ملخص
تمتلك الصين واحدة من أكبر صناعات الظل المصرفي وتربط 40 في المئة من قروض الدولة القائمة.
يدخل الانكماش العقاري في الصين مرحلة أكثر حدة مجدداً مع ظهور بقعة اضطراب مزمنة أخرى تتمثل في قطاع الظل المصرفي الهائل الذي يتسم بعدم الشفافية في البلاد، وأثار أحد أكبر مديري الثروات الخاصة في الصين قلقاً جديداً حول صحة صناعة الظل المصرفي في البلاد، بعد أن فاتت المدفوعات على كثير من المنتجات عالية العائد، إذ أعلنت ثلاث شركات الجمعة الماضي فشلها في تلقي مدفوعات على المنتجات التي أصدرتها شركات مرتبطة بمجموعة "تشونغتشي إنتربرايس غروب" التي تمتلك أصولاً تحت إدارتها تصل إلى تريليون يوان (187 مليار دولار).
وأعلنت الشركات الثلاثة بحسب "وول ستريت جورنال" أنها لم تتلق مدفوعات من المنتجات الاستثمارية التي تديرها المجموعة، وفقاً لإيداعات البورصة خلال الأيام الأخيرة.
في غضون ذلك كشفت "ناستي بروبيرتي سيرفيس" المدرجة في بورصة "شنغهاي" في ختام الأسبوع الماضي أنها لم تتلق رأس المال والفائدة المستحقة والتي تبلغ 30 مليون يوان (4.2 مليون دولار) من منتج "تشونغرونغ ترست"، إذ تعتبر مجموعة "تشونغتشي إنتربرايس غروب" ثاني أكبر مساهم في "تشونغرونغ ترست".
زبالتوازي قالت شركة المواد "كي بي سي كورب" إنها فقدت 60 مليون يوان (8.2 مليون دولار) بسبب منتجين من منتجات "تشونغرونغ ترست" الناضجين، وفي الوقت نفسه قالت الشركة المصنعة للأدوات "تشاينهينغ إنترنشايونال" إنها لم تتلق المدفوعات المستحقة من أحد منتجات "تشونغرونغ ترست"، إضافة إلى منتجين آخرين من شركة ائتمان منفصلة.
2.9 تريليون دولار أصول صناعة الائتمان في الصين
ويمثل الظل المصرفي الصيني النشاط المالي السري خارج اللوائح والأنظمة المصرفية التقليدية، وتمتلك الصين واحدة من أكبر صناعات الظل المصرفي إذ ترتبط نحو 40 في المئة من قروض الدولة القائمة في أنشطة مصرفية الظل.
وتستمر شركات الائتمان، أحد أبرز أجزاء نظام "الظل المصرفي" نيابة عن عملائها، إضافة إلى إدارة الأصول الموكلة إليهم، ببيع كثير منهم أيضاً منتجات استثمارية عالية العائد مباشرة إلى الشركات والأفراد، ومن ثم يستثمرون العائدات في مجموعة متنوعة من الأصول، أو يقرضون بشكل مباشر الشركات أو المشاريع العقارية، وغالباً لتلك التي لا تستطيع تأمين تمويل منتظم من البنوك أو سوق السندات.
وتصل أصول صناعة الائتمان في البلاد إلى نحو 2.9 تريليون دولار حتى مارس (آذار) الماضي، وفقاً لبيانات الجمعية الائتمانية الصينية، بينما 72 في المئة مملوكة لما يسمى صناديق التمويل التي تبيع المنتجات الاستثمارية للمستثمرين والشركات والأثرياء، وبالتالي كان من غير المستغرب أن توجه الأزمة المتفاقمة في سوق الإسكان الصينية ضربة قوية إلى صناعة الائتمان منتصف عام 2019، إذ تم استثمار نحو 15 في المئة من أصول ائتمان التمويل في العقارات، لكن مع زيادة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حالات التخلف عن السداد في منتجات الاستثمار الائتماني، خصوصاً تلك المرتبطة بالعقارات وتقليص العديد من صناديق التمويل استثماراتهم في العقارات، انخفض هذا الاستثمار المتميز في العقارات بنسبة 62 في المئة منذ عام 2019.
وعلى رغم أن حجم المدفوعات الماضية التي أعلنتها الشركات الثلاث ليس بهذه الضخامة في المخطط الكبير للنظام المالي الصيني إلا إنها لا تزال مقلقة، إذ أن "تشونغرونغ ترست" لديها بعض الداعمين المهمين وكبار المساهمين باعتبارها شركة مملوكة للدولة، إضافة إلى شركتي "جينغوي تيكستايل ماشيناري" و "تشونغتشي إنتربرايس غروب" لإدارة الأصول الخاصة، والتي تعد واحدة من أكبر الشركات في هذا المجال، مما يعني تأزم القطاع الصناعي الصيني، خصوصاً وأن قطاع الإسكان هناك يبدو مهيأ لمزيد من الغرق.
وفي تلك الأثناء فقدت شركة" كاونتري غاردن"، إحدى شركات تطوير العقارات الكبرى، قسائم على اثنين من سنداتها خلال الأسبوع الماضي.
وتتزامن المشاكل الجديدة في قطاع الثقة مع خلفية أخرى تنذر بالسوء، بعد أن قدمت البنوك الصينية في يوليو (تموز) الماضي أقل مبلغ من صافي القروض الجديدة منذ عام 2009.
وعلى رغم أن قطاع الثقة في الصين ليس من الوزن الثقيل الذي كان يعول عليه قبل أزمة الظل المصرفية في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال من المهم مراقبته لأنه مصدر لرأس المال للمقترضين المهمشين، كما يرتبط بشكل وثيق بالقطاعات الرئيسة مثل الإسكان والبنية التحتية.
ويرى المحللون أنه من الأفضل أن يراقب المستثمرون من كثب صناديق الاستثمار الصينية، خصوصاً في ظل مؤشرات أن يتخذ قطاع العقارات في البلاد منعطفاً آخر نحو الأسوأ في أواخر فصل الصيف الحالي.
مراهنة لم تتحقق
وكانت إحدى الشركات المرتبطة بمجموعة "تشونغتشي إنتربرايس غروب" اشترت حصصاً في مشاريع عقارية عام 2022، مراهنة على انتعاش السوق الذي لم يتحقق حتى الآن، إذ تواجه الصناديق الائتمانية الصينية أعوام من الاضطراب بعد أن فرض المنظمون قيوداً على تجاوزات الظل المصرفية في البلاد، وكانت علامات الاضطراب في أحد اللاعبين الرئيسين في الصناعة قد أخافت الأسواق بالفعل بسبب حال الاقتصاد الصيني وسوق العقارات.
وتراجعت أول من أمس الإثنين الأسهم الصينية، بعدما انخفض مؤشر (CSI 300) 0.73 في المئة بنهاية جلسة التداول، كما انخفض مؤشر "هانغ سنغ الصين" للشركات 1.79 في المئة.
وتعليقاً على ذلك قال مدير بنك الاستثمار "تشانسون وشركاه" شين مينغ لـ "بلومبيرغ" إن "المشكلة الأكبر الآن هي كيفية عزل الأخطار المرتبطة بمجموعة ’تشونغتشي إنتربرايس غروب‘ حتى لا تتسبب في انهيار صناعة الثقة بأكملها"، مضيفاً "إذا استمر الوضع في التدهور فمن المتوقع ألا يقل حجم الأخطار عما يحدث عندما يتخلف أحد مطوري العقارات الرائدين عن السداد".
مصدر قلق
وأصبحت الصناديق الائتمانية التي كان ينظر إليها الصينيون الأثرياء ذات يوم على أنها مكان آمن لإيداع أموالهم في مقابل عوائد ضخمة على مدى الأعوام الماضية مصدر قلق متزايد للسلطات التي سعت إلى كبح نطاقها، كما ابتليت الصناعة بالمدفوعات الماضية على مدى الأعوام الماضية، ولا سيما في الاستثمارات المتعلقة بالعقارات.
وتأسست مجموعة "تشونغتشي إنتربرايس غروب" في بكين عام 1995 من قبل تشي تشيكون الذي بنى الشركة في إمبراطورية مترامية الأطراف قبل وفاته عام 2021، بينما تعهد بديله ليو يانغ بالحفاظ على التركيز الاستراتيجي للمجموعة على الأعمال الصناعية وإدارة الأصول مندون تغيير، وذلك إثر التباطؤ الاقتصادي وتراجع سوق العقارات على عملياتها.
وتعد مجموعة "تشونغتشي إنتربرايس غروب" ثاني أكبر مساهم في "تشونغرونغ ترست"، إذ تستحوذ على 33 في المئة، كما تمتلك المجموعة أيضاً حصصاً في خمس شركات مالية مرخصة أخرى بما في ذلك إدارة صندوق مشترك وشركتي تأمين، واستثمرت في خمس شركات لإدارة الأصول وأربع وحدات ثروة، كما أنها تسيطر على شركات مدرجة وتمتلك 4.5 مليار طن من احتياطات الفحم بين عملياتها الصناعية، وفقاً لموقعها على الإنترنت.
وتمتلك "تشونغرونغ ترست" وحدها 270 منتجاً بقيمة 39.5 مليار يوان مستحقة) 5.4 مليار دولار) عام 2023، وفقاً لموفر البيانات "يوز ترست"، فيما بلغ متوسط العائد على تلك المنتجات 6.88 في المئة مقارنة بمعدل الإيداع القياسي 1.5 في المئة لمدة عام واحد الذي تدفعه البنوك.
تأثير الـ "دومينو"
من جانبها لم تكشف "تشونغتشي إنتربرايس غروب" سوى القليل عن وضعها المالي على رغم أنها قالت إنها على دراية برسائل مزورة يتم مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتفيد بأن المجموعة لم تعد قادرة على العمل، مشيرة في بلاغ قدمته للسلطات الصينية إلى تلك الرسائل، وفقاً لبيان نشرته المجموعة على موقعها الرسمي.
وتتضمن إحدى الرسائل المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لم يتم التحقق منها بحسب "بلومبيرغ"، اعتذار مدير الثروات في المجموعة لعملائه قائلاً إن "أذرع ثروة المجموعة قررت تأجيل المدفوعات على جميع المنتجات منذ منتصف يوليو الماضي"، وأوضحت الرسالة أن ذلك يشمل أكثر من 150 ألف مستثمر باستثمارات غير مسددة تصل قيمتها الإجمالية إلى 230 مليار يوان (31.7 مليار دولار).
وأدى الركود الذي طال أمده في قطاع العقارات الصيني إلى تركيع مطوري العقارات الذين كانوا في السابق يتمتعون بكفاءة عالية، ويدور القطاع اليوم في دائرة مفرغة، إذ يقوم المطورون الفاشلون بإبعاد مشتري المنازل من الشراء، مما يحد من التدفق النقدي للشركات، كما تراجعت مبيعات المنازل بصورة أكبر خلال يوليو الماضي.
من جهته قال كبير الاقتصاديين في شركة "ناتيكسيس" جاري نغ إن "المدفوعات الماضية تظهر كيف يمكن أن تنتقل مشكلة السيولة العقارية إلى قطاعات أخرى كتأثيرالدومينو، بما في ذلك صناعة الصناديق الائتمانية الصينية"، مضيفاً "لن يكون من المستغرب أن نرى مزيداً من هذه الصناديق مع تخصيص أصول عالية للعقارات تواجه مشكلات في الدفع."
وتستحوذ العقارات على نحو 11 في المئة من أصول "تشونغرونغ ترست" الائتمانية، يليها قطاع الصناعات بنحو 42 في المئة، بينما تستحوذ الاستثمارات المالية على نحو 33 في المئة من الأصول وفقاً لتقرير المجموعة السنوي.
وفي وقت سابق غُرمت المجموعة 200 ألف يوان (27.4 ألف دولار) من قبل المنظمين لاستثمارها في مشروع عقاري يفتقر إلى الموافقات ذات الصلة، وتعهدت آنذاك بتحسين الامتثال.
وكانت الشركات الائتمانية، بما في ذلك" تشونغرونغ ترست" و"مين ميتالز ترست"، اشترت حصصاً في ما لا يقل عن 10 مشاريع عقارية عام 2022، وتراهن على أن المنازل غير المكتملة ستدر نقوداً في نهاية المطاف لسداد بعض من 230 مليار دولار من الأموال المدعومة بالممتلكات التي أصدروها للمستثمرين.