تعيش الجزائر على وقع جدل حاد فجّره حفل مرتقب للمغني سولكينغ الذي سيلتقي جمهور بلاده للمرة الأولى في 22 أغسطس (آب) في سهرة فنية تُقام في أحد ملاعب العاصمة في الحي الشعبي بلوزداد.
ويلفت نظر المار من ديدوش مراد، أشهر شوارع العاصمة الجزائرية، طابور لآلاف الشباب، ليس انتظاراً لنتيجة امتحان مصيري ولا من أجل رغيف خبز ولا للحصول على تأشيرة إلى أوروبا، بل للظفر بفرصة حضور عرض سولكينغ (عبد الرؤوف الدراجي 29 سنة).
والوصول إلى مقدمة الطابور ليس سهلًا، قد يستغرق الأمر ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، وقد لا يحصل الراغب في حضور الحفل بعد كل ذلك العناء على تذكرة، بعدما نفد العدد المخصص لذلك اليوم في نقطة البيع مثلما حصل مع خالد (22 سنة) والذي قَدم من ولاية بشار 800 كلم (جنوب غربي العاصمة).
لا يكلّ عشاق هذا الفنان من الانتظار أمام مقر الديوان الجزائري لحقوق المؤلف في العاصمة (الجهة الرسمية المكلفة ببيع التذاكر). يُصرُ الواقفون في الطابور على الوصول إلى نقاط بيع التذاكر الذي يكاد لا يظهر منه إلا كف العامل، الذي يمسك بالـ 1500 دج، أي نحو 12 دولاراً، ليقابلها بـ"شهادة حضور الحفل المنشود".
لم تتمالك أمينة نفسها من الفرح وهي تستلم تذكرة بعدما فشلت في الحصول عليها في ثلاث مناسبات، "أخيراً، حجزت مكاناً في الحفل الفني. أنا من عشاق سولكينغ، وكنت سأحزن لو لم أفز بتذكرة الحفل، لكن فرحتي ستكتمل عقب تمكن أصدقائي من شراء التذكرة لأننا نرغب في حضور الحفل معاً"، تقول الشابة لـ "أندبندنت عربية".
وقد اضطّر بعض الشباب إلى المبيت في سياراتهم في العاصمة بغية الحصول على تذاكر. وكثيرون منهم قدموا من مدن أخرى. وصبّ هؤلاء غضبهم على وزارة الثقافة الجزائرية التي فتحت شباكاً وحيداً لبيع حوالى 27 ألف تذكرة، طاقة استيعاب الملعب، وفق إحصاءات غير رسمية.
سوق سوداء
غير بعيد عن مقر الديوان الوطني لحقوق المؤلف في العاصمة، ينتشر شباب على الرصيف لإعادة بيع تذاكر الحفل الفني، بمبالغ مضاعفة. وقد وصل سعر التذكرة الواحدة في هذه السوق السوداء إلى 6000 دينار، أي ما يعادل 48 دولاراً.
ويقول أحد الباعة لـ "أندبندنت عربية" إن الجميع يبحث عن الربح ومن حقه ذلك، مؤكداً أنه اقتنى تذكرتين وهو العدد المسموح به، وقرر الاحتفاظ بواحدة وبيع الثانية. أما عن السعر المرتفع، فيوضح "وقفت لساعات من أجل الحصول على التذاكر وأعتقد أنني سأجد من يشتريها... نحن نتحدث عن سولكينغ وليس عن مغنٍّ محلي".
ووفق مصادر من مقر الديوان الجزائري لحقوق المؤلف في العاصمة، فإن عملية البيع ستستمر لغاية نهاية الأسبوع الجاري، إذ تشهد إقبالاً منقطع النظير، على اعتبار أنّ إطلالة سولكينغ تُعتبر أول ظهور له في حفل في الجزائر وأوّل لقاء مباشر مع الجمهور. وتشير المصادر ذاتها إلى أن قرابة 15 ألف تذكرة بيعت.
"خليه يغني وحدو"
صور طوابير الشباب المتعطش لحضور حفل المغني الجزائري العالمي، واجهتها موجة انتقادات حادة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت إلى حد انتشار دعوات لمقاطعة الحفل تحت شعار "خليه يغني وحدو" بمعنى (أتركه يغنّي لوحده)، مراعاة لبعض مطالب الحراك الشعبي، مثل وقف هدر المال العام واستغلاله لخدمة التنمية المحلية.
ويقود الحملة المضادة نشطاء دعوا إلى مقاطعة المهرجانات والحفلات الفنية، منها مهرجانا "تيمقاد" الثقافي الدولي في محافظة باتنة شرق البلاد، و"جميلة" العربي في محافظة سطيف (شرق)، لتشمل الحملة المغني سولكينغ.
وتفاعل المغني الجزائري مع حملات المقاطعة، فنشر فيديو على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أكد فيه أن "الحفل سيكون منظماً. هناك أماكن مخصصة للعائلات وأخرى للشباب، ومبلغ الدخول 1500 دينار جزائري (نحو 12 دولاراً)، ولم آت إلى بلادي كي أربح المال"، موضحاً "التبرع بنصف عائدات الحفل إلى مراكز الأيتام في الجزائر العاصمة، والأطفال المرضى في مستشفيات الجزائر الوسطى".
ولفت المغني إلى أنه اختار "يوم الخميس 22 أغسطس (آب) لتقديم الحفل كي لا يؤثر في مواعيد الحراك الشعبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تبريرات سولكينغ، فإن تعليقات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي تشهد تبايناً في المواقف بين من يرى أن حضور الحفل يندرج في إطار الحرية الشخصية للأفراد، وبالتالي لا يمكن منع هؤلاء بداعي أن البلاد تعيش حراكاً سياسياً. فيما رأى البعض الآخر ضرورة التحلي بدرجة عالية من الوعي والتفكير في مستقبل البلاد الذي يبدو غامضاً لدى فئة واسعة من الجزائريين.
شعبية نجم
ويحظى المغني الجزائري المغترب بشعبية كبيرة في البلاد، بلغت أوجها عقب إصداره أغنية "لا ليبرتي" (الحرية) التي تحوّلت إلى أغنية للحراك الشعبي الذي اندلعت شرارته في 22 فبراير (شباط).
وسطع نجم سولكينغ عام 2009 حين أسّس فرقة "Africa Jungle" مع عدد من أصدقائه، على موقع "يوتيوب"، لكن شهرته بقيت محدودة حتى عام 2014. ثم قرر الهجرة إلى فرنسا، حيث استطاع أن يحجز مكانة ضمن قائمة أشهر نجوم الراب في بلد الجن والملائكة، خاطفاً الأضواء بشكل لافت على صعيد عالمي، بعدما حطّمت أغانيه أرقاماً قياسية من حيث المتابعة على غرار "داليدا" و"لا ليبرتي".