ملخص
الحديث يتزايد عن تحركات تنفذها حكومة إقليم أمهرة الإثيوبي لإجراء استفتاء شعبي حول الهوية والأرض المتنازع عليها مع إقليم تيغراي.
ثلاثة عقود من الخلافات كانت كفيلة بتحرك حكومة إقليم أمهرة الفيدرالي في إثيوبيا لحل القضايا العالقة مع إقليم تيغراي، عبر استفتاء شعبي حول الأرض والهوية.
وقال رئيس مكتب الاتصالات في إقليم أمهرة، غيزاشيو مولونه، "إن الجهود تبذل لحل النزاعات طويلة الأمد في شأن الهوية والحدود بيننا وبين إقليم تيغراي المجاور من خلال استفتاء في محاولة لإقرار سلام دائم".
مولونه ذكر أن المساعي الرسمية جارية الآن لتسوية كل القضايا التي مثلت مصدر الخلافات المتزايدة بين الإقليمين على مدى الثلاثين عاماً الماضية، وعلى رأسها ملفا الأرض والهوية الخاصة بالمواطنين القاطنين في المناطق المتنازع عليها، وذلك من خلال تمكينهم من التصويت الحر.
مناطق النزاع
ظلت منطقتا والقيت وراية، وهي الأجزاء الغربية والجنوبية من تيغراي، موضع نزاع بين الإقليمين، حيث يعتبر الأمهرة أنها تابعة له وتم اقتصاصها قسراً من الخريطة الفيدرالية للإقليم، أثناء حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وعلى رغم أن الملف ظل مطروحاً طوال العقود الثلاثة الماضية، فإن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، لم تبذل أي جهد لحله، إلى أن استغل إقليم أمهرة الحرب الأخيرة لاستعادة تلك المناطق بالقوة العسكرية في غضون أسابيع من اندلاع المعارك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وظلت تحت سيطرتهم حتى بعد توقيع اتفاق السلام، والذي نص على ضرورة انسحاب كل القوات إلى مواقع ما قبل هذا الشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسب غيزاشيو، فإن محاولة حل قضايا الهوية والحدود العالقة من خلال استفتاء هو جزء من جهود الحكومة لتهدئة المنطقة التي لم تخفف بعد من الضائقة التي سببتها الحرب، لافتاً إلى أن الأنشطة غير القانونية التي تحظر حرية التنقل والاختطاف والقتل والتخريب والسرقة ما زالت تتسبب في خسائر في الأرواح وتدمير للممتلكات في بعض أجزاء الإقليم.
وقال إن حكومة إقليم أمهرة تؤمن بتحقيق المصالح القومية لشعبها عبر مسار نضال سلمي موحد وناضج تحت مظلة إثيوبيا، موضحاً أن ثمة ضرورة لإعادة ترتيب الأولويات وفقاً للمصالح طويلة الأمد لشعب الأمهرة والتي تشمل التعديلات الدستورية وقضايا الهوية.
تباين الحلول
لم يكشف المسؤول الأمهري مزيداً من التفاصيل حول توقيت الاستفتاء المزمع تنظيمه وما إذا كان قد تم الاتفاق مع حكومة إقليم تيغراي الموقتة من عدمه.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قد دعا في كلمة أمام البرلمان، الخميس الماضي، إقليمي أمهرة وتيغراي بالتشاور لحل الخلاف بطريقة سلمية.
في حين ظلت الحكومة الموقتة في تيغراي تطالب الحكومة المركزية، بضرورة الالتزام بتعهداتها المنصوصة في اتفاق بريتوريا للسلام الموقع بجنوب أفريقيا، وأهمها فرض انسحاب فوري متزامن لجميع القوات من الإقليم، ومن بينها قوات أمهرة التي تسيطر على مناطق النزاع، على أن يتم التفاوض حول ملفات الهوية والأرض بشكل منفصل.
وتتهم جماعات حقوقية قوات الأمن والإدارة المحلية، بإحداث تغيرات ديموغرافية في المناطق التي يحتلها إقليم أمهرة، إيذاناً بالاستعداد للاستفتاء.
قفز على الاتفاق
من جهته، يرى الناشط التيغراوي محتوي سلمون، أن اقتراح الاستفتاء الشعبي الذي تقدمت به حكومة أمهرة، وإن بدا جيداً من حيث المبدأ، إلا أنه يتنافى مع اتفاق بريتوريا للسلام الذي يشترط انسحاباً فورياً للقوات من خريطة تيغراي المعترف بها دستورياً، وإعادة انتشارها إلى حدود نوفمبر 2020.
بالتالي فإن الخطة الجديدة، وفقاً لسلمون، تعد قفزاً على الاتفاق، وتملصاً من الالتزامات الذي يفرضه، موضحاً "أن فكرة الاستفتاء يمكن الاعتماد عليها بعد إنهاء احتلال القوات الأمهرية لمناطق غرب وجنوب تيغراي".
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" قال إن "حل أزمات بحجم قضايا الحدود والهوية، تتطلب إبداء حسن النوايا، من خلال التزام الدولة بتعهداتها المحلية والدولية، بخاصة أن الاتفاق تم توقيعه بضمان قاري ودولي".
وأضاف "لا أرى ثمة داعياً للتمسك بما فرضته القوة العسكرية، طالما تم التوصل إلى حل الاستفتاء الشعبي"، مرجحاً أن "يكون الهدف النهائي للخطة قائماً على المراهنة على الوقت، للقيام بتغيرات ديموغرافية، وإعادة توطين وافدين جدد في مناطق النزاع".
وعلق على تصريحات مسؤولي حكومة أمهرة، قال "إذا كان هدفهم إيجاد الحلول بطرق سلمية، وتحت مظلة إثيوبيا، فإن تيغراي لا يزال مجرد إقليم في الخريطة الإثيوبية"، بالتالي عليهم تنفيذ الاتفاق كخطوة أولى تفضي إلى الاستفتاء.
وأعاد التذكير ببنود اتفاق بريتوريا، التي تنص على حل القضايا العالقة بين الأقاليم الإثيوبية، بما فيها ملف الحدود والهوية، عبر السبل التي ينص عليها الدستور الفيدرالي للبلاد.
واعترف بأن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تجاهلت حل هذه القضايا لأسباب سياسية، على رغم وجود بنود دستورية واضحة لفض النزاعات الناشئة حول الحدود، لكن هذا ليس مبرراً لاستمرار الأمر، إذ إن "الخطآن لا يصنعان صواباً"، داعياً حكومة آبي أحمد إلى الالتزام بتعهدات اتفاق السلام، وكذلك استخدام صلاحياتها الدستورية لحل هذا النزاع.
تصحيح لوضع طارئ
بدوره، اعتبر الناشط الإثيوبي ملكياس بقلي، أن استعادة الجيش النظامي والقوات الخاصة الأمهرية لتلك المناطق، كان بمثابة "تصحيح للوضع"، الذي نشأ خلال حكم "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، موضحاً "أن شعبي والقيت وراية، لم يستفتوا من قبل لضمهم قسراً إلى إقليم تيغراي".
وأضاف "على رغم نضالهما وفقاً للحق الدستوري، للعودة إلى إقليمهم الطبيعي، لم يتم تمكينهم من ذلك"، منوهاً بأن الدستور الفيدرالي ينص على حق الشعوب الإثيوبية في تقرير مصيرها، وتحديد هويتها المحلية، إلا أن ذلك تم إجهاضه لثلاثة عقود لأسباب تتعلق بأجندات الجبهة.
ومضى في تحليله "ما فعلته قوات أمهرة صحح الوضع، وأعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي"، مثمناً الموقف الأخير الذي أعلنته حكومة الإقليم لكونه يتماشى تماماً مع نص وروح الدستور الفيدرالي.
وقال بقلي "الآن ستتاح الفرصة لشعوب هذه المناطق لتحديد مصيرها في استفتاء حر، وعلى طرفي النزاع انتظار قرار المصوتين". لكنه رفض ربط هذا الملف باتفاق السلام الأخير، لأن تاريخ هذا الملف سابق للاتفاق، ومطالب والقيت والراية مضى عليها ثلاثة عقود، وهناك دعاوى قانونية قدمت للحكومة الفيدرالية منذ عهد الجبهة، وتم تجميدها في أديس أبابا.
يعني ذلك – بحسب الناشط الإثيوبي – أنه ليس هناك أي مصوغ قانوني لربط الاتفاق بحل قضايا الحدود، مرجحاً وضع "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" عراقيل أمام خطة الاستفتاء، لا سيما أنها ظلت ترفض تنظيمه لخشيتها من النتائج. وتوقع "أن تمثل خطة الاستفتاء مخرجاً سياسياً لأزمة استمرت أكثر مما ينبغي، بخاصة في حال حصولها على دعم من الحكومة المركزية.