Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متلازمة الفقر والخصوبة في النيجر... الخصوصية القاتلة

قذفت الأقدار بذلك البلد في أتون حراك جيواستراتيجي تشهده دول منطقة الصحراء الكبرى

ملخص

تنتشر في النيجر ظاهرة "الواهايا" التي يعدها الباحثون شكلاً من أشكال العبودية السائدة في جنوب البلاد

في مايو (أيار) من العام الماضي خطب رئيس النيجر محمد بازوم، الذي أطاحه انقلاب الخميس الماضي، في حشد كبير معظمه من النساء، محذراً من تعدد الزوجات، ووصف الظاهرة بأنها "أمر سيئ".

وأصدر بازوم، المتحدر من أصول عربية، ساعتها، قراراً يحرّم على وزراء حكومته الزواج من سيدتين في الوقت ذاته ولوح بإقالة كل من يفكر بالتعدد، وأثار هذا القرار جدلاً كبيراً في صالونات العاصمة نيامي.

وجاءت قرارات بازوم هذه بعد تحذيرات من خبراء التنمية من استفحال ظاهرة الخصوبة في المجتمع النيجري الذي يبلغ فيه متوسط الإنجاب سبعة أطفال لكل سيدة، وتضاف إلى تحديات النيجر التي لا تنتهي مشكلة الفقر، إذ تضعها تقارير الأمم المتحدة في دائرة الدول الخمس الأكثر فقراً في العالم.

التباهي بالذرية

تتأسس ظاهرة ميل النيجريين إلى كثرة الإنجاب على قاعدة اجتماعية تستمد صلابتها من الموروث الثقافي في هذا البلد الأفريقي، فكلما زاد عدد أبناء الأسرة في النيجر علت قيمتها الاجتماعية في محيطها القبلي، وبحسب الباحث في قضايا أفريقيا جنوب الصحراء محمد الأمين الداه فإن "النيجر من أكثر بلدان العالم خصوبة وفق الإحصاءات الأممية، ويؤدي هذا الوضع إلى تسارع نمو سكاني يرهق السياسات الاقتصادية لحكومات البلد المتعاقبة".

وتزخر العادات الاجتماعية في النيجر بقصص ترفع من قيمة تعدد الزيجات وتتباهى بكثرة الأبناء. ويفسر الداه العوامل الاجتماعية المؤدية إلى هذه الخصوبة بقوله "يأتي الزواج المبكر على رأس هذه العوامل، فبحسب الإحصاءات 75 في المئة من الزيجات تتم دون عمر الـ18 سنة، وتحث المسلكيات الاجتماعية المنتشرة في هذا البلد الأفريقي على كثرة الإنجاب وتعدد الزيجات، وتلعب الأمية والفقر وضعف مستويات تعلم النساء دوراً في عدم نجاح سياسة الحد من النسل التي تسعى إليها السياسات التنموية في النيجر".

وتنتشر في النيجر ظاهرة "الواهايا" التي يعدها الباحثون شكلاً من أشكال العبودية السائدة في جنوب البلاد، بحيث يشتري الرجال الأثرياء والمتنفذون فتيات يافعات بمبلغ 200 دولار تقريياً لجعلهن الزوجة الخامسة بطريقة يتحايلون بها على الشريعة الإسلامية التي لا تسمح للرجال بالزواج بأكثر من أربع نساء في وقت واحد، بحسب هاديزاتو ماني، السيدة النيجرية التي وضعتها "بي بي سي" على قائمة أكثر 100 سيدة إلهاماً وتأثيراً حول العالم لعام 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جفاف ماحق

وتحتل الصحاري أكثر من 80 في المئة من الأراضي في النيجر، وتلقي هذه الوضعية بظلالها على حياة أكثر من 25 مليوناً يعيشون في فقر مدقع، وتعتمد الحكومة في التزاماتها الاجتماعية تجاههم على الهبات والمعونات الدولية.

وعلى رغم أن النيجر تمتلك خمسة في المئة من الإنتاج العالمي من اليورانيوم الذي تعتمد عليه الطاقة النووية في فرنسا، إلا أن هذه الثروات الطبيعية لم تنجح في إخراج البلاد من قائمة الدول الخمس الأكثر فقراً في العالم.

وعصفت التغيرات المناخية التي شهدتها أفريقيا جنوب الصحراء بالتوازن الطبيعي في جغرافيا النيجر، فأدى احتباس الأمطار في الوسط والجنوب إلى نفوق آلاف المواشي التي يعتمد عليها السكان المحليون في حياتهم اليومية.

واضطر ملايين النيجريين إلى نزوح جماعي نحو المدن الكبيرة من أجل ضمان البقاء على قيد الحياة.

ويعتمد الاقتصاد في النيجر على القطاع الرعوي الذي ينشط فيه ملايين المربّين، وتأثر هذا القطاع كثيراً في الأعوام الخمسة الأخيرة، فاضطرت الدولة إلى دعمه عن طريق توزيع الأعلاف على أصحاب المواشي تفادياً لانهيار قطاع يؤمن دخلاً لربع السكان تقريباً.

وساعد فشل التعامل الحكومي مع قطاع الزراعة إلى تفاقم الوضع التنموي في بلد حبيس ويعتمد في وارداته على موانئ دول الجوار، فدخل على الخط عامل جديد هو الإرهاب الوافد من معسكرات جماعة "بوكو حرام" في الجارة نيجيريا، حيث روعت هجمات عناصر هذا التنظيم الإرهابي سكان عشرات القرى المتاخمة للحدود بين البلدين.

اضطرابات أمنية

لا تقتصر تحديات النيجر التنموية على الفقر والخصوبة، بل تُضاف إليهما عوامل أخرى زادت من سوء الأوضاع في البلد الذي أنهكته الانقلابات العسكرية، إذ إنه شهد خمسة منها منذ إعلان استقلاله عن فرنسا مطلع ستينيات القرن الماضي.

وقذفت الأقدار بالنيجر في أتون حراك جيواستراتيجي تشهده دول منطقة الصحراء الكبرى، فمنذ عام 2020 واجهت مالي وبوركينا فاسو انقلابين عسكريين، قطع قائداهما علاقات التحالف التاريخية مع باريس ووليا وجهيهما صوب موسكو.

وقبل أيام أصيبت نيامي بعدوى دول الساحل التي استشرت في شبه المنطقة، وبإعلان الانقلاب على محمد بازوم، الاقتصادي المنتخب ديمقراطياً، تصبح دول الساحل الخمس، ما عدا موريتانيا، تدار من حكام عسكريين، العامل المشترك بينهم هو العداء للغرب والانفتاح على الشرق المتمثل في روسيا، والصين وإن بدرجة أقل.

وتتمتع النيجر بمكانة خاصة في حسابات الغرب بسبب الدور المحوري الذي كانت تلعبه في عهد بازوم القريب من فرنسا والولايات المتحدة، فموقع النيجر الجغرافي يمنحها معاملة تفضيلية في الحرب على الإرهاب وتهريب المخدرات وتجارة السلاح، وهي الصفة التي قد تفقدها نيامي إذا ما قرر حكامها الجدد التوجه شرقاً والتنصل من التزامات سلفهم مع الغرب المغضوب عليه في دول الساحل.

المزيد من تقارير