ملخص
بودن هي أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تونس، لكن حكومتها باتت تواجه انتقادات متصاعدة.
اتسعت في تونس دائرة الداعين إلى رحيل الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن، حيث انضم اتحاد الشغل، النقابة ذات الثقل القوي شعبياً وتاريخياً، إلى قائمة المنتقدين بشدة لأدائها في خضم أزمات عدة تتربص بالبلاد.
قال سامي الطاهري، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي ينضوي تحت لوائه أكثر من مليون عامل، إن "الحكومة الحالية فاشلة وعليها أن ترحل". وذلك قبيل اجتماع حاسم لنقابة التعليم التي دخلت في معركة تكسير عظام مع السلطات بمواصلة حجب علامات الطلاب.
وأضاف الطاهري في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية، أمس الأربعاء، أن "ما ينتظره التونسيون أن ترحل هذه الحكومة برمتها وعدم الاكتفاء بتعديل وزاري، فمنذ تعيينها في سبتمبر (أيلول) 2021 إلى الآن لم تحل أي مشكلة في القضايا المطروحة، وهي عاجزة عن إدارة أي ملف".
حسابات خاطئة
وكانت حركة "الشعب" من أوائل الأحزاب السياسية الموالية للرئيس قيس سعيد التي دعت علناً إلى إقالة حكومة بودن وتعيين حكومة سياسية، لكن الرئيس، الذي يمنحه الدستور هذه الصلاحية، تجاهل تلك الدعوات مما جعل أوساطاً سياسية ومراقبين يتوقعون أن يتم أيضاً هذه المرة غض الطرف عن دعوة الاتحاد.
وبودن هي أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تونس، لكن حكومتها باتت تواجه انتقادات متصاعدة بعد وصول أزمة التعليم، التي تعصف بالسنة الدراسية الحالية، إلى طريق مسدود، الأمر الذي دفع وزير التربية إلى إقالة المئات من مديري المدارس في خطوة تصعيدية، علاوة على الصعوبات التي تجدها في حلحلة معضلة الهجرة غير النظامية بعد أن أصبحت تونس وجهة لمئات المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الذين يطمحون للعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الناشط السياسي التونسي حاتم المليكي، استبعد أن يقيل الرئيس قيس سعيد الحكومة قائلاً إن "الوضع الدستوري والقانوني الحالي يجعل من النقاش حولها بلا معنى، ففي النهاية رئيس الجمهورية هو من يضبط سياسة الدولة وليست الحكومة، بالتالي فإن من لديه اعتراض على السياسات الحالية فهو يعترض على الرئيس نفسه".
وهذه من المرات النادرة التي يدعو فيها اتحاد الشغل إلى إقالة حكومة نجلاء بودن، لكن أحزاباً سياسية على غرار حركة "الشعب" طالما طالبت برحيلها وتشكيل حكومة سياسية على رغم دراية هذه الأحزاب بأن الرئيس يخول له دستورياً تعديل الحكومة أو إقالتها.
يرى المليكي أن "استعمال الحكومة هو توظيف سياسي حزبي فقط، هذه دعوات تنم على حسابات سياسية خاطئة، لأن هناك أحزاباً لم تفهم التغيير الذي قام به الرئيس سعيد، وما زالوا يعتقدون أن بإمكانهم لعب دور سياسي داخل النظام مثلما كان سائداً في ظل النظام البرلماني، وتحقيق مكاسب سياسية، لكن هذا غير ممكن اليوم في ظل نظام سياسي لا يعترف أصلاً بمشاركة الأحزاب في الحكم، وثانياً هو نظام رئاسي حيث للرئيس صلاحية تعيين الحكومة أو عزلها".
الحلقة الأضعف
تأتي الدعوات إلى إقالة الحكومة في وقت كان الرئيس قيس سعيد أجرى تعديلات على فريق بودن من خلال إقالة وزير التربية السابق فتحي السلاوتي وتعيين النقابي البارز في الاتحاد محمد علي البوغديري محله، وأيضاً تعيين وزير فلاحة جديد هو عبد المنعم بالعاتي، كما أقال وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم.
وأعطت هذه التعديلات التي جرت قبل أشهر انطباعاً بأن هناك ضوءاً أخضر لاستمرار حكومة بودن، خصوصاً في خضم أزمات عدة تتربص بالبلاد على غرار النقص الحاد في الخبز، وأزمة المهاجرين، والعجز عن التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
المحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي، اعتبر أن "الاتحاد العام التونسي للشغل استفاق بعد سبات طويل من خلال الدعوة إلى هيئة إدارية، ومساندته نقابة التعليم الأساسي في خضم الأزمة مع وزارة التربية، وحديثه عن إمكانية مراجعة الاتفاقية الموقعة مع الحكومة في حال ارتفاع معدل التضخم أو ارتفاع الأسعار خصوصاً في المواد الأساسية".
وشدد الوسلاتي على أن "الاتحاد كان من أوائل الجهات التي دعمت مسار 25 يوليو (تموز) والرئيس قيس سعيد بشكل مباشر، ورأينا حتى لقاءات متكررة بين الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي والرئيس، ثم في ما بعد أصبحنا نتحدث عن قطيعة تامة بين الرجلين، والاتحاد يعرف أن الماسك بزمام السلطة هو الرئيس، والحكومة حكومته، وبالتالي فإن استهداف الحكومة يأتي من باب أنها الحلقة الأضعف في الدولة، فهي تنفذ ما يطلبه رئيس الجمهورية".
اللافت أن الانتقادات لحكومة بودن لم تعد تقتصر على خصوم الرئيس قيس سعيد، بل امتدت منذ فترة لتشمل وجوهاً وأحزاباً عرفت بتحمسها للمسار الانتقالي الذي دشنه رئيس الجمهورية قبل سنتين، لكن من غير الواضح ما هي أهداف وخلفيات هذه الانتقادات.
الوسلاتي يوضح أن "الأطراف المساندة لمسار 25 يوليو هي نفسها تطالب بتعديل حكومي واسع أو على الأقل إقالة الحكومة وتعويضها بحكومة سياسية، مثل حركة (الشعب) التي كانت تمني النفس وتطمع في أن تكون شريكة في الحكم، لكن الرئيس لا يريد أي شريك، وقد سبق أن أشار إلى (من رقصوا فرحاً يوم 25 يوليو 2021 بإجراءاته ثم انقلبوا في ما بعد)، وذلك في نقد واضح لحركة (الشعب) بعد أن حملت الرئيس مسؤولية تدهور الوضع في تونس".