Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حسابات حرجة للتدخل العسكري في النيجر

فرنسا تخشى خسارة قطعة أفريقية جديدة وواشنطن تقطع الطريق على الروس

نيجريون داعمون للانقلاب يطوفون العاصمة نيامي بعلم كبير لبلادهم (أ ف ب)

ملخص

نبرة "إيكواس" في ما يخص التدخل العسكري ضد النيجر هدأت كثيراً بينما تكثف واشنطن مساعيها للحل الدبلوماسي لقطع الطريق على فرنسا وروسيا.

يكشف قرار تأجيل اجتماع وزراء الأركان لجيوش مجموعة غرب أفريقيا "إيكواس" في شأن التدخل العسكري في النيجر، عن طبيعة التحديات التي يواجهها هذا الخيار على المستويين السياسي والعسكري في هذه المرحلة تحت مظلة متغيرات دولية جديدة، جعلت قرار المجموعة هذه المرة يملك توازنات حرجة على رغم تاريخها الممتد إلى نحو ثلاثة عقود في استعادة الشرعيات الدستورية في دولها الأعضاء البالغة 15 دولة عبر عمليات من التدخل العسكري.

على صعيد مواز فإن مثل هذا القرار هو محل تضاغط بين باريس وواشنطن، إذ تسعى الأولى إلى مثل هذا التدخل إلى حد إقدامها على اختراق المجال الجوي المغلق في النيجر، عشية الاجتماع الثاني لقمة "إيكواس" في أبوجا، بينما يتبلور الموقف الأميركي بضرورة الركون إلى الأدوات الدبلوماسية في هذ المرحلة.

هذا المشهد يطرح أسئلة في شأن طبيعة التوازنات الحرجة لقرار التدخل العسكري في النيجر، وطبيعة أوراق الضغط التي يملكها كل طرف وكذلك فرص الاعتماد على مثل هذا القرار في استعادة الشرعية الدستورية، فضلاً عن تداعياته على المستويين الإقليمي الأفريقي وكذلك الدولي.

الحسابات السياسية

يعني التدخل العسكري في النيجر ابتداء التضحية بالرئيس المعزول محمد بازوم وأسرته إذ تتخذه السلطات الانقلابية رهينة، وتقايض على سلامته كل من باريس وواشنطن. وتعتمد هذه السلطات أيضاً على الدعم الإقليمي الذي حصلت عليه من سلطات انقلابية مماثلة مثل مالي وبوركينا فاسو، كما راهنت بنجاح على الموقف الروسي الذي أفصح في الساعات القليلة الماضية عن رفضه القاطع التدخل العسكري المفضي - طبقاً لتقدير موسكو - إلى حرب أفريقية واسعة، بما ينطوي عليه ذلك التقدير من صيغ للتهديد وإمكانية للتدخل.

في هذا السياق، فعلت السلطات الانقلابية حاضنة شعبية لها مستغلة في ذلك مشاعر متراكمة من الكراهية ربما ضد باريس، التي يحملها الشباب الأفريقي في غالبية دول الساحل مسؤولية فقرهم، فبينما بلادهم غنية بموارد اقتصادية تسهم بشكل مباشر في رفاه المواطن الفرنسي، يعاني المواطن الأفريقي عوزاً وفقراً ونقصاً في الخدمات الأساسية.

أما الحسابات السياسية لدول "إيكواس" فقد تباينت بين قمتها الأولى والثانية، إذ ارتفعت عقيرتها في القمة الأولى بتهديد بتدخل عسكري قادته نيجيريا، بينما أعلنت انحيازاً لإعطاء فرصة للحلول الدبلوماسية في قمتها الثانية بعد أسبوع واحد فقط وكان الخياران قد انطلقا من فم ذات الرجل الرئيس النيجيري.

تغير موقف دول "إيكواس" من خيار التدخل العسكري انطلق أيضاً من الرفض الشعبي الذي ساد غالبية دول المجموعة، إذ رفض البرلمان في نيجيريا هذا الخيار من جانب الجيش، كما انتشرت تظاهرات عارمة في السنغال ضد قرار رئيس بلادهم ماكي سال بالمشاركة في القوة العسكرية.

وعلى المستوى الرسمي فإن الرفض الجزائري للتدخل العسكري لا بد وأن يؤخذ في الاعتبار باعتبارها دولة تملك حدوداً تزيد على ألف كيلومتر مع النيجر، كما رفضت تشاد أيضاً المشاركة في قوة التدخل العسكري على رغم تحالفها مع فرنسا تحالفاً عضوياً وامتلاكها قدرات عسكرية لا يستهان بها مقارنة بباقي دول الساحل.

ولا يمكن إغفال موقف كل من بوركينا فاسو ومالي المتاخمتين للنيجر اللتين أعلنتا أن أي تدخل عسكري ضد النيجر بمثابة إعلان حرب عليهما أيضاً، في موقف بالتأكيد له تداعيات عسكرية نظراً إلى الحدود المشتركة للدولتين مع النيجر.

على المستوى الدولي تبلورت حسابات التدخل العسكري لدول "إيكواس" في اتجاهين متناقضين بين باريس وواشنطن، فالأولى تشعر بأن متوالية الانقلابات من شأنها أن تخرجها من منطقة الساحل بالكلية، إذا لم يتم استخدام الردع العسكري في النيجر، ذلك أن سيناريو الانقلاب على فرنسا سيكون وارداً في كل من الجابون والكاميرون وبنين وكوت ديفوار، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، كما أن النيجر هي درة دول الساحل الأفريقي، حيث تمد فرنسا بحاجاتها من اليورانيوم لتوليد الطاقة التي تشكل تحدياً في أوروبا بأكملها نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية.

ومن هنا ظلت باريس ومنذ الإعلان عن الانقلاب وحتى القمة الثانية لدول "إيكواس" تحرضهم على التدخل العسكري بالنيجر متغافلة في ذلك عن تحولات النظام الدولي الراهنة، ذلك أن المجموعة نجحت تاريخياً في استخدام آلية التدخل العسكري لدعم النظم الدستورية تحت مظلة أمرين الأول هيمنة الغرب على النظام الدولي بقيادة أميركا وبأوزان مقدرة لأوروبا عموماً وكل من فرنسا وألمانيا خصوصاً، والثاني أن منظمة "إيكواس" هي في حالة تحالف عضوي مع فرنسا، إذ أمدتها باريس بحاجاتها على المستوى اللوجيستي العسكري وعلى مستوى التمويل، ونفذا عمليات عسكرية مشتركة كان آخرها في مالي عام 2013، بينما كان آخر تدخل عسكري لـ"إيكواس" في إحدى الدول الأعضاء هو في جامبيا عام 2017، ضد الرئيس يحيى جامع لرفضه نتائج الانتخابات وتسليم السلطة لخلفه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحسابات السياسية على الصعيد الدولي هي لواشنطن التي ترى أن هوى الانقلابيين ليس روسياً بل غربي، وأن تلويحهم بورقة موسكو ليس سوى توظيف لمواجهة التهديدات الغربية لا أكثر، وهو الأمر الذي يفسر تقدير الموقف المبكر لواشنطن أن انقلاب النيجر هو تعبير عن صراع داخلي وليس تخطيطاً روسياً، وهنا ترى الولايات المتحدة أن أي تدخل عسكري لـ"إيكواس" هو فرصة كبيرة لقوات "فاغنر" بالتدخل، التي تملك نقاط ارتكاز في كل الدول المحيطة، من السودان إلى أفريقيا الوسطي لمالي مروراً بليبيا.

من هنا فإن وجود "فاغنر" في النيجر قد يفرض مواجهة عسكرية مع القوات الأميركية والفرنسية، بما يعني بؤرة صراع عسكري لها طابع دولي على أرض أفريقية في امتداد لبؤرة الصراع على الأراضي الأوكرانية، وهو ما يعني اتساع منصات المواجهة بين روسيا والغرب ووسم هذه الصراعات بأنها حرب عالمية سيكون عن حق وتقدير صحيح.

الحسابات العسكرية

على المستوى الإقليمي يبدو التدخل العسكري له توازنات حرجة، ذلك أن النيجر تملك حدوداً مشتركة مع نيجيريا ممتدة إلى سبع ولايات، كما أن الجيش النيجيري الذي هو القوة الضاربة في هذا التدخل لديه مهام عسكرية داخلية لم ينجح في إنجازها بالمطلق ضد تنظيم "بوكو حرام"، وبالتأكيد حربه ضد النيجر ستكون إما مخصومة من قدراته على الصعيد الداخلي أو متسببة في عدم الاستقرار والسيولة في ولايات النيجر السبع.

ومع إعلان كل من بوركينا فاسو ومالي معارضتهما التدخل العسكري فإن انخراطهما في هذه الحرب يكون مرجحاً، فمن ناحية سترفعان مستوى شعبيتهما الداخلية، وتكونان قادرتين أيضاً على تأجيل أية استحقاقات في شأن إقامة انتخابات وإنهاء الفترات الانتقالية في كلتا الدولتين طبقاً لتعهداتهما السابقة.

على الصعيد الفرنسي فإن اندلاع حرب في النيجر يعني تهديدات عالية لجنودها على هذه الأراضي، خصوصاً أنهم يشكلون نقطة ارتكاز محدودة العدد نسبياً فيكون الخيار لدى باريس إما انخراط هؤلاء الجنود في الحرب وإما سحبهم، وفي الحالة الأولى ستكون النتائج غير مضمونة، بينما الحالة الثانية فإن سحب الجنود الفرنسيين لثاني مرة من دولة أفريقية يعني خسارة معنوية كبيرة لباريس.

في ما يخص واشنطن فإنها تمتلك قاعدة طائرات مسيرة في النيجر، وكذلك نقطة ارتكاز لقيادة أفريقيا في الجيش الأميركي (أفريكوم)، حيث يتجاوز عدد العناصر العسكرية الأميركية في النيجر ستة آلاف عنصر.

الحسابات النهائية

تبدو باريس هي الخاسر الأكبر في هذه التوازنات ذات الطابع الجيوسياسي، سواء عبر اعتماد التدخل العسكري من جانب دول غرب أفريقيا أو عبر النجاح في إنهاء الأزمة دبلوماسياً، فالتدخل العسكري يعني اتساع الصراع في دول مجاورة من المجموعة الفرنكوفونية، وهو ما يؤثر في الوجود الفرنسي فيها ويرفع مستوى أخطار الحصول على الموارد الاقتصادية منها، وفي حالة اعتماد الحل الدبلوماسي الذي تقوده واشنطن فهذا يعني نمواً للنفوذ الأميركي على فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، كما يعني إمكانية تصاعد متوالية الانقلابات العسكرية التي بدأت في 2020 من دون أن تجد أية روادع ضد السلطات الانقلابية.

ستخسر أيضاً دول غرب أفريقيا أو مجموعة "إيكواس" وزنها الإقليمي بسبب الانقسامات فيها، والتراجع في القدرة على استخدام الخيار العسكري لدعم الديمقراطيات الهشة في دولها الأعضاء.

الشاهد أن قدرات الغرب في محاولة حماية النظم الديمقراطية في أفريقيا قد تراجعت بشدة بسبب أن موارد القارة السمراء استغلها الغرب تاريخياً، خصوصاً فرنسا في منطقة الساحل ولم ينعم بعوائدها أبناؤها، ومن هنا أدرك الأفارقة على نحو ما أن الديمقراطية لم تكن سوى آلية غربية لنهب مواردهم فتراجعت مقومات الحكم الرشيد في القارة على نحو مقدر وسقطت في يد ديكتاتوريات عسكرية تتكاثر، ولا تجد رادعاً مناسباً، وهي التي لم تثبت أبداً نجاحها في معارك التنمية المتوازنة والمستدامة، وهكذا تستمر وتتصاعد معاناة المواطن الأفريقي بسبب الفقر وانحسار الأمن.

المزيد من تحلیل