عاد الملف الأميركي الصيني ليخيم على تداولات البورصات الأميركية، حيث أغلقت أمس على هبوط قوي تجاوز 1%، وسط إشارات على تعثر التوصل لاتفاق تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبينما هوى مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة تقارب 1.5%، أغلق مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، الذي يقيس أكبر500 شركة أميركية بنسبة 1.23%، فيما أغلق مؤشر ناسداك للأسهم التكنولوجية بنسبة 1.2%.
وتأتي هذه التراجعات بعد أن استخدمت بكين عملتها اليوان في الحرب التجارية، حيث خفّضت العملة بشكل يسمح لها بمواجهة الضغوط الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية عبر تمرير رسوم جمركية بنسبة 25% على أغلب البضائع الصينية، ما أدى إلى تباطؤ الصادرات والتأثير على النمو الاقتصادي الصيني.
العملة الصينية
وبسبب سياسة استخدام العملة، صرح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بأنه سيفرض تعريفة جمركية جديدة بنسبة 10% على الواردات الصينية البالغ حجمها 300 مليون دولار، اعتبارا من أول سبتمبر (أيلول) المقبل.
وكانت قضية التلاعب بالعملة وتخفيضها لتحقيق مكاسب على حساب التجارة البينية الأميركية الصينية، هي إحدى القضايا الشائكة التي وضعتها الإدارة الأميركية على طاولة المباحثات الثنائية. فهناك مطالبة من الحكومة الأميركية للصين بتحرير عملتها، إذ يؤدي دعم العملة إلى ارتفاع العجز التجاري للولايات المتحدة.
وترى إدارة ترمب أن العجز يتراكم بسبب تحكم بكين بعملتها اليوان، التي تخفض تكلفة إنتاج السلع الصينية، مقارنة بالسلع المنتجة في الولايات المتحدة بالدولار، مما يعطي السلع الصينية تنافسية أعلى من السلع الأميركية، وفي هذه الحالة تعتبر السلع الصينية مدعومة بشكل غير مباشر من الحكومة الصينية، ما يقوّض فرص السلع الأميركية، التي تنافس بمنطق السوق الحر.
رسالة للأسواق
واستخدام بكين لعملتها في هذا التوقيت رسالة فهمتها الأسواق بأن المباحثات تعطلت أو ربما تأجلت لأمد بعيد، خصوصا أن الصين أعلنت أنها ستتوقف عن شراء المنتجات الزراعية الأميركية في حال فرض التعريفة الجديدة.
وتعتمد شركات أميركية كثيرة، من بينها شركات زراعية، على السوق الصينية، إما في التصدير كما في المنتجات الزراعية، أو في التصنيع، كما هي حال شركات تكنولوجية. لذا تأخير التوصل لاتفاق ثنائي يعني أن الشركات الأميركية ستتكبد تكاليف إضافية وسيؤثر ذلك على أرباحها في نهاية السنة، ما دفع المستثمرين إلى خصم التكاليف مباشرة من أسعار الأسهم.
"غولدمان ساكس" يحذر
وقال بنك "غولدمان ساكس" إن "المخاوف تتزايد من أن تؤدي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى ركود"، وإن البنك "لم يعد يتوقع التوصل لاتفاق تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020".
وأوضح البنك، في مذكرة نقلتها "رويترز" أُرسلت إلى عملائه "نتوقع سريان تعريفات تستهدف باقي الواردات الأميركية من الصين، والتي يبلغ حجمها 300 مليار دولار".
معركة بعد الهدنة
وكانت موجة من التفاؤل حلت في البورصات الأميركية بعد الاجتماع الثنائي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في أوساكا باليابان في يوليو (تموز) الماضي، واتفاقهما على هدنة في حربهما التجارية، وتعهدت واشنطن وقف فرض رسوم جمركية جديدة أثناء التفاوض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن التعثر الجديد في المفاوضات أدى إلى العودة لنقطة الصفر، أي إلى ما قبل 4 أشهر، عندما قررت الإدارة الأميركية رفع الرسوم التجارية على أكثر من 5700 سلعة صينية من نسبة 10% إلى 25%، منهية سنة من المفاوضات بين الجانبين. وردّت الصين بالمثل على هذه الإجراءات، ما أدى إلى انهيار البورصات سريعا بعد ارتفاعاتها المتواصلة منذ بداية السنة.
وقال "غولدمان ساكس" إنه سيخفض توقعاته للنمو في الولايات المتحدة خلال الربع الرابع بواقع 20 نقطة أساس إلى 1.8 في المئة، في تأثير أكبر مما كان متوقعا للتطورات في التوترات التجارية.
خفض الفائدة
وبسبب هذا النزاع التجاري اتّجه الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) إلى تخفيض الفائدة في اجتماعه قبل أسبوعين، وهي المرة الأولى التي يخفّض فيها الفائدة منذ الأزمة المالية قبل 11 عاما، ما أعطى مؤشرا للأسواق بأن الأوضاع المقبلة لن تكون جيدة. وعلى الفور هبطت الأسهم الأميركية بعد قرار "الفيدرالي" في أسوأ تعاملات يومية في3 أشهر.
وربط "الفيدرالي" بين الخفض والتأثير المرجح على نمو الاقتصاد الأميركي، الذي يسجل أطول فترة نمو منذ الأزمة المالية. لكن "الفيدرالي" لم يعطِ إشارات واضحة على أنه سيستمر في الخفض في اجتماعاته المقبلة.
غير أن محللي بنك "مورغان ستانلي" قالوا أمس إنهم الآن يتوقعون أن "مجلس الاحتياطي الاتحادي سيخفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول)، ثم يخفضها مجددا في أكتوبر (تشرين الأول).
وكان المحللون قد توقعوا في السابق خفضا واحدا في أكتوبر (تشرين الأول) قائلين إن المركزي الأميركي "سينتظر المزيد من الأدلة على أن المخاطر النزولية تؤثر على الاقتصاد". ويؤشر ذلك إلى أن المحللين يرون مؤشرات سلبية في الأسواق دفعتهم إلى زيادة ترجيحهم لخفض الفائدة في سبتمبر (أيلول)، إضافة إلى توقعاتهم السابقة في الخفض في سبتمبر (أيلول).