ملخص
غورجييفا دعت إلى إعادة هيكلة الديون وتعليق مدفوعات خدمة الدين وزيادة التنسيق بين الدائنين
في إشارة إلى احتمال تعديل صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي مجدداً، على الأرجح بتخفيض نسبة النمو المقدرة لهذا العام مرة أخرى، كتبت مديرة الصندوق كريستالينا غورجييفا مقالاً مطولاً على الموقع الرسمي للصندوق على شبكة الإنترنت، ركزت فيه على الدور الهام والمحوري الذي يمكن أن تلعبه دول مجموعة العشرين في التصدي للتحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي حالياً وفي الفترة المقبلة.
أشارت غورجييفا في البداية إلى أن حديثها يستبق اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين في غانديناغار الأسبوع المقبل تمهيداً لاجتماع قمة العشرين التي تستضيفها الهند في العاصمة دلهي مطلع الشهر بعد المقبل.
واعتبرت مديرة صندوق النقد الدولي أن اجتماعات مجموعة العشرين تأتي في وقت حاسم بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي الذي يحتاج إلى الدعم المنسق من تلك الدول باعتبارها الأغنى والأقدر على مساعدة بقية اقتصادات العالم.
وطالبت دول المجموعة بالعمل على "التصدي لزيادة التشظي والانقسام الاقتصادي وتباطؤ النمو وارتفاع معدلات التضخم"، وقالت "نحتاج إلى الدعم المشترك الذي يعد أمراً حيوياً لمواجهة التحديات المشتركة التي تفرضها أزمة الديون العالمية ومكافحة التغيرات المناخية ومحدودية توافر التمويل، بخاصة لتلك الدول التي تعاني من صدمات ليست من صنع أيديها هي".
وضع اقتصادي هش
في أبريل (نيسان) الماضي أعلن صندوق النقد الدولي خفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي متوقعاً نمواً بنسبة 2.8 في المئة في المتوسط للعام الحالي 2023، ذلك مقابل نمو الاقتصاد العالمي في العام الماضي 2022 بنسبة 3.4 في المئة. وقدر "الصندوق" في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي أن القدر الأكبر من ذلك النمو، وبما يصل إلى نسبة 70 في المئة، سيأتي من دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أنه منذ صدور تلك التوقعات، تتباين الأرقام والبيانات من مختلف الاقتصادات الرئيسة لترسم صورة متضاربة لآفاق الاقتصاد العالمي خلال هذا العام، وبالنسبة لدول مجموعة العشرين، بدأ ضعف مؤشرات التصنيع يظهر مقابل صمود قطاعات مثل قطاع الخدمات وتحسن سوق العمل في الاقتصادات المتقدمة منها.
وترى مديرة صندوق النقد الدولي أن الوضع الهش للقطاع المالي، نتيجة سياسات التشديد النقدي (رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة من السوق) لمكافحة ارتفاع التضخم، يتطلب إدارة في غاية الحذر للسياسات المالية والنقدية طالما ظل الهدف الأول هو ضبط استقرار الأسعار، أي تخفيض معدلات التضخم، ففي معظم دول مجموعة العشرين، بخاصة الاقتصادات المتقدمة منها لا تزال نسبة التضخم مرتفعة وأعلى كثيراً مما تستهدفه البنوك المركزية، إلا أن هناك دلائل متزايدة على أن سياسة التشديد النقدي بدأت تؤثر بالفعل في المناخ الائتماني العام، بخاصة في أوروبا والولايات المتحدة.
لكن كريستينا غورجييفا حذرت واضعي السياسات النقدية من "الاحتفال مبكراً" بأن الأزمة انتهت أو كادت، إذ إن الدروس المستفادة من الأزمات السابقة تؤكد أن البدء في التيسير النقدي (خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة في الأسواق) مبكراً يمكن أن "يضيع تأثير جهود مكافحة ارتفاع التضخم"، ويتطلب ذلك ضرورة استمرار التوجه الحالي حتى تنخفض معدلات التضخم نحو النسبة المستهدفة، مع تعزيز التواصل بين البنوك المركزية، بخاصة في دول مجموعة العشرين والتشاور والتفاهم في شأن آليات المراقبة المالية لتفادي المخاطر.
التعاون والدعم
لا يقتصر الأمر على البنوك المركزية والسياسات النقدية، كما تقول غورجييفا، بل إن السياسات المالية لحكومات دول مجموعة العشرين في حاجة أيضاً للاستمرار في نهج الضبط المالي بخاصة بعد فترة الانفاق الحكومي لمساعدة المواطنين والشركات والأعمال خلال أزمة وباء كورونا، كما تقول، فمن شأن الانضباط المالي أن "يدعم جهود خفض معدلات التضخم وبناء حوائط الأمان وتعزيز خفض أزمة الدين"، وإذا كان الأمر يتطلب إجراءات موقتة فإن هناك حاجة لمساعدة الفئات الأكثر عرضة للخطر على مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة"، كما كتبت مديرة صندوق النقد الدولي.
وبما أن التقديرات الحالية للاقتصاد العالمي تتسم بالتضارب والتناقض فإن النظرة المستقبلية متوسطة المدى لا تبدو أفضل حالاً، كما يرى صندوق النقد الدولي، وهو ما يجعل الدول الكبرى مثل مجموعة العشرين في حاجة لحماية الاستثمارات في النمو الاقتصادي بقدر ما تسمح الأوضاع، إذ إن تقديرات "الصندوق" لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في المدى المتوسط عبر السنوات المقبلة تظل عند نسبة ثلاثة في المئة، وذلك أقل من متوسط نمو الاقتصاد العالمي في العقدين السابقين التي كانت عند 3.8 في المئة، كما أن الانقسام الاقتصادي المتزايد يضر بفرض النمو ويجعل مواجهة تحديات مثل أزمة ارتفاع خدمة الدين العالمي وخطر التغيرات المناخية أكثر صعوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضربت غورجييفا أمثلة على الدور الذي تقوم به مجموعة العشرين في مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي، وطالبت دول المجموعة بالاستمرار في هذا النهج بل والعمل أكثر في هذا الاتجاه، ومن تلك الأمثلة مبادرة "الإطار المشترك لمجموعة العشرين" ودورها في إعادة هيكلة ديون بلد مثل زامبيا.
وأشارت في ذلك إلى الدور الأكبر لدول من المجموعة مثل الصين والسعودية والهند، وذلك ما ساعد في اتفاق زامبيا مع "الصندوق" لتقديم 1.3 مليار دولار للبلد المثقل بالديون والذي عقد في أغسطس (آب) 2022.
ودعت مديرة الصندوق إلى توسيع دائرة الدول في مبادرة الإطار المشترك وتسريع عمليات إعادة هيكلة الديون من خلال تحديد جدول زمني وتعليق مدفوعات خدمة الدين خلال فترة المفاوضات وزيادة التنسيق بين الدائنين.
كانت مجموعة العشرين أعلنت الشهر الماضي عن إنجاز توفير 100 مليار دولار من "حقوق السحب الخاصة" (عملة صندوق النقد الدولي في الإقراض والمساعدات للدول المحتاجة) يتم ضخها من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، وتعهدت بهذا المبلغ ضمن ما أعلنه صندوق النقد الدولي عام 2021 من تعهد بنحو 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لهذا الغرض.
واعتبر "الصندوق" إنجاز دول مجموعة العشرين لهذا التعهد الشهر الماضي مثالاً جيداً على ما يمكن أن يفيد به التعاون والتضامن في مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي، بخاصة مشكلة الدين العالمي.