ملخص
لم يجر التصوير الطبوغرافي سوى لخمسة في المئة فقط من قاع البحار والمحيطات
بعد ما يقرب من قرن من الزمن أمضاها الإنسان في استكشاف الفضاء، تنبه بعض العلماء أخيراً إلى حقيقة مفادها بأننا أصبحنا نعرف عن المريخ أكثر بأضعاف مضاعفة مما نعرفه عن محتويات كوكبنا على الأرض.
ووفق دراسات علمية نشرت عام 2022 عبر مواقع إخبارية أوروبية، فإن 80 في المئة من أعماق المحيطات لا تزال غير مستكشفة، فيما 65 في المئة من كامل مساحة الأرض لا تزال مجهولة، في المقابل أنجزت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" وحدها مسحاً كاملاً لكواكب "عطارد" و"سيريس"، وجزء كبير من "الزهرة" و"المريخ" (الكوكب الأحمر)، إضافة إلى التقاط صور عديدة للقمر.
عالم الأحياء المتخصص في أعماق البحار تيم شانك قال "عام 2014 أرسلت المركبة (نيريوس) إلى خندق (كيرماديل) شمال نيوزلندا تحت الماء، وانفجرت على عمق 10 كيلومترات، وبعد 12 ساعة رأيناها تظهر على شكل قطع صغيرة، مما جعلنا نعيد النظر في كيفية استكشاف المحيطات".
نجاحات فضائية
يعد تحطم مكوك الفضاء "تشالنجر" عام 1986 أشهر حادثة تحطم لمكوك فضائي، لكنها حادثة قديمة ونادرة، إذا ما قورنت بالنجاحات التي سبقتها التي أنجزت بعدها، إذ سبق ذلك إطلاق مهمات فضائية عدة بنجاح، فيما تبع تحطم المركبة البحرية "نيريوس" في 2014 عشرات إن لم يكن مئات المهمات الناجحة نحو مختلف الكواكب الفضائية التي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية.
وعلى رغم ما وصفه بعض العلماء بكونه "قسوة البيئة البحرية" ومقاومة المياه المالحة لاستخدام التقنيات الحديثة مثل أمواج الرادار، فإن "ناسا" تجاوزت عقبات أصعب من ذلك بكثير، إذ أعلنت في ذروة نجاحها عام 2018 تنازلها عن مشاريع غزو الفضاء بسبب ضعف الموازنة.
وغني عن القول إن أول قمر صناعي روسي أرسل للفضاء عام 1957، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا تراوح تكنولوجيا البحار والمحيطات مكانها، إذ يقول شانك "منتصف القرن الـ20 بدأت بعض الغواصات تغامر في الذهاب إلى أعماق المحيطات".
وبحسب علماء آخرون "منذ 1991 أصبحنا نعرف عن تضاريس المريخ أكثر مما نعرفه عن قاع المحيطات"، مع أنها ذات تأثير مباشر أكثر بكثير في حياتنا اليومية مما يحدث على سطح المريخ.
الإثارة والفضول
وصفت دراسات علمية حديثة تفوق أبحاث الفضاء على سواها من العلوم بكونها تفوقاً واضحاً لوكالة "ناسا" على الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي المعروفة اختصاراً (NOAA)، مبررة ذلك من خلال ثلاثة أسباب عملية رئيسة، هي التمويل والتغطية الإعلامية والابتكارات التي وظفتها صناعة الفضاء في القطاع الخاص، ولم تغفل الدراسات التي نشرت في 2018 عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تجمع عدداً من عشاق علوم الفضاء عامل الإثارة الذي امتلكه البشر منذ القدم تجاه استكشاف الفضاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا وصلت قيمة سوق السياحة الفضائية إلى 250 مليار دولار في 2022، وتوقع خبراء اقتصاديون أن تبلغ قيمة هذه السوق التي تتنافس فيها شركات خاصة كبرى تطلق مركبات إلى الفضاء حاملة السائحين ما يزيد على تريليونات عدة بحلول 2030، مما يؤكد أن الفضاء ما زال يأسر خيالنا ويداعب فضولنا.
وفي ظل انسحاب "ناسا" من الصورة في 2018 تتقدم هذه الشركات المملوكة لمليارديرات منهم إيلون ماسك وجيف بيزوس ولاري بايج لتحقيق أرباح خيالية من هذا القطاع، بينما لم يجر التصوير الطبوغرافي سوى لنحو خمسة في الئمة فقط من قاع البحار والمحيطات.
المركبة أورفيوس
بعد تحطم المركبة "نيريوس" طور العلماء "أورفيوس"، وهي مركبة بحرية ذات مواصفات أفضل وأقل ثمناً بكثير من سابقتها، وقال مهندس الدفع النفاث في "ناسا"، الذي شارك ببنائها بهدف استخدامها في استكشاف محيطات الفضاء، راسل سميث "يمثل قاع المحيط اختباراً لنا لتطوير تكنولوجيا نحتاج إليها من أجل تحقيق مهمات ناجحة في أحد تلك المحيطات"، وهو يعني بذلك المحيطات في كواكب فضائية مثل المريخ.
يذكر أنه في 1977 بدأت نظرة العالم تتغير لأعماق المحيطات، بعد أن أسقط فريق بحث أميركي مركبة عن بعد إلى عمق وصل إلى 8 آلاف قدم (2440 متراً) في المحيط الهادئ، فوجدوا كائنات وحيوانات غير مكتشفة سابقاً لا تحتاج إلى أشعة الشمس أبداً، ويمكنها العيش على المواد الكيماوية المنبعثة من قاع البحر، فيما ذهل علماء آخرون من كيفية تحمل بعض الكائنات البحرية لمعدلات ضغط تصل إلى 15 ألف رطل لكل بوصة، واصفين ذلك الضغط بأنه "مكثف لدرجة تؤدي إلى عصر وانفجار الخلايا الفردية للحيوان"، ومن هذه الكائنات "سمك الحلزون وقشريات ذات أرجل ثنائية".
مع ذلك لا يبدو عالم البحار والمحيطات جاذباً لفضولنا بمقدار عوالم الفضاء الشاسعة، حتى بعد ظهور أبحاث ودراسات حديثة حذرت من كون الخطر المقبل على البشرية مستقبلاً سيأتي من تلك الأعماق المجهولة، ويعد فيلم "أكوامان" الذي أنتج وعرض سينمائياً قبل أعوام قليلة خير شاهد على تجاهلنا لأهمية اكتشاف تلك المناطق التي ستظل بحسب وصف بعض العلماء "باردة ومظلمة" لآلاف السنين.