ملخص
دونالد ترمب يواجه اتهاماً محتملاً بارتكاب جريمة فيدرالية ينص الدستور الأميركي صراحة على استبعاده من تولي أي منصب حكومي أو فيدرالي، لكن لا تتناول النصوص القانونية كيفية الاستبعاد.. فماذا سيحدث؟
نشر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على موقع "تروث سوشيال"، الثلاثاء الماضي، أنه تلقى خطاباً من وزارة العدل يخطره بأنه مستهدف في تحقيق هيئة المحلفين الكبرى حول تورطه المزعوم في هجمات السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 على مبنى الكابيتول، وأن الخطاب يبلغه أن لديه أربعة أيام فقط، وهو ما يعني دائماً أن اتهاماً واعتقالاً ينتظرانه، فما خطاب الاستهداف الذي ترسله وزارة العدل للأشخاص الذين ينتظر اتهامهم، وما الهدف منه، وهل هو مفيد للمتهمين والادعاء، وما طبيعة الاتهامات المنتظرة لترمب، وإلى أي مدى تختلف عن سابقاتها في القضايا الأخرى، وهل يمكن أن تمنعه من الترشح إذا دين بالتمرد؟
مواجهة قانونية
عقب تلقيه خطاب استهداف استتبعه توجيه اتهامات من وزارة العدل الأميركية في يونيو (حزيران) الماضي بسوء التعامل مع وثائق سرية وعرقلة العدالة والإدلاء ببيانات كاذبة، أوضح الرئيس السابق دونالد ترمب أنه تلقى خطاب استهداف ثان من الوزارة في 18 يوليو (تموز) الجاري في شأن تورطه المزعوم في تنظيم هجوم السادس من يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي لوقف إجراءات اعتماد جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة عقب انتخابات 2020، وهو ما يعني أن توجيه اتهامات لترمب في هذه القضية أصبح وشيكاً جداً.
ويضيف هذا التطور عبئاً آخر على المرشح الرئاسي الأوفر حظاً حتى الآن في الحزب الجمهوري من بين سلسلة من المتاعب القانونية التي تواجهه، والتي يصفها دائماً بأنها ذات دوافع سياسية تهدف إلى عرقلة مسيرته لاستعادة البيت الأبيض في انتخابات العام المقبل 2024.
خطابات تحذير
يشير خبراء القانون إلى أن خطابات الاستهداف التي ترسلها وزارة العدل تعد بمثابة تحذير للأشخاص الذين يتم التحقيق معهم بسبب الجرائم المعقدة بأنهم على وشك مواجهة تهم بارتكاب جرائم، ويتم ذلك في ممارسات الوزارة العامة من خلال مراسلات رسمية تعرف باسم الرسالة المستهدفة أو رسالة الاستهداف.
وبحسب متخصص القانون الجنائي في جامعة كاليفورنيا – ديفيس، غابرييل تشين فإن هناك نوعين من هذه الخطابات، الأول هو وثيقة صادرة عن المدعين الفيدراليين لشخص تم استدعاؤه للإدلاء بشهادته أمام هيئة محلفين كبرى كشاهد، الذي من المحتمل أن يتهم بارتكاب جريمة تتعلق بهذه الشهادة، بينما يصدر الثاني عندما لا يكون الشخص قد استدعي كشاهد، ولكن من المحتمل أن تتهمه هيئة محلفين كبرى، وفي مثل هذه الحالات، تقضي سياسة وزارة العدل بإخطار الشخص بوجود لائحة اتهام وشيكة.
ويرى متخصص القانون الجنائي أنه في حين لم يتضح نوع الخطاب الذي تلقاه ترمب، فإن التكهنات تشير إلى النوع الثاني من الرسائل بالنظر إلى أنه من غير المعروف أن هيئة المحلفين الكبرى التي دعا إليها المدعي الخاص جاك سميث، سبق أن استدعت ترمب في هذا التحقيق حول هجوم الكابيتول للإدلاء بشهادته.
إفادة تحقيق
ولفت المتخصص في الشأن القانوني إلى أنه تفيد رسائل الاستهداف المدعين والمدعى عليهم على حد سواء، مما يعطي إشارة بالعدالة في التحقيق في القضية الجنائية الجارية في شأن تورط ترمب المزعوم في هجوم الكابيتول، وهو أمر من شأنه أن يحفز المدعي عليه للتعاون، كما يعزز مظهر الإنصاف من خلال منح المدعى عليه المحتمل فرصة لتقرير كيفية الرد، وتوكيل محام إذا لم يكن لدى الشخص المستهدف مستشار قانوني، ترسيخاً للحق الدستوري في تعيين محام للمتهمين في قضايا جنائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال تشين، إن خطابات الاستهداف يمكن أن تخدم أيضاً مصالح الادعاء، عبر المساعدة في ضمان أن أي شهادة يتم الإدلاء بها أمام هيئة المحلفين الكبرى ستكون مقبولة لاحقاً أو يمكن استخدامها خلال سير المحكمة، وعلى رغم أن المحكمة العليا لم تقرر صراحة ما إذا كان يحق لشهود الهيئة تلقي تحذيرات أو إبلاغهم بحقوقهم في التزام الصمت أو التشاور مع محام قبل التحدث أو أثناء الإدلاء بشهادتهم، إلا أنه منذ الخمسينيات، أشارت المحاكم الأدنى درجة إلى أن الممارسة الأفضل هي تحذير الشهود من أن شهادتهم أمام هيئة محلفين كبرى تخلق أخطاراً قانونية.
وأشار شين إلى أن المدعين يريدون تجنب التقاضي غير الضروري، فضلاً عن النأي بأنفسهم عن الظهور بمظهر استغلال الشهود، لذلك تستخدم وزارة العدل خطابات الاستهداف كفرصة لإبلاغ الشهود بأن لهم الحق في الحصول على محام، ورفض الإجابة عن الأسئلة التي يمكن أن تدينهم وأن أي شهادة يمكن استخدامها لاحقاً ضدهم.
إلزامية شكلية
رأت المحكمة العليا الأميركية أن الدستور لا يشترط أن يتم إبلاغ الفرد الذي تم تحذيره بشكل صحيح بالامتياز الذي يتمتع به قانونياً ضد تجريم الذات، بأنه هدف لتحقيق هيئة المحلفين الكبرى، بالتالي يعد هذا الإجراء غير ضروري وغير ملزم لوزارة العدل.
ومع ذلك تتطلب سياسة الوزارة إصدار خطابات استهداف في كل حالة يتم فيها استدعاء الشخص المستهدف للشهادة أمام هيئة محلفين كبرى، وفي حالة ترمب، قررت وزارة العدل منحه هذا التحذير الإضافي على أي حال على أمل أن يساعد ذلك في تعاونه، ومن أجل تعزيز مظهر الإنصاف والعدالة، بخاصة أنه وقطاع واسع في الحزب الجمهوري دأبوا على اتهام وزارة العدل بتحويل القانون إلى سلاح سياسي يستهدف الرئيس السابق.
لكن منذ إبلاغ المدعي الخاص جاك سميث الرئيس السابق ترمب أنه كان هدفاً للتحقيق الفيدرالي في الجهود المبذولة لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020 وما يتصل بها من هجوم في السادس من يناير 2021 على الولايات المتحدة، بدأت التكهنات على الفور بين المحللين السياسيين والنقاد حول الاتهامات التي تواجه الرئيس السابق.
اتهامات محتملة
لم تكن التحقيقات الجنائية التي أجراها المدعي الخاص وفريقه علنية، لذا فإن توقع الاتهامات المحتملة التي قد يوجهها جاك سميث تعتمد على مؤشرات من مصدر واحد فقط هو التحقيق العام الضخم في تمرد الكابيتول الذي عكفت عليه لجنة مجلس النواب للتحقيق في الهجوم، والمعروف بلجنة مجلس النواب في أحداث السادس من يناير، حيث أجرت اللجنة مقابلات مع 1200 شخص، من بينهم موظفو ترمب السابقون ومسؤولو الانتخابات وأشخاص شاركوا في الهجوم، التي كان تقريرها النهائي مكوناً من 845 صفحة، وأوصى بتوجيه الاتهام إلى ترمب بالتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة، وعرقلة إجراءات رسمية للكونغرس، وكذلك التآمر للإدلاء ببيان كاذب، والمساعدة في تمرد.
ووفقاً لأستاذ مساعد القانون والحكم في كلية سميث كلير ليفيت، فإن تحديد لجنة الكونغرس المختارة للمخالفات هو الذي وفر مادة لتحقيقات جاك سميث في شأن ترمب، كما أنها وفرت شرعية التهم للجمهور عبر رواية منسوجة بإحكام للجمهور أنجزت معظم أعمال التحقيق، بما يتناسب مع التقاليد الديمقراطية الأميركية ضمن سلطة الكونغرس التاريخية الطويلة بالتحقيق في فضائح الحكومة وإخفاقاتها، رغم جميع الشكاوى التي قدمها ترمب وحلفاؤه من أن التحقيق كان غير شرعي وأنه مطاردة سياسية.
واعتبرت الباحثة القانونية بجامعة سانتا كلارا مارغريت راسل، أن توصيات الاتهامات، وبخاصة التمرد، من قبل لجنة الكونغرس التي تتألف من سبعة ديمقراطيين واثنين جمهوريين، باتهامات ضد ترمب، تعد غير مسبوقة، وأنه على رغم من أن اللجنة نفسها لم تستطع فرض توجيه التهم، فإن توصياتهم لها أسنان قوية جداً حثت وزارة العدل على التأكد من وجود مساءلة.
أدلة متعددة
وبحسب نورمان آيزن الذي عمل في اللجنة القضائية بمجلس النواب خلال محاكمة ترمب الأولى، وأسهم في مذكرة الادعاء التي تشكل التهم المحتملة ذات الصلة بأحداث السادس من يناير، فإن خطاب الاستهداف يشير إلى أن المدعي الخاص لديه أدلة كافية لتقديم قضية ضد الرئيس السابق.
وقال آيزن لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنه من بين هذه الأدلة، قيادة ترمب جهود الحصول على شهادات انتخابية مزورة في جميع أنحاء البلاد، وتدبيره مؤامرة للاحتيال على الولايات المتحدة، وكذلك استخدام تلك الوثائق المزيفة للضغط على نائبه مايك بنس وتعطيل اجتماع الكونغرس في السادس من يناير، من خلال عرقلة إجراء رسمي.
كانت هناك أيضاً علامات على أن المدعين العامين استكشفوا تهماً محتملة تتعلق بالاحتيال عبر البرقيات أو البريد الإلكتروني المتعلقة بجهود ترمب في جمع الأموال باسم إلغاء نتائج الانتخابات، ولذلك فإن أي اتهامات في العاصمة واشنطن تستمع فيها هيئات المحلفين الفيدرالية الكبرى إلى الأدلة، ستثير خطراً قانونياً إضافياً على ترمب، خصوصاً بعدما حصلت وزارة العدل على إقرارات بالذنب أو إدانات في مئات القضايا المتعلقة بأحداث السادس من يناير، مما يشير إلى أن مجموعة من المحلفين قد تكون أقل تقبلاً تجاهه مما كانت عليه في مقاطعة بالم بيتش بولاية فلوريدا، حيث يواجه تهماً في شأن الوثائق والمستندات الحكومية التي احتفظ بها في منزله هناك.
انتخاب ترمب
تجذب الاتهامات الجنائية المحتملة فيما يتعلق بهجوم السادس من يناير على مبنى الكابيتول، اهتماماً جديداً بالحظر الدستوري على تولي مناصب حكومية لمن شاركوا في التمرد والعصيان على الحكومة، حيث ينص القسم الثالث من التعديل الـ14 من الدستور الأميركي على أنه لا يمكن لأي شخص أن يشغل أي منصب، مدني أو عسكري، في حكومة الولايات المتحدة، أو في أي ولاية، إذا أقسموا اليمين لدعم الدستور ثم انخرطوا في تمرد ضد نفس الحكومة، لكن هذا التعديل الذي تم التصديق عليه عام 1868، تمت صياغته لمخاطبة المسؤولين السابقين في الكونفيدرالية بعد تمردهم على الحكومة وانتهاء الحرب الأهلية الأميركية بخسارتهم الحرب، لكن النص لا يوضح بالضبط كيفية استبعاد شخص ما من الترشح للمنصب أو تولي المنصب مرة أخرى، بحسب ما يشير موقع "بلومبيرغ".
غير أن لجنة مجلس النواب في أحداث السادس من يناير، حثت وزارة العدل على النظر في اتهام ترمب بالتحريض على التمرد أو المساعدة فيه. ووصف النائب الديمقراطي جيمي راسكين آنذاك، الأمر بأنه جريمة فيدرالية خطرة واردة في الدستور نفسه. وأشار إلى أنها كانت أسباباً تلقائية لاستبعاد شخص ما من تولي منصب حكومي أو فيدرالي.
وعلى رغم أن الأكاديمي بالجامعة الأميركية والمتخصص في السلطة الرئاسية كريس إديلسون، أوضح لموقع "أكسيوس" أن لوائح الاتهام السابقة، وحتى الإدانات المحتملة لا تحرم ترمب قانونياً من الترشح للرئاسة في عام 2024 أو من الخدمة في حالة انتخابه، لأن الدستور لا يمنع أي شخص مدان بجريمة من تولي منصب الرئيس، إلا أن طبيعة اتهام وزارة العدل لدور الرئيس السابق في الجهود المبذولة لإلغاء انتخابات 2020 وما إذا كان سيشمل الانخراط في تمرد، من شأنه أن يثير كثيراً من الجدل القانوني والدستوري في الولايات المتحدة حول التعديل الـ14 للدستور، بخاصة أنه من النادر جداً أن توجه الحكومة الفيدرالية هذا النوع من الاتهام، كما أنه في القضايا التي تتعلق به يصبح البعض في منطقة قانونية مجهولة للغاية.