ملخص
كيف أثرت حرب الخرطوم في الفن السوداني، وبماذا تفاعل الفنانون معها؟
عبر منصات التواصل الاجتماعي يحاول الفنانون السودانيون لملمة شتاتهم بعد أن أسهمت ظروف كثيرة، على رأسها الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، في تراجع حضورهم على أرض الواقع وتقديم إنتاجات جديدة باستثناء جهود فردية محدودة.
وفي وقت تغيب الأعمال المسرحية والفنون التشكيلية في ظل غياب المؤسسات الثقافية الرسمية بالبلاد، تبرز أنشطة عدة في المدن التي لم تطلها المعارك الحربية، وأتى عدد من الدراميين والفنانين والتشكيليين إلى مدن بورتسودان ومدني والقضارف وغيرها لإقامة فعاليات متنوعة خلال الفترة الماضية.
أغنيات السلام
أرض الأغنية في السودان لم تصر يباباً بعد، إذ شهدت بين فترة وأخرى خلال حرب الخرطوم إصدارات لها ارتباط موضوعي بالدعوة إلى وقف القتال والجنوح إلى السلم والمحبة، كما هي الحال في النتاج الفني للفنانة عائشة الجبل التي قدمت أغنية مصورة بعنوان "الحرب الضرب بيوت تتخرب" بكلمات عامية وإيقاع موسيقي راقص، ولاقت الأغنية تفاعلاً واسعاً داخل وخارج البلاد، وهي تندد بالدمار والخراب وقتل الأطفال والكبار وتشريد المواطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودفع واقع البلد الصعب بعض الفنانين إلى اتخاذ "السوشيال ميديا" مسرحاً مفتوحاً لعرض أعمالهم، وأطلق الفنان محمد الكناني أغنية "نحن بخير" لتجسيد معاني التفاؤل وسط عتمة الأوضاع الكارثية الحالية.
وتغنت الفنانة إيلاف عبدالعزيز للسلام وضرورة وقف المعارك الحربية بعمل تحت عنوان "بكرة الهم يفوتنا ونرجع إلى بيوتنا والخرطوم أمان".
اختبارات صعبة
اعتبر الفنان أباذر حامد أن "هذه الحرب وضعت السودانيين أمام اختبارات صعبة، فكثيرون في الأساس كانوا يعانون ظروفاً معيشية في غاية التردي، وفاجأتهم المعارك القتالية من دون أن يكونوا مستعدين لتبعاتها وكلفتها الباهظة، وأصبح الكل يكابد البقاء بين نيرانها داخل العاصمة أو خلال النزوح والتشرد".
وتطرق حامد إلى عوائق عدة قال إنها "أسباب كافية لمنع بروز أعمال غنائية ذات قيمة عالية تستطيع مواجهة واقع البلاد اليوم، ومنها ظروف الحرب التي انعكست بشكل كبير على عملية إنتاج أعمال غنائية تدعو في المقابل إلى السلام، لأن مؤسسات الإنتاج والقنوات التلفزيونية المحلية توقفت بينما الفنان ليس بمقدوره فعل كل شيء منفرداً، وعملية الإنتاج مكلفة، والأعمال في حاجة إلى كلمات جديدة وألحان وتوزيع موسيقي وتصوير وغيره في وقت تعاني الغالبية أزمة مالية بسبب توقف النشاط الفني".
وتساءل حامد "كيف يمكن للفنان أن يبدع وينتج أعمالاً على وقع الحرب والقذائف والدمار، وفي ظل ظروف بالغة التعقيد؟ بخاصة مع أوضاع الموسيقيين والملحنين الذين تقطعت بهم السبل خلال النزوح داخل البلاد وخارجها".
فعاليات متنوعة
على رغم قتامة المشهد فإن السودانيين الذين يعشقون الفن منذ الأزل ينتظرون أعمالاً تعبر عما في نفوسهم التواقة إلى الحياة، لتسهم بالكلمات واللحن والفرشاة والمسرح في وقف سعير الحرب التي استهلكت من حياتهم كثيراً.
شهدت مدينة بورتسودان شرق السودان فعاليات متنوعة، من بينها عروض مسرحية تدعو إلى نبذ الحرب والدعوة إلى السلام، إضافة إلى معرض تشكيلي يضم لوحات عدة تحاكي أمنيات السودانيين بتحقيق السلام وإنهاء القتال.
وفي مدينة القضارف ابتدر منتدى "شروق" نشاطه بليال شعرية وفعاليات موسيقية، كما أقيم مهرجان المسرح الحر في مدينة كوستي جنوب السودان.
محاكاة الواقع
الفنان التشكيلي هيثم سليمان علق على الاشتباكات المسلحة في السودان بقوله "وقع سماع كلمة حرب صعب على النفس، فماذا عن معايشتها يومياً؟ والآن داخل كل بيت تجد مأساة يندى لها الجبين، أما في ما يتصل بالجانب المعيشي فإن كثيرين يعانون بشدة، يبكي الأطفال من شدة الجوع والذعر والخوف من دوي الرصاص وقذائف الطيران".
وأضاف سليمان "أشعر أن الفن هو سلاحي للاحتجاج والمقاومة، فهو يمنحني القوة للحديث بصوت عال عن الأشياء التي لا يتم التطرق إليها، ويتيح لي نشر الرسائل بلغة مرئية، فهو وسيلة للتعبير عن القيم التي أؤمن بها".
وأوضح الفنان التشكيلي أنهم "أقاموا معرضاً للهواة في مطلع يونيو (حزيران) الماضي، وجاء معظم لوحاته بخطوط بسيطة بعضها مرتبك مثل الحال التي كانت البلاد عليها فظهرت في شكل أقرب إلى الإسكتشات السريعة التي تنقل المشاعر أكثر من مراعاتها القواعد الفنية الدقيقة، واعتمدت بعض الأعمال ألواناً قاتمة تحاكي الواقع فيما جاءت أخرى بألوان براقة مشرقة تبعث على الأمل على رغم مضمونها الذي يعبر عن وضع صعب".
مسرح الطفل
من جهته يقول الممثل والمخرج المسرحي عوض شكسبير إن "الحرب أثرت بشكل مباشر في أوضاع الفنانين بعد توقف الأنشطة والفعاليات، مما سبب ضغوطاً ومعاناة بدرجة لا توصف لمعظم المبدعين بخاصة أن غالبيتهم باتوا من دون عمل وأجبرتهم المعارك الحربية على النزوح، وبعضهم وجدوا أنفسهم في مراكز إيواء بظروف عيش قاسية".
وأضاف أن "الأوضاع الحالية لا تشجع على تقديم أعمال مسرحية نظراً إلى ارتفاع كلف الإنتاج، علاوة على أن الدراما والكوميديا تحتاجان إلى مزاج محدد في ظل الضغوط النفسية التي نجمت من تداعيات الحرب".
وأشار المخرج المسرحي إلى أنه "على رغم الظروف الصعبة قدم عدداً من الأعمال المتنوعة في ثلاثة مراكز إيواء للأطفال الآتين من العاصمة الخرطوم، لتخفيف آثار الصدمات النفسية جراء ما شاهدوا من أهوال، فضلاً عن برامج لأطفال السرطان، بجانب تقديم هدايا وألعاب".