Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الشاعر الصيني جيدي ماجيا تشغله مآسي العصر

مختارات من شعره بالعربية والغرب رحب بصوته الإنساني المتميز

الشاعر الصيني جيدي ما جيا (دار بيت الحكمة)

ملخص

مختارات من شعره بالعربية والغرب رحب بصوته الإنساني المتميز

يُعد الشاعر جيدي ماجيا Jidddi Majia  (1961) من أبرز الشعراء الصينيين المعاصرين، على المستوى الأوروبي، فقد تُرجِم شعرُه إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والروسية، ومنحته جمعية الكتاب الروس وسام ميخائيل شالخوف عام 2006، وفي العام نفسه كرَّمته جمعية الأدباء البلغاريين. ويعكس شعر ماجيا عموماً ثقافة منفتحة على عذابات الإنسان، شرقاً وغرباً، فضلاً عن الإحاطة بمنجزات شعراء من ثقافات مختلفة، منهم ماياكوفسكي ولوركا، ومحمود درويش وأدونيس، ومعرفة جيدة بالقضية الفلسطينية وبالأوضاع المتردية في غير بلد عربي وإسلامي وأفريقي، بسبب الحروب والصراعات التي غالباً ما تؤججها مصالح استعمارية.      

في العام 2020 صدرت ترجمة عربية لديوان لجيدي ماجيا عن "مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية" في القاهرة تحت عنوان "هوية"، أنجزهتها شيماء كمال، وهي من أبرز مترجمي الأدب الصيني في العالم العربي. وأخيرا، أنجز مختار ترجمة مختارات من شعر ماجيا لحساب الدار نفسها، وتولى تحرير العملين الشاعر أشرف عويس، "الذي حاول من خلال رؤيته الأدبية ضبط النصوص الشعرية بما يلائم الصياغات العربية من دون الإخلال بروح النص بلغته الأصلية، بحسب تنويه ناشر الترجمتين. ومختار حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب العالمي والمقارن من جامعة بكين للغات والثقافة.

 

وتصدّر ترجمة المختارات تقديم للشاعر الليتواني توماس فينكلوفا، الذي يعمل أستاذا في قسم اللغة والأدب في جامعة ييل في الولايات المتحدة الأميركية، ويعرف بأنه "أحد أعظم الشعراء الأوروبيين الأحياء. وسبقت هذا التقديم كلمة للشاعر أشرف عويس استهلها متسائلاً: إلى أي قدر يمكن لشاعر أن يمتلك روحاً متجاوزة إلى هذا الحد؟  وإلى أي حد يمكن للشعر أن يكون عابراً للإنسانية بهذه الصورة المتحققة هنا في هذه التجربة؟

حضور عربي

يرى عويس أن هذه المختارات التي جاءت ترجمتها في نحو 500 صفحة من القطع المتوسط، "تعبر عن تجربة جيدي ماجيا الشعرية بشكل أعم وأشمل" مقارنة بلديوان "هوية". في هذه المختارات - يقول عويس - نجد تأكيداً واضحاً لإنسانية جيدي ماجيا، المتجلية في اهتمامه بالمأزق الإنساني الذي يعيشه العالم نتيجة الحروب والصراعات الدائرة في مناطق مختلفة. ورغم أنه ينتمي إلى بلد مثل الصين كبير المساحة كثيف السكان ومتعدد القوميات، فإن طاقته الشعرية تجعله واعياً لما يحدث خارج وطنه الأم، بحسب عويس. ولكن يمكن للقارئ أن يلاحظ قدراً واضحاً من المباشرة في تعاطي ماجيا مع أحداث تتسم بطابع سياسي، كما في قصيدة "لطالما أحببتُ الأشياء الضعيفة"، إذ يقول: "لا تزال الجرائم البربرية القديمة تحدث / في ليبيا وأفغانستان وفي القدس اليوم / من كوسوفو المقاومة إلى الشيشان المنتقمة / في العراق النازف وسوريا الباكية / والصومال الذي يعيش في حرب أهلية حتى يومنا هذا / مسارح الجرائم ليست فقط في هذه الأماكن / فعدد القتلى الأبرياء لا يزال يتزايد بسرعة".

وحضور العالم العربي في شعر ماجيا لا يقتصر على القضايا السياسية كما في ذلك المقطع، بل إنه يمتد إلى ما هو ثقافي، متجلياً في معرفته التي تبدو عميقة بعدد لا بأس به من الشعراء العرب المعاصرين ومنهم محمود درويش الذي أهداه قصيدته "هوية"، والتي يقول في ختامها: "درويش يا أخي العزيز / يداخل قلبي حزن عميق / فقد صليت لأجل القسطاس والعدالة / لأجل من حرموا أوطانهم / هؤلاء الذين فقدوا هويتهم ليحموا أرضهم / وقد تحملوا وجعاً ودماراً". ويهدي قصيدة "المنفيون" إلى أدونيس ويقول فيها : "الضحايا... لا أحد غيرهم / في سوريا، أقصد تلك غير المجردة / يعيش الملايين من الناس العاديين / انظر في عيونهم / أي نوع من العيون هذه / إنها بلا شك إدانة للإنسانية في هذا القرن".

واقعية سحرية

 

وعلى عكس شعره  في القضايا السياسية خارج وطنه الصين والذي يعكس موقفاً أيديولوجياً في الغالب، نجد ماجيا في مواضيع أخرى أكثر تحرراً من ذلك القيد الذي يوقعه في المباشرة. ومن ذلك مثلاً قصيدة له عن "الشعر"، يقول فيها: "يكره التسكع بحديقة المنطق / فالحديقة لا تطيق طنين النحل أو نقر الرعاة / الشعر بصيص رقيق من دخان زغبي / عبر منافذ العقل الباطن / لیس جسد عصفور / إنه الذكريات الهائمة بالأصداء / له وجهة رحلة، إنما ما من مرفأ بعينه / الأشد روعة هو أنه بمنتصف الرحلة / ما من سبيل لوصف ما يُنتظر خلف الوجهة / القصائد أنجم وندى / نسائم وشفق الصبح / واحتمالية امتلاك اللحظات / الشعر وجود اللاوجود / أو رقرقات تومض من العدم / الشعر قبة مشعة بالنور / إنه نقيض البديهيات / لا يؤمن بالأقنعة / بل يطرح التنهدات القابعة وراءها / الشعر خريف مزَّقته الجنادب".

يكتب جيدي ماجيا باللغة الصينية؛ علماً أنه ينتمي إلى قومية "يي" البالغ عدد سكانها حوالي 8 ملايين نسمة ويعيشون في منطقة جبلية غير بعيدة عن فيتنام وتايلاند، ومع ذلك كان من السهل على القراء الأوروبيين استيعاب قصائده، كما يقول فينكلوفا. ومن هنا كان البعد الإنساني العميق الذي يتميز به شعر ماجيا وقصصه، كما يقول أشرف عويس، نابعاً من كونه ينتمي إلى قومية ذات خصوصية داخل الصين نفسها واعتزازه الشديد بها، ولأنه ابن بيئة بكر لا تزال تحتفظ إى حد كبير بعفويتها وعنفوانها رغم طغيان المادة والتكنولوجيا الحديثة. ولغة قومية جيدي ماجيا تنتمي إلى فصيلة اللغات التبتية – البورمية المنبثقة عن عائلة اللغات الصينية التبتية، ولديها نظام كتابة مستقل. وتعلم ماجيا على يد الشاعر الصيني الشهير آي تشينغ، وبمرور الوقت أصبح على دراية بالأدب الصيني الكلاسيكي وأدب القرن العشرين والأدب الغربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك فقد اهتم بإرث قوميته، ونظرتها البدائية الساحرة للعالم. وماجيا يتميز كذلك بتعاطفه العميق مع الأمم المنكوبة، وهو أمر يقدره الأوروبيون تماماً، بحسب ما ذكره فينكلوفا في تقديمه لهذه المختارات في طبعتها الانجليزية. كما أن قصائده معبرة للغاية، حرة منطلقة، مليئة بالاستعارات، والمعالجات التي تغلب عليها المبالغة، باعتبارها تنتمي إلى "أدب البحث عن الجذور"، ضمن تيار ما ببعد الحداثة، والذي ينتمي إليه أيضاً الروائي مويان الحائظ على جائزة نوبل في الآداب عام 2012. اقترب جيدي ماجيا – كما يقول توماس فينكلوفا – من الواقعية السحرية من خلال هوسه بالفن الشعبيس، وكثيراً ما تعرَّض داخل كتاباته إلى الشعر الأوروبي والأميركي والأفريقي. ومن السهل على القراء ملاحظة ارتباط الأسلوب البلاغي لماجيا بشعراء أمثال بابلو نيرودا وأوكتافيو باث وتيار "الروحانية الزنجية".

الجذور العميقة

وهنا – يقول فينكلوفا – يمكننا أيضاً أن نجد علاقات تناص متبادلة مع عمال العديد من شعراء أوروبا الوسطى والشرقية، بداية من تشيسلاف ميلوش، وصولاً إلى ديشناكا ماكسيموفيتش. وقد ربط ماجيا هذه الخصائص كع التقاليد الصينية، بل وحتى تقاليد الشرق الأقصى، خاصة مع الأساطير القديمة لقومية "يي". ولاحظ فينكلوفا أنه منذ آلاف السنين، ظل الأدب الصيني يتطور بطريقة فريدة للغاية، في شبه عزلة عن التقاليد الغربية، بسبب العزلة المكانية (ورمزها سور الصين العظيم)، والبنية الاجتماعية الفريدة، بالإضافة إلى السبب الذي ربما قد يكون الأهم، وهو تفرد كتابتها التصويرية. ومن ناحية أخرى، فقد كان للثقافة الصينية تأثير مهم وحاسم في كثير من الأحيان على ثقافات الشرق الأقصى الأخرى. وكانت الثمرة الرائعة لتطور الأدب الصيني هي الشعر الغنائي القديم الذي نشأ من الكلاسيكيات القديمة.

ويمكن مضاهاة الشعراء الذين تفتخر بهم الأمة الصينية، مثل تشيوي يوان، وتاو يوان مينغ، ولي باي، ودوفو، مع كل من هوميروس وهوراس وبترارك من حيث المكانة الثقافية العالمية. وقبل القرن السابع عشر، كان الأدب الاسيكي الصيني غريباً تماماً عن الغرب. في القرن التاسع عشر، ثم خاصة في القرن العشرين، شهد كل من اشرق والغرب – كما يقول فينكلوفا – انفتاحاً هائلاً، حيث أظهرت أوروبا والأميركتان اهتماماً كبيراً بالصين، والعكس أيضاً صحيح. وبدأ الشعر القادم من مناطق الشرق الأقصى في التأثير على أدب العالم الحديث، كما تغلعل الاتجاه الجديد للشعر القادم من أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا، بل وحتى بولندا داخل الثقافة الصينية، وتجلى ذلك في إبداعت ماجيا الذي يعتبره الغرب أحد أهم الشعراء الصينيين المعاصرين، وهو على اية حال يعتبر أحد أكثر الشخصيات شهرة في الساحة الثقافية الصينية في الوقت الحالي.          

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة