة إلى تقديم شكوى عن طريق محام وهذا يكلفني كثيراً، بخاصة أن دخلي الشهري لا يتحمل نفقات إضافية مع غلاء الأسعار وأجرة البيت ونفقات الأطفال وغيرها من المصروفات الضرورية".
وبحسب أحدث بيانات معهد الإحصاء الحكومي تشهد المحاكم التونسية سنوياً ما يزيد على 1.5 مليون قضية، يستأثر فيها الطور الابتدائي بما يزيد على 1.3 مليون قضية.
أما أمنية العاملة في مصنع للخياطة فتقول إن أخويها "سرقا حقها في إرث والدها"، لكنها لا تستطيع تقديم شكوى للعدالة لأنها غير قادرة على توفير مصاريف المحامي. وتضيف أمنية بحسرة "لو تمكنت من أخذ نصيبي من الميراث في بيت أبي لفتحت ورشة خياطة صغيرة وطورت المشروع وأصبحت في حال أفضل".
طول الإجراءات
وبحسب الجدول المرجعي الجديد للأتعاب الدنيا للمحامين، الذي نشره فرع تونس لهيئة المحامين مطلع العام الحالي، تراوحت التعريفات ما بين 900 دينار أي نحو 300 دولار في القضايا المدنية وثلاثة آلاف دينار تونسي أي 1000 دولار في مرحلة التعقيب.
ويقر عضو فرع تونس لهيئة المحامين نزار الجابري بوجود صعوبات في النفاذ لحق العدالة من قبل محدودي الدخل "وذلك نتيجة ضعف الأجور في تونس وتراجع دور مؤسسة الإعانة العدلية التي تساعد غير المقتدرين في الحصول على حق الدفاع المجاني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الجابري إن "مؤسسة الإعانة العدلية التابعة لوزارة العدل تكفل حقوق المتقاضين من الفقراء في الدفاع المجاني، إذ تتولى الدولة تسخير محامين وتتولى دفع أجورهم، غير أن الأزمة المالية التي تمر بها البلاد تسببت في تراجع المخصصات المرصودة لفائدة هذه المؤسسة". وبين في الصدد ذاته أن "المحامين في تونس يجتهدون في غالب الأحيان للضغط على الكلفة بحسب الحالات الاجتماعية لموكليهم، على رغم أن العمل بتعريفات دون الحد الأدنى للأجر الذي تضبطه هيئة العمادة موجب لعقاب المحامي".
ولفت الجابري إلى أن "طول إجراءات التقاضي في تونس يؤثر في كلفة التقاضي ويزيد أتعاب المحامين الذين يضطرون أحياناً إلى متابعة ملفات لأكثر من 10 سنوات بخاصة في القضايا العقارية". ودعا إلى إعادة النظر في التعريفات الخاصة بالشركات والمؤسسات الحكومية وإلزامها اعتماد تعريفات جديدة تحفظ حقوق المحامين وتسمح بتخفيض كلفة أتعاب قضايا الأشخاص المعنويين، بهدف الحفاظ على حقوق المواطنين في النفاذ إلى العدالة وفق ما ينص عليه دستور البلاد.
لا مساواة في النفاذ إلى العدالة
وعلى رغم أن القانون التونسي ينص على الحق في الإعانة العدلية لذوي الدخل المحدود، فإن هذا الإجراء بحسب مهتمين بالشأن العام لم يكن كفيلاً بتعميم الحق، هذا الوضع خلف بحسب بعض المتخصصين في القانون، نوعاً جديداً من الهشاشة غير معترف به على مستوى التشريع يغذي حالة من عدم المساواة في النفاذ إلى العدالة.
إلا أن المحامية سارة الهيشري ترى عكس ذلك وتعتبر أن "النفاذ إلى العدالة ممكن لكل التونسيين، فوزارة العدل تسخر محامياً للدفاع عن الحالات الاجتماعية الضعيفة، بعد أن يستظهر المتقاضي بشهادة في بيان الحالة الاجتماعية التي يقدمها العمدة في كل منطقة من الجمهورية". وتعتقد الهيشري أنه "في الحقيقة نعاني صعوبة النفاذ إلى المعلومة وليس النفاذ إلى العدالة"، مفسرة أن "أغلب المواطنين لا يعرفون حقوقهم، ويمكن أن توفر الدولة محامياً لمن لا دخل له".
إلا أن الهيشري ترى أن ارتفاع كلف المعيشة في تونس وتدني الأجور عاملان جعلا النفاذ إلى الحق في العدالة مكلفاً. وتضيف أن "أغلب المحامين في تونس لا يعملون بالتعريفة الرسمية ويتعاملون مع القضايا بحسب الحالة الاجتماعية لموكليهم".
ويعاني التونسيون موجة غلاء شملت كل الخدمات العامة والخاصة، فضلاً عن نسبة تضخم قياسية بلغت 10.3 في المئة وفق آخر بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.
ويمنح قانون صادر في عام 2022 التونسيين حق الإعانة العدلية في المادة المدنية لكل شخص طبيعي، طالباً كان أو مطلوباً، وذلك في كل طور من أطوار القضية. وتمنح الإعانة العدلية شرط أن يثبت طالبها أنه عديم الدخل أو أن دخله السنوي الثابت محدود ولا يكفي لتغطية مصروفات التقاضي أو التنفيذ من دون التأثير بصفة جوهرية على متطلباته المعيشية الأساسية.