ملخص
قال ترمب إنه في حال أوكلت إليه مسؤولية إنهاء الحرب فسيتمكن من حل الأزمة في غضون 24 ساعة
يمكن للزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة المتحدة نهاية هذا الأسبوع ولقائه رئيس الحكومة ريشي سوناك والملك تشارلز، أن تكون بمثابة تذكير مناسب بالمكان الذي تكمن فيه السلطة السياسية والمسؤولية القائمتين في الوقت الراهن على جانبي المحيط الأطلسي.
أقول هذا لأن بعضاً من المناقشات الأخيرة حول إحدى أكثر القضايا الدولية إلحاحاً في الوقت الراهن جاءت من شخص لا يتمتع في الوقت الراهن بأية سلطة رسمية على الإطلاق، لكنه يسعى إلى امتلاكها مرة أخرى، فدونالد ترمب تقدم بآرائه (كما لو أنه كان بحاجة إلى أية دعوة للقيام بذلك)، عندما تحدث بإسهاب هذا الأسبوع عن رغبته في التوصل إلى حل سلمي للحرب في أوكرانيا حتى لو كان ذلك ينطوي على تنازلات ميدانية من جانب كييف، وقال ترمب "يجب أن تعطى الأولوية القصوى من جانب الولايات المتحدة في الوقت الراهن لتعزيز السلام من خلال جمع روسيا وأوكرانيا إلى طاولة مفاوضات، معتبراً أنه "يمكن القيام بذلك".
ويعتقد ترمب أن "هذه هي اللحظة المناسبة لبذل الجهود في هذا الصدد"، بحيث أشار إلى أن الرئيس الروسي في موقف ضعيف نسبياً نتيجة التمرد الأخير الذي قاده مرتزقة ضده، مؤكداً أن "من الأهمية بمكان اغتنام هذه الفرصة وإجبار الطرفين على العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي".
ترمب توسع في المواقف التي أدلى بها في اجتماع المجلس المحلي لولاية "نيو هامبشير" خلال مايو (أيار) الماضي، عندما أثار رفضه التعهد بدعم انتصار أوكرانيا كثيراً من الجدل، معرباً عن رغبته في إنهاء الخسائر في الأرواح بين الروس والأوكرانيين على حد سواء، وقال "إنهم يموتون. الروس والأوكرانيون. أريدهم أن يتوقفوا عن ذلك"، مشيراً إلى أنه في حال أوكلت إليه مسؤولية إنهاء الحرب فيمكنه "حل الأزمة في غضون 24 ساعة".
المقابلة مع الرئيس السابق أجريت، سواء عن قصد أو من قبيل المصادفة، قبيل موعد انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) مباشرة، والتي تلتئم الأسبوع المقبل في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وتعد زيارة الرئيس بايدن لندن في الأساس محطة توقف قصيرة في طريقه إلى هذا الاجتماع، مما يمثل بلا شك فرصة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتهدئة أية خلافات محتملة بينهما، وضمان اتباع نهج متناغم قبل القمة، بحيث يعتبر الحفاظ على وحدة متماسكة وقوية بين دول الحلف أمراً حاسماً لنجاحها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد أزيل أحد مصادر الخلاف المحتمل مع اتخاذ قرار بإبقاء ينس ستولتنبرغ أميناً لمنظمة "حلف الأطلسي" عاماً آخر، وتم بناء عليه تجنب حدوث منافسة كان يتهيأ لخوضها وزير الدفاع البريطاني بن والاس، وهو أبرز الطامحين إلى المنصب، كما بذلت في المقابل جهود مكثفة لنزع فتيل خلاف آخر يتعلق بعضوية أوكرانيا في حلف الـ "ناتو".
ففي وقت يرغب أعضاء في حلف الـ "ناتو" من دول أوروبا الشرقية والوسطى في قبول انضمام أوكرانيا بمجرد انتهاء الحرب أو قبل ذلك، تظل دول أخرى بما فيها الولايات المتحدة أكثر حذراً، لكن كيف يمكن الحكم على هذه المسألة من خلال حقيقة مفادها أن الرأي يبدو الآن مستقراً فقط حول فكرة تقديم ضمانات أمنية محددة لكييف، يزعم بعضهم أنها تعطي مقداراً أكبر من الطمأنينة الأكثر فعالية على المدى القصير، في حين أن بعضهم الآخر، بمن فيهم أوكرانيا نفسها، لا يقبلون بأقل من منحها "حماية المظلة النووية" لحلف الأطلسي.
وفي كلتا الحالتين هناك حاجة إلى إرسال إشارات تطمين فورية لأوكرانيا، والتأكيد لروسيا بأن "حلف الأطلسي" سيقف إلى جانب كييف طوال تلك المدة، وتحت هذين العنوانين تندرج المواقف المختلفة التي تتخذها دول المنظمة من المسألة، ويتمثل أحدها مثلاً في القلق من عدم تكرار ما يراه كثيرون خطأ ارتكبته "قمة بوخارست" للحلف عام 2008، فقد جرى في حينه التستر على خلاف عميق في شأن ما إذا كان ينبغي منح جورجيا وأوكرانيا طريقاً إلى عضوية الـ "ناتو"، بصيغة تعني بالنسبة إلى بعضهم ضمان عضويتهما في الحلف ذات يوم، وليس الآن تحديداً.
أما بالنسبة إلى أعضاء آخرين فإن شيئاً من هذا القبيل لم يكن وارداً بالنسبة إليهم، وقد أدى ذلك إلى ترك جورجيا وأوكرانيا في ما تسمى "منطقة رمادية"، وبقيتا لا داخل الحلف ولا خارجه.
وتقضي الحكمة التقليدية، أقله في شرق أوروبا، بأنه لو عرض على هاتين الدولتين طريق إلى عضوية "الأطلسي" لكانت أوكرانيا الآن عضواً في المنظمة وتمكنت من تجنب الغزو الروسي، لكن الحجة المقابلة وأسباب الإحجام عن الإقدام على الخطوة في حينه ترتبط أولاً بأن الدولتين كانتا غير جاهزتين للعضوية، وثانياً قد يؤدي قبولهما في الـ "ناتو" إلى حدوث رد فعل عسكري من جانب موسكو.
ويمكن انطلاقاً من الوقائع على الأرض النظر إلى كلا الرأيين على أنهما أثبتا من خلال ما حدث منذ ذلك الحين، ومدى ارتباطه بانقسام آخر محتمل للمواقف يتعين أن تتجنبه قمة "حلف الأطلسي" في فيلنيوس، وفيما تبدي بعض دول المنظمة انزعاجها بعض الشيء من فكرة الحرب بين الـ "ناتو" وروسيا، فإن هذا لا يعبر عن الموقف الرسمي للمنظمة، وحتى الآن قدمت كل مساعدة عسكرية ومالية مطلوبة لأوكرانيا على أساس ثنائي من دولة إلى أخرى.
إلا أن ذلك لم يمنع روسيا من وصف الصراع بأنه "حرب بالوكالة" بين التحالف وروسيا، لكنه سمح لحلف الـ "ناتو" بالحفاظ على ما يعد في الوقت الراهن تمييزاً واسع النطاق بين المساعدة المشروعة لأوكرانيا والحرب الشاملة بين الـ "ناتو" وروسيا.
وهناك في المقابل سبب آخر يجعل دول "حلف شمال الأطلسي" حريصة للغاية على تفادي الظهور بمظهر المنقسمة خلال "قمة فيلنيوس"، وهذا يعيدنا لدونالد ترمب وأجندته لعام 2024، فعندما يحين موعد لقاء "قمة الأطلسي" مثل هذا الوقت من العام المقبل، كما هو مخطط للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 75 لتأسيس الحلف الغربي في العاصمة الأميركية واشنطن، قد يبدو المشهد السياسي على جانبي المحيط الأطلسي مختلفاً للغاية، فالمملكة المتحدة ستكون منهمكة في حملة انتخابية إن لم تكن الانتخابات قد أجريت قبل ذلك، مع احتمال، كما يبدو الآن، أن يفوز بها حزب "العمال" المعارض، وستكون الولايات المتحدة على بعد أسابيع من المؤتمرات الرئيسة للحزبين التي ستصادق على الشخصين الأكثر احتمالاً لخوض السباق على رئاسة البلاد.
وهناك إقرار يصل إلى حد الإجماع بأن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي بحلول ذلك الوقت، مع احتمال أن تصبح هذه المسألة قضية انتخابية أميركية، إلى جانب موضوع التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا، وموقع أوكرانيا في الكتلة الغربية ومن سيدفع الثمن المحتمل، ففاتورة إعادة إعمار البلاد بعد انتهاء الحرب تقدر بنحو تريليون دولار إضافية.
وفي وقت باتت فيه وجهات نظر ترمب معروفة، سواء في شأن حلف الـ "ناتو" (التي تقول بأنه يتعين على الأوروبيين أن يدفعوا كثيراً للولايات المتحدة كي تدافع عنهم)، أو في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا (القائلة بأنها "سخيفة" وأنه قد ينهيها غداً)، أو في شأن بعض الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية (لجهة أن الصين هي التي تشكل التهديد الرئيس، بينما روسيا يمكن التحادث معها)، فإن رغبة "حلف الأطلسي" في تثبيت الموقف الراهن تبدو مفهومة، وهذا يشمل تأكيد الولايات المتحدة التزامها أمن أوروبا وحماية الـ "ناتو" بحكم الأمر الواقع أمن أوكرانيا، ومواصلة الوعد بضمها إلى الحلف ذات يوم، وأن روسيا تشكل مصدر تهديد دائم.
من هنا يمكن لعودة دونالد ترمب إلى منصب رئاسة الولايات المتحدة وحتى ترشيحه أن تسهم في خروج حال اليقين عن مسارها، وتشجع الأميركيين الذين سبق أن أبدوا مخاوف حيال الدعم المقدم لكييف على إعلاء الصوت، وهنا بطبيعة الحال سيعود الخصوم القدامى لترمب إلى محاولات وصفه بـ "الوله ببوتين" Putin-ophile (تعبيراً عن تقاربه القوي مع الرئيس الروسي ومدى إعجابه به)، وتكرار ملحمة "روسيا غيت" Russia-gate (سلسلة أحداث وتحقيقات أحاطت بمزاعم حول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016) التي أعاقت تجديد رئاسة ترمب في المرة الأخيرة.
وحول ما إذا كانت الاتهامات ستحدث التأثير نفسه فهذه قد تكون مسألة أخرى، خصوصاً إذا كانت تحمل وعداً بإبقاء الولايات المتحدة خارج مسألة الخلافات الأوروبية وإنهاء الحرب في أوكرانيا، وفي الواقع يمكن أن يزعم دونالد ترمب بأن سياسته تجاه روسيا فشلت، ليس لأنها كانت مضللة بالضرورة بل لأن واشنطن منعته من المضي فيها.
ويضاف إلى ذلك أن الفروق بين سياساته وسياسات كل من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والرئيس الراهن بايدن هي أقل مما يُصور في كثير من الأحيان، فكما ذكر أخيراً رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، كان ترمب أول من قام بإزالة أسلحة من طراز "جافلين" Javelin (نظام مضاد للدبابات متوسط المدى يمكن لفرد أن يحمله، وهو مصمم لهزم جميع المدرعات المعروفة والمتوقعة) من أوكرانيا، وهي خطوة سهلت على المملكة المتحدة توريد أسلحة في وقت لاحق.
إن الفكرة القائلة بأن دونالد ترمب انعزالي بشكل كامل خاطئة، فهو واقعي بامتياز، لكن فيما قد يعتبر منتقدوه أن لديه تناقضاً ملحوظاً وعدم قدرة على التوقع وميلاً غريباً إلى حجب المعلومات السرية، يرى مؤيدوه أن لديه حنكة ومرونة في التعامل مع الظروف المتغيرة، والسؤال هل كان بإمكان ترمب منع وقوع الحرب في أوكرانيا؟ ربما لا، لكنه ربما لم يكن ليرفض طلب موسكو الأخير إجراء محادثات أمنية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021، وهو رفض (من إدارة بايدن) شكل دافعاً رئيساً لاتخاذ فلاديمير بوتين قرار الغزو.
لا شك في أن كثيراً من الأمور يمكن أن تتغير خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وقد لا يكون المرشحان اللذان يتنافسان على البيت الأبيض هما أفضل شخصين نراهما اليوم، وقد يشكل عمر جو بايدن والمشكلات القانونية التي يواجهها دونالد ترمب عبئاً كبيراً عليهما لمواصلة خوض المنافسة، لكن ما لم تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها فقد يكون التدخل الأميركي فيها موضع خلاف، ويمكن أن تكون الغلبة للترمبية إن لم تكن لدونالد ترمب نفسه، فالتلويح بعلم أوكرانيا شيء وإنفاق الدولارات وتقديم الأسلحة، إن لم يكن الدم الأميركي، شيء آخر خصوصاً في عام الانتخابات.
© The Independent