Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قتل النساء في مصر.. البحث عن قانون موحد ضد العنف

ارتفاع مطرد في عدد الجرائم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ومواد العقوبات تسمح بالإفلات منها

في الأسبوعين الأولين من عام 2023 ضجت الصحف المصرية بعناوين لنحو 11 حالة قتل أسري (أ ف ب)

ملخص

الخلافات العائلية من أكثر دوافع قتل أو انتحار النساء والفتيات في مصر، فما هي حدود الظاهرة؟

"بابا قتل ماما"، عبارة متكررة لا يمر أسبوع أو شهر من دون أن نقرأها في عناوين الأخبار المصرية جنباً إلى جنب مع عناوين أخرى لحوادث قتل النساء في مصر من القريب والغريب، حتى باتت مثل هذه الجرائم عرضاً مستمراً في الشوارع والبيوت المصرية.

العنوان الأحدث كان في منتصف يونيو (حزيران) الجاري، عندما استنجد طفلان بالجيران في منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة) بعد مشاجرة نشبت بين الأب والأم أسفرت عن تسديد الزوج طعنات عدة لزوجته بسلاح أبيض، ليفر الصغار في ذهولهم نحو الجيران مستنجدين، "الحقونا، بابا قتل ماما".

في الأسبوعين الأولين من عام 2023 ضجت الصحف المصرية بعناوين لنحو 11 حالة قتل أسري، ووفق أحدث إحصاء أجراه مركز "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي، مستنداً إلى عدد الحوادث المنشورة في الصحف المصرية بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) 2023، بلغ إجمالي عدد حالات قتل النساء في مصر خلال الربع الأول من العام الحالي نحو 51 حالة قتل أو انتحار لنساء وفتيات، واستحوذت نسبة حالات القتل على يد أحد أفراد العائلة أو من خارج الأسرة على 92.1 في المئة، بينما شكلت حالات الانتحار المدفوعة بتعرضهن لأي شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي (لكون الضحية أنثى) 7.9 في المئة. وبحسب الدراسة فإن حالات قتل النساء والفتيات التي ارتكبت بواسطة أحد أفراد الأسرة تجاوزت الـ80 في المئة، وإن 11.8 في المئة من تلك الحالات ارتكبت على يد أحد الأصدقاء أو الجيران أو الغرباء.

باتباع المنهجية نفسها من خلال الاستناد إلى جمع الأخبار المتعلقة بجرائم قتل النساء المنشورة في الصحافة المصرية، وجدت "اندبندنت عربية" أن عدد ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي بلغ أكثر من 77 حالة قتل لنساء من أعمار مختلفة خلال النصف الأول من العام الحالي.

وأظهرت البيانات التي تم جمعها استناداً إلى إحصاءات بحثية لمنظمات مصرية غير حكومية حول جرائم العنف ضد النساء خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة 2021 و2022 و2023، ارتفاعاً مطرداً في جرائم قتل النساء في مصر، سواء على يد الزوج أو أحد أفراد الأسرة أو خارج العائلة.

العنف الأخطر

تظهر البيانات السابقة والحالية أن الخلافات العائلية من أكثر دوافع قتل أو انتحار النساء والفتيات، يليها الاستيلاء على الميراث، ثم لأسباب تتعلق بالشك في السلوك. وبشكل عام هناك زيادة في حالات العنف ضد النساء في مصر، فوفق مؤسسة "إدراك" للتنمية والمساواة بلغ إجمالي عدد جرائم العنف ضد النساء في عام 2022 نحو 1006 جرائم، بما في ذلك جرائم القتل والاغتصاب والضرب والتحرش والابتزاز الجنسي والانتحار والحبس عنوة، في مقابل 813 جريمة عام 2021، إذ أشارت المؤسسة إلى أن الارتفاع الملحوظ في جرائم العنف ضد النساء والفتيات مدفوع بتزايد العنف المنزلي.

ولدى مقارنة الإحصاءات ربع السنوية التي سجلتها مؤسسة "إدراك"، فإن عام 2021 سجل في ربعه الأول 140 جريمة عنف ضد النساء والفتيات، بينها 60 جريمة قتل ارتكب أحد أفراد الأسرة 39 منها، وتضاعف الرقم تقريباً في الربع الأول من عام 2022 ليبلغ 262 حادثة عنف بينها 72 جريمة قتل لنساء وفتيات، و54 تصنف ضمن جرائم العنف الأسري.

وبحساب الأرقام التي أشارت إليها "تدوين" في دراستها، فإن عدد حالات القتل على يد الشريك أو أحد أعضاء الأسرة بلغت في الربع الأول من 2023 أكثر من 40 جريمة.

الفقد يولد عنفاً

رئيس مركز "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي أمل فهمي تفسر أسباب الزيادة الملحوظة في حوادث العنف التي تستهدف النساء والفتيات باهتمام الصحافة بالنشر عنها وتسليط الضوء عليها، كما تتفق مع باحثين آخرين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" على أن الضغوط الاقتصادية تلعب دوراً رئيساً في زيادة معدلات العنف المنزلي "لأن الفقر يولد العنف"، ويتضح ذلك من خلال الجرائم الناجمة عن المشاجرات الزوجية حول الأمور المادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف فهمي أن "غياب الردع والإفلات من العقاب عامل آخر من عوامل شيوع الظاهرة، فعلى سبيل المثال لا يوجد قانون يحظر ضرب الزوجات ويتعامل مع العنف الأسري، كما أن هناك تقاعساً في اتخاذ الإجراءات من الجانب التنفيذي، فالشابة المصرية نيرة أشرف قبل قتلها تقدمت ببلاغ ضد القتيل الذي تعقبها وهددها مراراً، وهناك آلاف السيدات اللائي يتعرضن لضغط الأسرة من أجل البقاء مع الشريك وفي النهاية يكون مصيرهن القتل، وهنا يكون التقاعس متضافراً من جانب الدولة والمجتمع".

وفق دراسة "تدوين" ودراسات أخرى فإن الخلافات العائلية من أكثر دوافع قتل أو انتحار النساء والفتيات بنسبة تزيد على 70 في المئة، يليها في الترتيب القتل بدافع الاستحواذ على ممتلكات الضحايا بنسبة 11.8 في المئة، ثم القتل بدافع الشرف أو الشك في السلوك بنسبة 9.8 في المئة.

على رغم توفير الدولة بيوتاً آمنة للنساء لإيواء ضحايا العنف من خلال مراكز استضافة وتوجيه المرأة أو الفتاة التي تتعرض للعنف، وليس لها مأوى، وهو ما أبرزه مسلسل "فاتن أمل حربي"، بطولة الفنانة نيللي كريم، الذي تم بثه في رمضان 2022، ومع ذلك فإن عدد هذه المنشآت 11 بيتاً فقط في أنحاء مصر.

وتشير فهمي إلى قيود كثيرة تتعلق بالسماح للسيدة بالإقامة في بيوت الاستضافة التي تستلزم إجراءات صعبة تتمثل أولاً في ضرورة أن تقدم السيدة "فيش وتشبيه" جنائياً، والخضوع للكشف الطبي أولاً، بخاصة في حال تعرضها للضرب أو الاغتصاب، كما تحتاج إلى تقديم خطاب مفردات مرتب من جهة العمل، حيث يتم استقطاع جزء من راتبها مقابل الإقامة، فضلاً عن الوصمة الاجتماعية، فإضافة إلى الزاوية الاقتصادية تقول فهمي، "هناك تواطؤ مجتمعي ضد السيدات نتيجة للأعراف والعادات".

الواقع أكثر ألماً

عالمياً، يشير تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة إلى أن 47 ألف سيدة وفتاة قتلن حول العالم على يد الشريك أو أحد أعضاء الأسرة في 2020، بمتوسط حالة قتل كل 11 دقيقة.

وعلى الصعيد المصري، يظل العدد الفعلي لجرائم العنف ضد النساء غير معروف، فالأرقام التي تسردها منظمات المجتمع المدني المصرية تقتصر على الجرائم المبلغ عنها رسمياً، والتي يتمكن باحثو المؤسسات من رصدها والاطلاع عليها من خلال الصحف المصرية وبيانات المكتب الإعلامي للنيابة العامة والإدارية، مما يعني أن الرقم أكبر كثيراً من الواقع.

 

تقول الباحثة لدى مركز التنمية والدعم والإعلام "دام" وفاء عشري، إن الدولة لا تكشف عادة عن الأرقام الرسمية المتعلقة بالعنف ضد النساء، فبينما تعاني النساء بشدة من توسع العنف ضدها، سواء داخل الأسرة أو في الشارع أو العمل، لكن رسمياً تحاول الجهات الرسمية نفي هذا الواقع كمحاولة لتجميل الصورة، ولكي تخرج التقارير الحقوقية بشكل أفضل نظراً إلى مردودها الدولي، بخاصة في ظل وجود الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

وتضيف عشري أن هناك محاولات لتقزيم قضية العنف ضد المرأة، وتمييزاً في التعامل مع القضايا التي تكون فيها الضحية سيدة، فالتقاضي في حال قتل الزوجة يستغرق وقتاً طويلاً جداً، مما يتيح الإفلات من العقاب، وبمراجعة القضايا المطروحة أمام القضاء في يونيو الجاري سنجد لدينا ست حالات منذ عام 2022 جرى تأجيلها لأسباب ضعيفة.

وتشير إلى أن المادة 60 من قانون العقوبات تؤدي إلى الإفلات من العقوبة وتقلل من الحكم الصادر في حال كانت الجريمة داخل الأسرة مثل أن يكون مرتكبها الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن، ناهيك بمواد العقوبات الخاصة بالزنى، التي لا تساوي بين الرجل والمرأة في العقوبة حال قتل مرتكب الفعل، إذ عادة ما يتم التعامل مع الجريمة كدفاع عن الشرف في حال كان الزوج هو القاتل، وكذلك المادة 17 الخاصة بالرأفة.

قانون العنف الموحد

لمعالجة العوار القانوني والثغرات التي تشوب بعض بنود قانون العقوبات المصري في ما يتعلق بقضايا العنف ضد النساء، تقدم عدد من المنظمات النسوية قبل نحو ثلاث سنوات بطرح قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة يضع تعريفاً واضحاً وشاملاً كل أنواع العنف الذي تتعرض له النساء.

شغل القانون بالفعل حيزاً من جلسات الحوار الوطني الجاري في مصر، حيث أولت لجنة الأسرة اهتماماً بالقانون الذي تبنته الحركة المدنية، وكان قد حصل بالفعل على توقيع 66 نائباً ونائبة خلال الدورة البرلمانية السابقة برعاية النائبة نادية هنري.

خلال الجلسة الأولى للجنة الأسرة والتماسك المجتمعي ضمن جلسات الحوار الوطني، التي عقدت الأسبوع الماضي تحت عنوان "العنف الأسري: الأسباب وسبل المواجهة"، دعا عدد من ممثلي الأحزاب والحركة المدنية الديمقراطية إلى ضرورة إقرار قانون موحد لإدانة العنف الأسري والمجتمعي.

ووفق ما جاء في الصحف المصرية، أشار ممثل حزب "الدستور" إبراهيم الصعيدي إلى أن إحصاءات وزارة العدل في شأن قضايا العنف الأسري خلال عام 2021-2022 أظهرت تلقي نحو 9583 قضية عنف أسري، 90 في المئة منها مرفوعة من الزوجات، وخمسة في المئة من الأبناء.

وأعلن الصعيدي عن تبني حزب "الدستور" والحركة المدنية إنشاء قانون موحد لمواجهة العنف الأسري يشتمل على جميع أشكال العنف البدني والجنسي واللفظي الذي يقع على مختلف أفراد الأسرة، سواء كان في المنزل أو الشارع أو أماكن العمل، وكذلك أماكن الدراسة. ويضع القانون التعريفات الخاصة بالعنف، كما يتضمن البنود الخاصة بتجريمه، والعقوبات حال ارتكابه.

وأشارت ممثلة الحزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي" نجلاء الجزار، خلال الجلسة، إلى أن وقوع المرأة في خانة الضحية يعود لأسباب عدة منها غياب السياسات والتشريعات التي تدين أعمال العنف، وخوف المعنفات، وعدم وجود ثقة لدى ضحايا العنف، والثقافة المتجذرة بأن هذا المجتمع ذكوري وأبوي، إضافة إلى اعتماد النساء على الرجال في الإنفاق، الأمر الذي يخشين معه الخسارة ويرتضين بالأمر الواقع. وأوصت بضرورة التدخل الشامل لإقرار قانون موحد لإدانة العنف الأسري والمجتمعي، وكذا إقرار قانون لحماية الشهود والمبلغين في قضايا العنف، وتحسين مراكز تأهيل المعنفات داخل المجتمع، مؤكدة لـ"اندبندنت عربية" أن القانون المقترح يتضمن تعريفات وإجراءات شاملة، بما في ذلك حماية الشهود والمبلغين، وبخاصة بعد ما تعرض له الشهود في قضية الاغتصاب الشهيرة، والمعروفة إعلامياً بـ"قضية الفيرمونت"، كما يضع قانون العنف الموحد عقوبات على ولي الأمر في حال الزواج المبكر، ويعالج كثيراً من العيوب في مواد قانون العقوبات، بما في ذلك التمييز بين الرجل والمرأة في الجرائم الأسرية مثل المادة 60، وكذلك المادة 17 التي يستخدم من خلالها القاضي "الرأفة" في التعامل مع مرتكب العنف، وهو ما حدث في جريمة قتل أخ لأخته بسبب الميراث بعد أن توسلت الأم للقاضي لتخفيف عقوبة نجلها.

وتضيف أن القانون تأخر صدوره كثيراً لأن الأمر يحتاج إلى مجهود لمواءمة القانون الجديد مع كثير من المواد المذكورة في قانون العقوبات، والذي تعد بنوده مجرد خطوط عريضة لا تتضمن تعريفاً مفصلاً لأنواع العنف مثل الاغتصاب، مما يضعف الأحكام ويسمح بالإفلات من العقاب، موضحة أنه "حتى قانون التحرش على رغم أنه جيد في مجمله، فإن هناك بعض العيوب التي تعرقل العملية القضائية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير