ملخص
أعلن بنك "أوف أميركا" أنه لا يعتزم التخلص من محفظته من سندات الدين حالياً، وذلك لتفادي تحويل الخسار الورقية إلى خسائر حقيقية
بحسب الأرقام التي نشرتها الهيئة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك في الولايات المتحدة فإن خسائر بنك "أوف أميركا" من استثماراته في سندات الدين بلغت بنهاية الربع الأول من 2023 نحو 100 مليار دولار. وبحسب تقرير في صحيفة "فايننشال تايمز"، أمس السبت، فإن خسائر البنك تفوق نظائره بفارق هائل وتمثل نحو خمس خسائر البنوك الأميركية مجتمعة من اضطراب سوق السندات.
ويرجع ذلك إلى ما اعتبره تقرير الصحيفة قرارات استراتيجية خاطئة باستثمار ثاني أكبر بنوك أميركا الودائع بكثافة في السندات قبل ثلاث سنوات في عز أزمة وباء كورونا.
وكان بنك "أوف أميركا" قد اشترى القدر الأكبر من سندات الدين التي طرحت خلال تلك الفترة بقيمة 670 مليار دولار. وتحمس البنك مع الزيادة الهائلة في الإيداعات لديه في فترة الإغلاقات أثناء أزمة وباء كورونا عام 2020.
وكانت أسعار السندات وقتها مرتفعة، بينما نسبة العائد عليها منخفضة جداً، لكن الآن مع ارتفاع العائد على السندات بقوة بالتالي انخفاض قيمتها، تتكبد البنوك التي استثمرت في السندات من أموال الإيداعات لديها ذلك الفارق، ويسمى "الخسائر غير المحققة"، أو كما هو شائع "خسارة ورقية" في إشارة إلى أوراق السندات واختلاف قيمته من وقت شرائها عن وقت تقييمها كأصل في حيازة مالكها.
استراتيجية استثمار مكلفة
في الوقت الذي استثمر فيه بنك "أوف أميركا" قدراً كبيراً من أموال مودعيه عبر شراء السندات خلال ذلك الوقت، احتفظ معظم البنوك الكبرى في الولايات المتحدة بالقدر الأكبر من أموال الإيداعات لديها نقداً، وذلك ما جنبها خسائر ورقية كبيرة الآن مع انهيار قيمة سندات الدين وارتفاع نسبة العائد عليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من تفاصيل ما أعلنته الهيئة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك نجد أن الخسائر غير المحققة في سوق السندات لأكبر بنك في أميركا "جيه بي مورغان تشيس" في حدود 40 مليار دولار. كذلك تصل خسائر مصرف "ويلز فارغو" ثالث أكبر مصرف أميركي إلى نحو 40 مليار دولار أيضاً. أما رابع أكبر بنك في أميركا "سيتي غروب" فخسائره الورقية بسوق السندات في حدود 25 مليار دولار.
وأعلنت الهيئة الفيدرالية أن إجمالي الخسائر غير المحققة من الاستثمار في السندات بنهاية الربع الأول بلغ 515 مليار دولار، بينما نصيب بنك "أوف أميركا" نحو خمس تلك الخسائر تتوزع البقية على نحو أربعة آلاف و600 بنك أميركي استثمرت في سندات الدين.
المحلل المصرفي المخضرم ديك بوف يقول "قام برايان موينيهان (الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا) بمهمة استثنائية في إدارته لعمليات البنك، إذا نظرنا إلى كشف حساب البنك نجد أنه في حالة فوضى".
تفادي الخسائر بأقل عائد
أعلن بنك "أوف أميركا" أنه لا يعتزم التخلص من محفظته من سندات الدين حالياً، وذلك لتفادي تحويل الخسار الورقية إلى خسائر حقيقية. فطالما احتفظ البنك بالسندات في محفظته فإن تلك الخسائر غير المحققة هي على الورق فقط، وتصبح حقيقية مادية حين يبيع السندات، كما أن معظم السندات بحوزة "بنك أوف أميركا" هي أوراق مالية مضمونة حكومياً، مما يعني أنها في الغالب سترد قيمتها بنهاية مدة سند الدين.
إلا أن احتفاظ البنك في حوزته باستثمارات طويلة الأمد ذات نسبة عائد منخفضة، مثل سندات الدين المضمونة بقروض الرهن العقاري، ومدتها 30 عاماً، لن يكون الاستثمار الأمثل لأموال المودعين، ذلك في حين أن سندات الدين التي يمكن شراؤها حالياً توفر نسبة عائد تزيد بما يصل إلى أربعة أضعاف على تلك التي اشتراها البنك قبل ثلاث سنوات. وبما أن وظيفة البنك الأهم هي تحقيق أفضل عائد من استثمار أموال مودعيه، فإن بنك "أوف أميركا" يحيد جزئياً عن ذلك الهدف بمحفظته الكبيرة من سندات الدين.
صحيح أن السنوات الطويلة من أسعار الفائدة المتدنية قرب الصفر وزيادة القيود الإجرائية وضعف النمو الاقتصادي دفعت معظم البنوك نحو ضخ مزيد من ودائع عملائها في السندات وأوراق الدين الأخرى، إلا أن الأمر اعتمد أيضاً على استراتيجيات الاستثمار لكل بنك.
وبحسب أرقام الهيئة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك فإنه منذ نهاية عام 2019 حتى منتصف العام الماضي 2022 ارتفعت حيازات كل البنوك من الأوراق المالية، ومعظمها سندات خزانة أو سندات دين مضمونة بقروض الرهن العقاري، بنسبة 54 في المئة، أو بمقدار تريليوني دولار. وهذا ما جعل البنوك في وضع مواجهة خسائر غير محققة، أو على الورق، بسبب حيازاتها الكبيرة من السندات، لكن يبقى أن بنك "أوف أميركا" لن يكون مضطراً إلى بيع السندات بخسائر كبيرة تسبب له مشكلة، كما حدث مع بنك "وادي السيليكون" الذي انهار في مارس (آذار) الماضي، كما أن لدى البنك أصولاً نقدية تصل إلى 370 مليار دولار، بالتالي فهو لا يواجه أزمة سيولة كتلك التي سببت انهيار البنوك الإقليمية قبل ثلاثة أشهر.