Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختبرت وحشية القنابل العنقودية ولمست مدى خطورتها

وافق الرئيس بايدن على تزويد أوكرانيا بهذه الذخائر المدمرة التي تثير الجدل حولها فيما حظرتها بريطانيا

"تبدو هذه القنابل على قدر غير مسبوق من الوحشية (دائرة توزيع المعلومات المرئية العسكرية/ أ ف ب بواسطة غيتي)

 

ملخص

هل يقوض الاختلاف في الرأي حول القنابل العنقودية العلاقة الخاصة بين بريطانيا وأميركا؟

وصفت فالنتينا ديمتشنكا الضوضاء وكأنها مفرقعات نارية تنفجر بشكل متواصل – وهي مختلفة جداً عن دوي الانفجار الهائل للقذائف الروسية التي أودت بحياة السكان وهدمت المباني في حي إندوستريالني بمدينة خاركيف طوال الأسبوع الماضي.

واستغنمت هدنة موقتة خلال الهجوم لتهرب برفقة زوجها وولديها من المبنى السكني الذي تقطنه. وما إن كانوا على وشك الوصول إلى سيارة العائلة حتى دوت سلسلة انفجارات أخرى. نظرت من حولها، وفي تلك اللحظة تحديداً، أصابتها شظية اقتلعت عينها اليسرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتظهر تحليلات خبراء الأسلحة ومنظمة العفو الدولية أن الذخائر التي استخدمها الروس في تلك المرحلة، أي في مطلع الغزو عام 2022، كانت قنابل عنقودية من نوع 9N210/9N235، وهي عبارة عن ذخائر فرعية موجهة ضد الأفراد، تتطاير منها شظايا فولاذية، فتتناثر على نطاق واسع وتنفجر بطريقة متزامنة.

وتجدر الإشارة إلى أن مناطق أخرى من المدينة، من بينها شيفتشينكيفسكي وسالتيفكا، شهدت هجمات مماثلة لتلك التي شهدها حي إندوستريالني. واستقبل المستشفى الرئيس في خاركيف في اليوم التالي عشرات المصابين، كما أشار الفريق الطبي إلى أن الجروح عميقة وأصابت بمعظمها الجزء العلوي من الجسم، في المعدة والصدر والظهر والرقبة والوجه.

وفي هذا الإطار، أكدت إيلينا، وهي طبيبة كانت تعالج فتاة مصابة لا يتعدى عمرها 12 سنة، "تبدو هذه القنابل على قدر غير مسبوق من الوحشية. يبدو وكأنها غير مصممة لاستهداف المباني، بل للإلحاق الضرر بالناس وقتلهم". وأضافت بالقول: "كانت نجاة هؤلاء الأشخاص ضرباً من الحظ".

لكن الحظ عينه لم يحالف آخرين، إذ تبلغنا أن عشرات الجثث نقلت إلى براد الموتى.

في تلك الفترة أيضاً، أفادت دوناتيلا روفيرا، كبيرة المسؤولين عن الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية: "يجب أن يكون استخدام هذه الأسلحة محظوراً تماماً، لأنه يتعذر تحديد هدفها. فهي أسلحة ذات مفعول واسع المدى (أسلحة نطاقية)، لها تداعيات مدمرة وتوقع عدداً كبيراً من الوفيات والإصابات في صفوف المدنيين".  

بيد أن موضوع القنابل العنقودية عاد ليتصدر العناوين، عقب قرار الإدارة الأميركية بتزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية. وستشكل المسألة موضوع نقاش بين جو بايدن وريشي سوناك خلال زيارة الرئيس الأميركي إلى لندن - وكذلك خلال قمة الناتو في فيلنيوس خلال الأسبوع الجاري.

تظهر بريطانيا بين 123 دولة أبرمت عام 2008 اتفاق الذخائر العنقودية، وهو ميثاق دولي حظر إنتاج هذا النوع من الأسلحة أو استخدامه.

ولم ينتقد سوناك قرار واشنطن مباشرة، بل اكتفى بالقول إن المملكة المتحدة "لا تشجع" على استخدام [الذخائر العنقودية]. ومن جهتها، أعربت إسبانيا وكندا، وكلتاهما من الدول المنتسبة إلى حلف الناتو - إلى جانب نيوزيلندا، وهي عضو في مجموعة "العيون الخمس" الأمنية التي تضم أيضاً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا - عن اعتراضها الصريح والعلني على إرسالها.

أما كريس هيبكنز، رئيس وزراء نيوزيلندا، فشدد على أن القنابل العنقودية "عاجزة عن التفرقة بين البشر والحجر، وتتسبب بأذى هائل يطاول الأبرياء، وقد تكون لها أيضاً تبعات على المدى البعيد".

ومن جهتها، علقت مارغريتا روبلز، وزيرة الدفاع الإسبانية بالقول: "لا للقنابل العنقودية. نعم لحق أوكرانيا بالدفاع عن نفسها. لكننا لا نرى استخدام القنابل العنقودية سبيلاً لذلك".

أما الولايات المتحدة، فتبرر استخدام أوكرانيا للذخائر العنقودية بالقول إنها ضرورية لحفظ حق البلاد المشروع بالدفاع عن نفسها، مضيفة أن الهجوم المضاد المستمر حالياً ضد القوات الروسية، على الجبهتين الجنوبية والشرقية، هو جزء أساسي [من هذا الدفاع].

ويقوم السبب الكامن لتزويد ذخائر عنقودية على أن حلفاء أوكرانيا في الغرب لم يتمكنوا من زيادة مستويات إنتاج الذخائر، لاسيما القذائف المدفعية، لتلبية حاجات الجيش الأوكراني.

وتسبب ذلك بمشكلة بين دول حلف الناتو التي تكاد إمداداتها أن تنفد. ففي بريطانيا، قدمت الحكومة لوزارة الدفاع 5 مليارات جنيه استرليني لوزارة الدفاع منذ أربعة أشهر، وذهبت 3 مليارات جنيه من هذا المبلغ، في الأقل، إلى أسطول الغواصات النووية، في حين أرسل المبلغ المتبقي، وقيمته مليارا جنيه، إلى الجيش، كي يعيد ملء مخزونات الذخائر المتوجهة إلى أوكرانيا، وبالتالي، لم يعد أي مبلغ متوفراً لتلبية سلسلة من الاحتياجات الأخرى.

من جانبها، تؤكد الأطراف المؤيدة لإرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا أنها ستأتي بفائدة هائلة لأوكرانيا، في سياق هجوم لم تحرز خلاله سوى تقدم بطيء على خطوط الدفاع وحقول الألغام الروسية المحصن بإحكام.

ويلفت بحث صادر عن معهد "رويال يونايتد سيرفيسيس" Royal United Services Institute، إلى أن توريد ذخائر عنقودية ليس مبرراً عسكرياً وحسب، بل مبرر أيضاً قانونياً وأخلاقياً.

ويشير البحث إلى أن الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا لم تبرم اتفاق الذخائر العنقودية، والأمر كذلك بالنسبة إلى بولندا وأوكرانيا، وهما دولتان "ستعبر الذخائر أراضيهما على الأرجح لتتمكن من الوصول إلى أوكرانيا". وبالتالي، "لا يخضع أي طرف قد يشارك مستقبلاً في توريد [الذخائر] أو نقلها أو استخدامها لأي إجراء قانوني محدد يحظر استعمالها".

ويتمثل أحد أهم الأسباب المعطاة لحظر استخدام الذخائر العنقودية بأنها، وفي بعض الأحيان، لا تنفجر فوراً بفعل الاصطدام - وتشكل بالتالي مصدر خطر مميت للمدنيين، ومنهم أطفال. ويبرر المعهد موقفه، في البحث الذي وضعه، بالقول "إن المشكلة في هذا التبرير هي أن قسماً كبيراً من الذخائر الأخرى لا ينفجر... وبالتالي، ينطبق تبرير عدم انفجار الذخائر أيضاً على مجموعة واسعة من الأسلحة المتفجرة المستخدمة أصلاً في الحرب [الأوكرانية]، وبالتالي، ليس هذا السبب منطقياً لحظر توريد الذخائر التقليدية المحسنة ثنائية الغرض DPICM" [أي الذخائر العنقودية] [إلى أوكرانيا].

لكنه من المتعارف على نطاق واسع أن القنابل العنقودية غير المنفجرة تشكل خطراً استثنائياً، وهو تحديداً السبب الذي حث على تدمير نسبة 99 في المئة من مخزونات الذخائر العنقودية حول العالم منذ إبرام الاتفاق.

وكشفت منظمة رصد الذخائر العنقودية Cluster Munition Monitor أن المدنيين شكلوا نسبة 97 في المئة من مجمل ضحايا الذخائر العنقودية عام 2021. وليست نسبة كهذه بالجديدة، إذ كشفت دراسة، كانت أجرتها منظمة "هانديكاب إنترناشيونال" عام 2006، أن نسبة 98 في المئة من الأشخاص الذين أقعدوا أو قتلوا بسبب الذخائر العنقودية في العقود الثلاثة السابقة كانوا من المدنيين.

والحال أن [الصحافيين] بيننا الذين نقلوا التقارير من العراق وأفغانستان، إذ شرعت الولايات المتحدة في استعمال القنابل العنقودية على نطاق واسع، التمسوا تداعيات [هذه القنابل] حتى بعد سنوات.

ويبدو أن الأطفال شكلوا نسبة كبيرة جداً من الضحايا، كونهم يلتقطون عن الأرض أغراضاً صغيرة تكون أحياناً فاقعة الألوان.

وفي هيرات بأفغانستان، التقينا بفتى عمره 10 سنوات اسمه سراج غلام حبيب، وقد خسر ساقيه عندما التقط عن الأرض علبة بينما كان برفقة أصدقائه. وكان العلبة صفراء، بلون الحزم الغذائية التي كان يرميها الأميركيون من طائرات المساعدات. وحصل ذلك في بداية النوروز، رأس السنة في أفغانستان، واعتقد الفتيان أنه توزع الهدايا عليهم.

وشارك سراج المتنقل على كرسي متحرك في حملة تأييد لاتفاق الذخائر العنقودية التي أبرمت بعد سبع سنوات من تعرضه للإصابة.

يقول عدد كبير من معارفي الأوكرانيين، بما في ذلك أولئك المنضمين إلى الجيش، إنهم يتفهمون المخاوف بشأن القنابل العنقودية، كونهم اختبروا تداعيات هذه الأسلحة بأنفسهم.

لكنهم أشاروا إلى أنهم يشاركون في "صراع مصيري"، وإلى أنهم يختبرون حالياً هجوماً قد يحسم نتيجة الحرب. وبالتالي، من الواضح والضروري أنه عليهم استقدام واستخدام الأسلحة الضرورية للصمود والنجاح في هزيمة غزو فلاديمير بوتين.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء