ملخص
لم تحظ حكومة عمران بأغلبية ساحقة في البرلمان، لكن دعم المؤسسة العسكرية له في بادئ الأمر سهل عليه إدارة الحكم خلال أول عامين من حكمه، ثم حصل خلاف بينه وبين قائد الجيش
حكم على رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بالسجن لثلاث سنوات، وسحب الـتأهل لخوض الانتخابات لمدة خمس سنوات بتهمة بيع الهدايا الرسمية التي تلقاها خلال فترة حكمه بطريقة غير قانونية من قبل قاضي محكمة إسلام آباد المحلية دلاور خان.
عمران خان أدى الدستور اليميني في 18 أغسطس (آب) 2018 كرئيس وزراء باكستان الثاني والعشرين. ولد خان لأبوين هما إكرام الله خان نيازي وشوكت خانم في مدينة ميانوالي في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1952، وهو الأخ الوحيد لأربع أخوات.
التحق عمران خان بكلية "ايتشي سون" بعد أن تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الكاتدرائية في لاهور، أكمل خان بعدها الشهادة العليا في مادة الاقتصاد من جامعة أكسفورد. كان خان قائد فريق الكريكيت لجامعة أكسفورد أيضاً.
"لن أستطيع أن أكون سياسياً"
الرياضة كانت المنصة الأولى التي نجح عمران خان من خلالها في لفت الأنظار إليه، حين بدأ مسيرته الرياضية في الفريق الوطني الباكستاني للكريكيت في عام 1971، وقاد الفريق الباكستاني الذي فاز بكأس العالم الوحيد في عام 1992 وتقاعد بعد ذلك من لعبة الكريكيت.
بعد فوز عمران خان في الكأس العالم، قدم البرنامج الأسترالي الشهير "ستون دقيقة" وثائقياً عن خان بعنوان "عمران خان: الإله الحي". سافر فريق البرنامج إلى باكستان لصناعة هذا الوثائقي وتم تصوير جوانب متعددة من حياة عمران خان، ولعل أهم جزء في الوثائقي كان حفل غداء نظم للفريق الفائز وعمران خان مع رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف.
خلال مأدبة الغداء يعرف عمران خان مقدم البرنامج ريتشارد على نواز شريف قائلاً "هذا ريتشارد أتى من أستراليا من أجل برنامج (ستون دقيقة)". تلا ذلك حوار شيق بين الشخصيات الثلاث يستحق أن ينقل في كتب التاريخ:
ريتشارد: هل أنت فخور بهذا الشاب (عمران خان)؟
نواز شريف: نعم، فخور جداً.
ريتشارد: لو قرر خان أن يدخل في عالم السياسة، هل سيكون خياراً جيداً في فريقك؟
نواز شريف: عرضت عليه قبل فترة أن يكون سياسياً، لكنه رفض العرض، لا أدري لماذا، لكن ما زال العرض قائماً".
يتغير المشهد في الوثائقي بعد هذا الحوار لينتقل إلى غرفة يجلس فيها عمران خان مع ريتشارد ويقول له "عُرض علي مرتان أن أدخل في السياسة. لكن كل منا يدرك عيوبه، وأنا أدرك أنني لن أستطيع أن أكون سياسياً". بعد أربعة أعوام فقط من هذا اللقاء في عام 1992، أسس عمران خان حزبه السياسي "حركة الإنصاف" وأصبح بعد سنوات الخصم الأول لنواز شريف في عالم السياسة.
لماذا قرر الخوض في السياسة؟
يذكر عمران خان في أكثر من لقاء أنه عندما بدأ العمل على إنشاء مستشفى لعلاج السرطان باسم والدته، أدرك حجم الفساد في الشؤون الحكومية، حينها قرر أن يدخل مجال السياسة، لكن ربما لم يكن هذا هو السبب الوحيد لتغيير رأي خان، على رغم أنه لم يصرح بذلك علناً، إلا أن الدعم الشعبي الذي تلقاه أثناء بناء المستشفى أجبره على التفكير في إمكان تحويل هذا الدعم إلى أصوات انتخابية.
بعد عام واحد من تأسيسه في مدينة لاهور، خاض حزب عمران خان أول انتخابات له في عام 1997، وكان رمزه الانتخابي آنذاك المصباح. وقال خان مخاطباً ناخبيه في إعلان لحملته السياسية "ليس لدينا أموال ووسائل نقل لتقديم التسهيلات للناخبين يوم الانتخابات ولا أموال لنقلكم إلى مقصورة الاقتراع يوم الانتخابات، لكن عليكم أن تأتوا إلى صناديق الاقتراع وتصوتوا للمصباح".
لم تكن تعابير وجه خان وهو يطالب الناخبين بالتصويت له تعبر عن أمل وراء مناشدته، لكنه كان مصمماً في قوله. في ذلك العام لم يحالف الحظ عمران خان، لكنه نجح في كسب أول مقعد له في البرلمان في انتخابات عام 2002، من مسقط رأسه ميانوالي. ما زالت لقطات دخول عمران خان لأول مرة في البرلمان برفقة صديقه تشودري نثار، الزعيم في حزب نواز شريف محفوظة على منصات التواصل الاجتماعي.
الزواج بابنة الملياردير غولد سميث
عقد عمران خان زواجه الأول في عام 1995، من جمايما غولد سميث، ابنة رجل الأعمال البريطاني المشهور جيمس غولد سميث. أنفقت جمايما الأموال التي حصلت عليها من عائلتها في الأعمال الخيرية والحملات السياسية لعمران خان. في ذلك الوقت، سُمح للقنوات الخاصة بالبث في باكستان وبدأت البرامج الحوارية تأخذ زخماً في الأوساط الشعبية، واستغل عمران خان هذه الفرصة وحاول أن يشارك بأكبر عدد من البرامج بشكل مستمر، وبما أنه كان متوفراً ويجيد الحديث ولديه أتباع في فئة الشباب، فإن القنوات أيضاً دائماً ما كانت تدعوه إلى برامجها.
كان ذلك في عهد الجنرال برويز مشرف، الذي أيده عمران خان في الاستفتاء حول بقائه في السلطة، لكنه أصبح معارضاً لسياساته بعد ذلك على شاشات التلفزيون، وكان وزير الداخلية الباكستاني آنذاك يسخر من حزب عمران خان ويقول إن "الحزب الذي لم ينل سوى مقعد واحد في الانتخابات لا يحق له الحديث عن الأمور الوطنية المهمة".
أثناء حكم برويز مشرف في عام 2004، انفصلت جمايما عن عمران خان وعادت إلى بريطانيا، ولم يكن ذلك الوقت حافلاً من الناحية السياسية أيضاً، حين قرر خان مقاطعة انتخابات عام 2008، وبقي حزبه دون أي تمثيل في البرلمان بين عامي 2008 و 2013.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بداية التأثير السياسي
الابتعاد عن البرلمان سمح لحزب "حركة الانصاف" بتقوية هيكله وبدأ التركيز على الشباب وإيصال رسالة عمران خان إلى الكليات والجامعات من خلال اتحاد الطلاب التابع للحزب، كما أدرك الحزب أهمية وسائل التواصل الاجتماعي وحافظ على وجوده هناك، وبدأ حزب عمران خان يتوسع وبدأ السياسيون ينضمون إليه. جهانغير ترين كان أحد أبرز الأسماء التي انضمت وعملت على تطوير الجناح الإعلامي والدعاية في الحزب من خلال الإشراف والدعم المالي، ما أدى إلى زيادة شعبية الحزب في المدن الرئيسة بباكستان.
ولم يظهر هذا التغيير والزيادة في شعبية الحزب إلا في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، حين نظم الحزب اجتماعاً عاماً وسط مدينة لاهور، فاق توقعات الجميع لكثرة عدد المشاركين فيه، وتردد صداه في وسائل الإعلام وفي أروقة الحكم، حيث اندهش الجميع من مدى شعبية الحزب الذي لم يكن له أي تمثيل في البرلمان في وسط أكبر أقاليم باكستان، والجميع كان يتساءل "كيف يمكن أن يحصل هذا؟".
بعد هذا النجاح الباهر في تنظيم اجتماع عام، بدأ السياسيون المخضرمون يتوافدون إلى حزب الإنصاف الذي خاض انتخابات عام 2013 بزخم كبير والذي ظهر فيه الحزب كثالث أكبر قوة سياسية في باكستان، حين حصل على 38 مقعداً في البرلمان ونجح في تشكيل حكومة إقليمية في خيبر بختون خوا، كما نجح في كسب الأصوات في مدينة كراتشي الساحلية. حينها انضم شيخ رشيد الذي كان يسخر من حزب عمران خان أثناء حكم برويز مشرف إلى "حركة الإنصاف" وأصبح داعماً لها داخل البرلمان وخارجه، ولم يكتف عمران خان بهذا النجاح إذ واصل كفاحه ضد الحكومة المنتخبة ونظم تظاهرات ومسيرات واعتصامات بتهم تزوير الانتخابات والفساد المالي ما أدى إلى زيادة شعبيته.
تزوج عمران خان للمرة الثانية في عام 2015 من مقدمة البرنامج على إحدى القنوات الباكستانية، ريحام خان، لكن لم يستمر هذا الزواج سوى بضعة أشهر، بعدها تزوج عمران خان قبيل انتخابات عام 2018 من بشرى بيغم، وهي امرأة صوفية من مدينة باك بتن.
عمران خان في الحكم
الزنزانة والحكم مرتبطان بحبل واحد في باكستان، وضع عمران خان قدمه على الحبل في عام 2018، حين فاز في الانتخابات العامة التي خاضها تحت شعارات شعبوية مثل "مكافحة الفساد وتوفير الوظائف والمحافظة على الكرامة الوطنية" بعد سنوات طويلة من المعارضة السياسية.
لم تحظ حكومة عمران بأغلبية ساحقة في البرلمان، لكن دعم المؤسسة العسكرية له في بادئ الأمر سهل عليه إدارة الحكم خلال أول عامين من حكمه، ثم حصل خلاف بينه وبين قائد الجيش حول تعيينات مهمة في المؤسسة العسكرية ما أدى إلى زيادة الفجوة بينه وبينها، وانتهى الأمر أخيراً بالإطاحة بحكمه.
خرج عمران خان من السلطة في أبريل (نيسان) 2022 من خلال قانون حجب الثقة في البرلمان، وبعدها بدأ عمران خان بتشكيل سردية ضد الجيش، ووصل الخلاف إلى أوجه في التاسع من مايو (أيار) 2023، حين أحرق أنصاره منشآت عسكرية حساسة بعد اعتقاله، وبدأ الخناق يضيق على خان أكثر وأكثر بعد أحداث مايو وتفرقت قيادات جماعته بين أسير وهارب أو تارك للحزب، كما تم اعتقال الآلاف من أنصاره.
واقتصرت أنشطة عمران خان بعد ذلك على مواجهة القضايا وصار يحضر في محكمة تلو الأخرى في مختلف المدن ليواجه أكثر من 200 قضية سجلت ضده بعد أحداث مايو، كما فارقه بعض كبار قادته في هذا الوقت الصعب.
في الخامس من أغسطس (آب)، حُكم على عمران خان من قبل القاضي دلاور خان في قضية بيع الهدايا الرسمية بالسجن لمدة ثلاث سنوات والابتعاد من السياسة لمدة خمس سنوات.
نقلاً عن" اندبندنت أوردو"