تحريضٌ معلنٌ وخطابات دخيلة يقوم بها أحد عناصر الصحوة السلفيَّة في خطبة صلاة عيد الأضحى بأحد مساجد مدينة جدة السعوديَّة، حين خرج في خطابة الديني محرّضاً جموع الحاضرين ضد المرأة العاملة بالقطاعات التجاريَّة، واصفًا إياها بأبشع النعوت، وفي مقدمتها "بمن تأكل بثدييها"، داعياً النساء إلى "التراجع عن عملهن في مراكز المبيعات التجاريَّة".
تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية أمس، مقطع فيديو يُظهر تحريض خطيب مسجد على عمل المرأة في المحلات التجاريَّة، وثّقته إحدى النساء الحاضرات صلاة العيد، ولاقى الفيديو رواجاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وطالب النشطاء بمحاسبة الخطيب، معتبرين خطابه "مؤدلجاً لتثوير خطاب ديني ضد تمكين المرأة وإقصائها اجتماعياً".
التأهيل الشرعي لا يكفي
وانتشر وسم (#تحريض_خطباء_المساجد) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كاشفاً مدى الغضب الواسع من السعوديين تجاه ما ذكره الخطيب، ومتهمين إياه بـ"قذف النساء السعوديات"، وتحويلهن إلى "دُمية جنسيَّة" وسط تصاعد الأصوات "المطالبة بمحاسبته والتصدي إليه".
المغرد السعودي محمد حسن علوان كَتَبَ "من شبه المستحيل تأهيل الآلاف من الخطباء بالوعي السياسي والاقتصادي والثقافي الكافي ليتم ائتمانهم على لعب هذا الدور المهم أسبوعياً".
وأضاف "التأهيل الشرعي لا يكفي عندما يتعلق الأمر بمتغيرات متشعبة ومعقدة، وتحديات حضاريَّة وثقافيَّة كالتي تمر بها السعودية".
أمَّا المغردة سعاد الشمري فرأت أن مثل هذه الخطابات الدينية المحرّضة فرصة لحصر مسيسي منابر العيد لصالح أحزابهم، وقالت "فرصة لحصر مسيسي منابر العيد لصالح أحزابهم أيام الصحوة وسيطرة الإخوان على المنابر بأنواعها، استغلوا الدين للعب على وتيرة الغيرة والعاطفة للسيطرة على المجتمع، فتشددنا حتى اعتقدنا الاعتدال انحلالاً، وظلمنا المرأة، فاختل المجتمع وكرهنا بعض، فوالينا الغريب ضد الوطن".
وانتقد كثير من المغردات فوضى الفتاوى الدينية المسيطرة عليها فكرة قيادة الرجل المرأة، واستغلاله لها جنسيّاً بتشبيه النساء العاملات "بمن تأكل بثدييها" ليكرّس فيها خطيب العيد الهيمنة الذكوريَّة على المجتمع السعودي، ويعزل النساء عن الحياة العامة، ويحرمهن من حقوقهن الشرعية أسوةً بالرجال.
وسَخَرت المغردة نجلاء في تغريدتها من تشبيه الخطيب المبتذل، قائلة "طبيعيٌّ جداً طالما أن محور حياتهم هو التفكير في الجنس والزواج من أربع، فهم بعيدون كل البعد عن الطموح وإنجاز الأهداف. كل أهدافهم كيف يسيطرون على المرأة لتخضع لرغباتهم".
ووجه بعضهم سؤالاً إلى الرأي العام عن التيار الصحوي في تغريداته. إبراهيم المنيف قال "مخطئ من يعتقد أن التيار الصحوي ذهب بلا عودة! هم الآن يعيشون بيننا على شكل خلايا نائمة يؤيدون في الظاهر ويعارضون لحد الغصة داخلهم ويريدون انتهاز أي فرصة للتنفيس عما يكنونه في صدورهم!".
وأضاف، "كفاح 30 سنة من أجل ترسيخ فكر صحوي من الاستحالة بأن يتغير في ثلاث سنوات".
تطفلٌ على الخطابة
وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالسعودية الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، علَّق على ما حدث عبر الحساب الرسمي للوزارة على (تويتر)، قائلاً "ما أثير في وسائل التواصل الاجتماعي من خطبة للعيد لا يتناسب مع النهج الشرعي، ويخالف توجهات الدولة والوزارة والعلماء".
وكشف أن "المكان المقامة فيه صلاة العيد غير مخصص للصلاة أساساً، إذ إنها عبارة عن أرض فضاء، وهُيّئت من قبل بعض الأشخاص في حي من أحياء شمال جدة".
وأضاف "إقامته صلاة العيد كانت دون إذن رسمي، ولا تعميد من قبل إدارة المساجد في جدة، وتجاوز في خطبته بتعديه بأسلوب فج يخالف الأنظمة والتعليمات والمنهج المعتدل الوسطي الذي تسير عليه السعودية".
وتابع الوزير السعودي أن "الخطيب ليس من منسوبي الوزارة، وليس إماماً أو خطيباً رسمياً، وكل ما قام به هو تطفلٌ على العمل والخطابة، والمكان الذي خطب فيه هو مكان عام"، ووصفه بأنه "عملٌ غير مقبول، ويحمل خطأ جسيماً، مؤكداً أن "الوزارة ماضية بالتنسيق مع إمارة منطقة مكة لاتخاذ إجراءات المحاسبة وفق الجهات المختصة".
كانت السعودية اتجهت مؤخراً إلى توطين وتأنيث محلات مبيعات التجزئة، مقابل ارتفاع نسبة عمالة النساء في الأسواق السعوديَّة إلى أكثر من 80%، وفي جولة لـ"اندبندنت عربية" في أسواق التجزئة كان الحديث الأكثر بينهن استهجان ما ذكره خطيب صلاة العيد، وأجمعن على أن "إنتاجية المرأة السعوديَّة زادت أكثر خلال عملها في منافذ البيع، وارتفعت مشاركتهن الاقتصاديَّة واستغلالهن المادي، وانعكس ذلك على ارتفاع دخل أسرهن".
وأكدن أنهن "يحظين بالتعامل الجيد والاحترام من الزبائن، وأصحاب المحلات".
وعن الفيديو المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ذكرن أن "رأي خطيب صلاة العيد لا يثنيهن عن عزمهن في العمل، وإثبات تمكنهن من العمل كبائعات"، مشيرين إلى أن "تعامل الجمهور يعطيهن دافعاً أكبر للمضي في تطوير مهاراتهن الإنتاجية".