ورث المواطن العربي من قصص الجدات والأمهات وبعض أفلام السينما القديمة، أن الحب كان في زمن بعيد نظرة فابتسامة وكلام فحب وغرام. لكن مع عصر الحداثة والتكنولوجيا وشاشات الهاتف المحمول انعكست الآية عند البعض، لتصبح مؤخراً، لايك فإضافة وكلام، إلى صورة فتهديد وابتزاز، وربما انتحار، خصوصاً بعدما أصبح الفضاء الإلكتروني مستباحاً ومسرحاً لارتكاب جرائم من نوع مختلف.
فارس الأحلام الوهمي
لم تكن م.س.، من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، تعلم أن صورها التي أرسلتها إلى فارس الأحلام الذي أحبته بصدق وتسامرت معه لساعات طويلة، تبادلا فيها الحب والغزل والكلام المعسول عبر "فيسبوك" و"واتسآب"، ستتحول إلى كابوس مرير لا يزال يراودها حتى اليوم. ففارس الأحلام، وفق قولها، كان منغمساً بالمكر والغش والتخطيط للإيقاع بها، كغيرها من عشرات الضحايا. فعلى مدار سبعة أشهر كانت هي ترسم وتخطط لتشق طريقها مع زوج المستقبل، وهو يتذمر ويتململ إلى حين حصوله على أداة لابتزازها بهدف جمع المال أو الجنس من دون مقابل.
تتحدث م.س.، لـ"اندبندنت عربية"، أنه بعد علاقة إلكترونية وصفتها بالحميمة طوال أشهر، مليئة بالصور الجنسية والفيديوات والضحكات والإيحاءات، "قطع صلته بي بشكل مفاجئ، ليصعقني بعد أسبوعين برسالة تهديد ووعيد، وفضيحة كبرى قد تنتهي بقتلي على يد أبي وإخوتي بسبب تلك الصور. لم أفكر كثيراً في الأمر حتى تناولت تلك الليلة 17 حبة دواء مختلفة بهدف الانتحار، لكن سرعة عائلتي في نقلي إلى المستشفى أنقذت حياتي التي لا أعتقد أنني أستحقها. وبعد فترة علاج استمرت ثلاثة أسابيع، قررت التوجه إلى قسم مكافحة الجرائم الإلكترونية التي قامت بالقبض عليه بتهمة الابتزاز، بعدما اعترفت لأسرتي بكل ما جرى".
الانتحار في أرقام
تُظهر الإحصاءات التحليلية الصادرة عن إدارة البحوث والتخطيط في الشرطة الفلسطينية، أن عام 2019 شهد حتى اليوم 17 حالة انتحار من بينها أربع لأشخاص تقل أعمارهم عن 18 سنة.
وكان التعرض للابتزاز سبباً في انتحار 4 في المئة من الحالات المسجلة عام 2018، الذي شهد 25 حالة انتحار في الضفة الغربية.
وبالتوازي مع عمليات الانتحار التي انتهت بالوفاة، تابعت "اندبندنت عربية" من خلال إدارة حماية الأسرة والأحداث في الشرطة الفلسطينية حالات الشروع بالانتحار أو محاولات الانتحار، كتناول حبوب من الدواء أو إحداث جروح بالأطراف. ومعظم محاولات الانتحار كانت لدى الإناث. إذ بينت الإحصاءات أن 218 شخصاً حاولوا الانتحار العام الماضي، من بينهم 61 من الذكور و157 من الإناث.
الضحايا من الرجال
قصة م.س. واحدة من آلاف القصص التي وصلت إلى وحدة مكافحة الجريمة الإلكترونية التابعة للمباحث العامة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي أكدت أن هناك عدداً لا بأس به من الرجال والنساء من وجدوا أنفسهم ضحايا للجرائم الإلكترونية، من خلال الابتزاز والتهديد مقابل عدم نشر صور أو مقاطع فيديو التقطت لهم، أو معلومات صرحوا بها خلال استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاطئ.
وتشير الوحدة إلى أن هناك تناسباً طردياً ما بين ازدياد عدد المستخدمين للإنترنت والجريمة الإلكترونية. فوفق الإحصاءات الصادرة عن إدارة المباحث العامة، هناك ارتفاع ملحوظ في هذه الجريمة، حيث رصدت الشرطة عام 2017 حوالى 2000 قضية، ليرتفع العدد عام 2018 إلى حوالى 2500 جريمة إلكترونية بزيادة قدرت بـ26.6 في المئة مقارنة بعام 2017.
لكن اللافت في تلك الأرقام والإحصاءات أن وحدة الجرائم الإلكترونية تلقت من الذكور حوالى 1500 شكوى، مقابل 1034 من الإناث، في الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و25 سنة.
قانون الجرائم الإلكترونية المعدل
الناطق باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي أرزيقات يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن معدلات الجرائم الإلكترونية ترتفع في فلسطين، وفي مقدمها الابتزاز. فخلال العام الماضي، سجلت 2500 جريمة إلكترونية توزعت بين ابتزاز وتهديد وتشهير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد صدور القانون رقم 10 لسنة 2018، الذي ينظم الجرائم الإلكترونية بشكل عام والابتزاز بشكل خاص، "أصبح لدينا نيابة متخصصة ودوائر فنية تلاحق الروابط والأشخاص المجهولين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومعظم القضايا التي تُرتكب على مواقع التواصل الاجتماعي تصنف كجنح، وتكون عقوبة الحبس فيها أقل من ثلاث سنوات، إلا إذا تعلقت بالمرافق العامة فتصبح حينها جناية ويكون الحبس فيها أكثر من ثلاث سنوات. أما عقوبة الابتزاز فتتدرج من أربعة أشهر إلى ثلاث سنوات، باعتبارها جنحة لأن المجتمع الفلسطيني يعتبرها مساً بالشرف".
إستراتيجية وطنية شاملة
إحدى أكبر العقبات التي تواجه مكافحة الجرائم الإلكترونية في الضفة الغربية، تتمثل بانتشار شرائح الاتصالات الإسرائيلية بكثرة في المجتمع الفلسطيني. ما يجعل تعقب هذه الشرائح صعباً، كونها غير خاضعة للقوانين الفلسطينية.
نسرين رشماوي، رئيسة نيابة الجرائم الإلكترونية تشير، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن هناك ضرورة لوضع إستراتيجية وطنية شاملة بين القطاع الخاص والمؤسسة الأمنية لمكافحة هذه الجرائم والحد من تأثيرها. فالعشرات من الجرائم الإلكترونية لا تزال طي الكتمان".
وثيقة رسمية كانت قد كشفت العام الماضي، خلال معرض اكسبوتيك 2018 رام الله، أكدت وجود ثماني شبكات اتصالات إسرائيلية تعمل في الأراضي الفلسطينية، بشكل غير قانوني، وقد تجاوز عدد الشرائح الإسرائيلية الفعالة في السوق الفلسطينية 600 ألف شريحة. وتشير التوقعات إلى ارتفاع العدد إلى مليون بحلول عام 2020.