ملخص
الاتفاق مع طهران حول مقايضة النفط مقابل الغاز أساسه حل مشكلة مزمنة يعاني منها العراق منذ زمن بعيد
وقّعت السلطات العراقية مع السلطات الايرانية، الثلاثاء الماضي 11 يوليو (تموز)، على صيغة اتفاق جديدة لمقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني لحل أزمة الكهرباء المزمنة في بلاد الرافدين التي تعاني من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي منذ سنوات طويلة، يأتي هذا في وقت يستورد البلد الغني بالنفط الكهرباء والغاز من إيران، ويقضي الاتفاق الأخير بالالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
وأشار متخصصون في الشأن العراقي إلى أن "الاتفاقية لا تحتاج إلى مصادقة مجلس النواب العراقي إنما تتعلق فقط باتفاق الوزارتين ونافذة مباشرة عند التوقيع عليها"، مؤكدين أن الأمر يجعل من الاتفاق مقبولاً من الناحية الدستورية والقانونية ولا يلزم الحكومة بأخذ موافقات أو التصديق على اتفاقيات دولية.
وعن تداعيات الاتفاقية على العلاقة بين بغداد وواشنطن، أكدوا أن الاتفاق مع طهران حول مقايضة النفط مقابل الغاز أساسه حل مشكلة مزمنة يعاني منها العراق منذ زمن بعيد، وأحد الحلول للخروج من حلبة الصراع والخلاف بين الولايات المتحدة وإيران.
وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أكد، في وقت سابق، التوصل إلى اتفاق عراقي - إيراني لحل أزمة الكهرباء من خلال مقايضة الغاز بالنفط الأسود، مشيراً إلى أن إجراءات الخزانة الأميركية تحول دون تسديد بغداد الأموال المستحقة لطهران.
لا تحتاج إلى مصادقة البرلمان
وفي هذا السياق، أوضح الخبير القانوني علي التميمي الأطر القانونية لتوقيع مذكرة تفاهم واتفاق العراق وإيران بتبادل النفط والغاز، وفي وقت بيّن حقيقة حاجة المذكرة إلى مصادقة مجلس النواب، حدد امتيازات عدة وراء الاتفاق الأخير. وقال التميمي، في تصريح صحافي، إن "القانون المدني يحمل بطياته مواد ما تسمى بالمقايضة العينية، والتي نص عليها بالمواد 597، 598، 599، و600"، مبيناً أن "المقايضة جائزة في العقود سواء كانت داخلية أو خارجية، والتي تعني أن يكون هناك تبادل لشيء بشيء آخر من دون دفع للأموال"، وذكر أن "هذا الأمر كان شائعاً في العراق سابقاً، وكذلك اعتمدت الأمم المتحدة مقايضة النفط مقابل الغذاء بقرار لمجلس الأمن الدولي".
ولفت الخبير القانوني إلى أن "الحكومة ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد، مثل العقوبات المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة، إذ تمنع الخزانة الأميركية التصدير والاستيراد أو التعامل بالدولار"، مبيناً أن "التبادل ألغى هذه المسألة والتف عليها بطريقة ذكية وتخدم الشعب العراقي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الأمر الثاني، بحسب التميمي، فإن هذا التبادل ألغى الديون المترتبة من قبل إيران على العراق نتيجة تصدير الغاز مقابل الكهرباء، وبالتالي، فإن إعطاء النفط الأسود هو حل لا يؤثر على العراق باعتبار أن احتياطاته كبيرة جداً، إذ يحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد السعودية، وأشار إلى أن "النقطة الثالثة المهمة تدور حول أهمية هذا التبادل، والذي سيسحب الاحتياطي النفطي الذي تحتجزه واشنطن من الدولار ويضاف إلى الموازنة العراقية، بالإضافة الى تخفيض سعر الكاز المخصص للمولدات الأهلية ما سيساعد على تشغيل هذه المولدات ويُخفف الضغط عليها". وفي ما يخص ضرورة مصادقة مجلس النواب على الاتفاق، أكد الخبير القانوني أن "توقيع مذكرة تفاهم بين العراق وإيران لا يحتاج إلى مصادقة البرلمان، إنما تتعلق فقط باتفاق الوزارتين ونافذة مباشرة عند التوقيع عليها".
مقبولة من الناحية القانونية
وفي سياق متصل، أشار الباحث السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي إلى أن هناك العديد من المسارات التي قد تسلكها الحكومة لتمرير اتفاقها مع إيران لتكون مقبولة من الناحية القانونية، "وقد يجري اتفاق (تعاقدي) بين وزارتي الكهرباء أو النفط العراقي ووزارات الطاقة في إيران أو حتى بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء وما يقابلها في إيران"، معتبراً أن هذا الأمر يجعل من الاتفاق مقبولاً من الناحية الدستورية والقانونية ولا يلزم الحكومة بأخذ موافقات أو التصديق على اتفاقيات دولية، إذ إن المذكرة الموقعة توضح استعداد البلدين لإجراء مثل هذه التعاقدات ودراسة المتطلبات الفنية والقانونية لكل بلد.
حل مشكلة مزمنة
والأمر نفسه يؤكده مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون العلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين قائلاً، "الاتفاق مع إيران حول مقايضة النفط مقابل الغاز أساسه حل مشكلة مزمنة يعاني منها العراق منذ زمن بعيد، وأحد الحلول للخروج من حلبة الصراع والخلاف بين الولايات المتحدة وإيران". وتابع "أن العراق بحاجة إلى استيراد الغاز الإيراني لتوليد الطاقة، وفي الوقت عينه، يراعي العقوبات المفروضة على إيران، وكان لا بدّ من إيجاد حل يخدم العراق"، مشيراً إلى أننا لا نعتقد أن العلاقة مع الولايات المتحدة ستتأثر بهذا القرار لأنه قرار قانوني في كل الجوانب.
اتفاق يلبي فيه طلبات واشنطن
لكن الباحث السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي أكد أن واشنطن سعت، خلال فترة حكومة السوداني وما قبلها، إلى الضغط على بغداد لإنهاء اعتماده على إيران في استيراد الغاز والطاقة، وقدمت واشنطن، في مناسبات عدة، مصطلح (استقلال العراق في مجال الطاقة) كتعبير دبلوماسي يشير إلى إنهاء العراق من اعتماده على الغاز والكهرباء المستوردة من طهران، إلا أن هذا التعبير قد يكيل بمكيالين، فواشنطن رحبت باتفاق العراق مع كل من مصر والأردن في مجال استيراد العراق للغاز المصري واستيراد الكهرباء من مصر عبر الأراضي الأردنية، وأيضاً رحبت واشنطن ورعت ربط العراق بالمنظومة الكهربائية الخليجية التي فرح بإنجازها الرئيس الأميركي بايدن، ولم تعترض على خطوات العراق باستيراد الغاز من قطر.
وعن أثر الاتفاقية الأخيرة على طبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن، رأى العلي أن السوداني أجرى اتفاقاً يلبي فيه رغبات الأميركيين بعدم الدفع المباشر لإيران بعملة الدولار استجابة للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وفتح الباب للإيرانيين بإجراء نوع من المقايضة التي قد تساعد طهران على تجاوز العراقيل المالية المفروضة من الولايات المتحدة، وقد يتقبل الأميركيون هذا الاتفاق كونه قد حقق بعض الأهداف الأميركية من دون الأخرى.
عقود ليس فيها مخالفة لقوانين الدولية
وفي هذا السياق، أشار عقيل الرديني المتحدث باسم "ائتلاف النصر" الذي يتزعمه رئيس وزراء العراق الأسبق حيدر العبادي، أن مثل ما هو معلوم، فإن هذه الاتفاقات البينية بين الدول يغفلها القانون الدولي وكل الاتفاقات القانونية وليس من حق الولايات المتحدة أن تعترض عليها "وكانت تعترض على إيصال الدولار إلى إيران باعتبار أن الدولار هو عملة أميركية، وتوجد عقوبات أحادية من الولايات المتحدة على إيران". وبحسب الرديني أيضاً "ما يخص العقود الأخرى، هي عقود ليست فيها مخالفة للقوانين الدولية ولا حتى للعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، وبالتالي يحق للعراق إجراء مثل هذه المفاوضات".