يزور وفد عماني العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، في مهمة متجددة لمسقط بالتزامن مع حراك دبلوماسي دولي وأممي جديد يشهده ملف الأزمة اليمنية خلال الأيام الماضية بحثاً عن فرص واعدة للسلام المنتظر في البلد المعذب بالصراع الذي طال أمده.
ومن المتوقع أن يلتقي الوفد الذي وصل أمس الخميس زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، في مسعى مسقط المتكرر من أجل حلحلة الأزمة في البلد المجاور، ووضع حد للحرب الدامية منذ أكثر من ثمانية أعوام.
وتسعى عمان في مساعيها إلى "إقناع قادة الجماعة الالتزام بما عليها من شروط والدخول في مفاوضات سلام جادة"، كما تقود جهوداً دبلوماسية لتقريب وجهات النظر بين الحكومة الشرعية والحوثيين، استناداً إلى علاقاتها "الجيدة" التي تربطها بطرفي الحرب.
العملية التفاوضية
وفي تعليق على الزيارة وأهدافها قال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي والمتحدث باسمها محمد عبدالسلام، في تغريدة له عبر منصة "إكس" وصلنا إلى صنعاء نحن والوفد العماني "للتشاور مع القيادة وتقييم المرحلة واستئناف العملية التفاوضية وفي مقدمها معالجة الملفات الإنسانية".
وكشف القيادي في الميليشيا أن زيارة الوفد العماني إلى صنعاء "تأتي في سياق جهود الوساطة العمانية لإحياء العملية التفاوضية وتقييم المرحلة بدءاً من الملف الإنساني"، وأضاف في تصريحات نقلتها قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين "سنجري خلال الزيارة مشاورات، ضمن رؤية واضحة تعالج الملفات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، وتمس كل مواطن يمني".
توقيع اتفاق
من جانبه كشف القيادي في جماعة الحوثي علي ناصر قرشة أمس الخميس عن احتمالية "تمديد الهدنة"، من دون أن يذكر تفاصيل أخرى عن الاتفاق المحتمل.
وقال القيادي الحوثي عبر منصة "إكس" "توجهنا من صعدة إلى صنعاء لاستقبال الوسيط العماني والوفد الوطني (وفد الحوثيين) لإجراء مشاورات، إذا كتب الله أن يتم توقيع اتفاق سواء في صنعاء أم في الرياض".
ومنذ زيارة الوفدين العماني والسعودي إلى صنعاء في أبريل (نيسان) الماضي، حين التقوا بقادة الجماعة الحوثية من أجل بحث التوصل لتسوية شاملة، لم يطرأ أي جديد على ملف التفاوض السياسي بشكل علني منذ ذلك الحين.
وتعيش اليمن حالاً ما بين "اللاحرب واللاسلم"، وهي الحال التي فاقمت من الأزمة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم.
مسعى دولي
وفيما يبدو أن التحرك العماني يأتي في إطار تحرك دولي بشأن ملف اليمن، إذ تأتي المهمة العمانية الأخيرة متزامنة مع تحركات أممية وأميركية مماثلة، في ظل أنباء تحدثت عن تفاهمات إقليمية ودولية غير معلنة تسعى إلى التوصل إلى اتفاق مبدئي يتعلق بالملفات الإنسانية، ومنها إعلان أولاً تمديد الهدنة الإنسانية المنتهية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ثم فتح وجهات جوية جديدة أمام مطار صنعاء وفتح المعابر والطرقات ودفع المرتبات وإطلاق سراح الأسرى وغيرها من الإجراءات التي ستمهد الطريق أمام تفاهمات سياسية لاحقة تتعلق بالتسوية الشاملة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الإطار بعثت الإدارة الأميركية مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ الثلاثاء الماضي، الذي يرافقه المبعوث الأممي "هانس غروندبيرغ"، وهما يسعيان إلى التوصل إلى اتفاق يدفع بجهود السلام.
ويعيش اليمن منذ أكثر من عام أشبه بالهدنة غير المعلنة، وعلى رغم ذلك لم توقف المعارك والمناوشات التي تشهدها جبهات القتال، في حين يتوعد الحوثيون بالعودة للقتال إذا لم تنفذ شروطهم، وفي مقدمها السيطرة على إيرادات النفط والغاز.
العودة للحرب
في غضون ذلك حذر المبعوث الأممي هانس من استمرار القتال على عدد من الجبهات اليمنية، ومن تبعات التهديدات العلنية بالعودة للحرب، (في إشارة لخطاب زعيم الحوثيين) داعياً جميع الأطراف إلى الامتناع عن الخطاب التصعيدي.
وشدد على ضرورة "التوصل إلى اتفاق سياسي وترجمة حديث جميع الأطراف عن ذلك إلى التزامات فعلية للمضي قدماً بما يضمن استئناف عملية سياسية يمنية شاملة"، وكان المبعوث الأممي زار العاصمة العمانية مسقط، والتقى وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون الدبلوماسية خليفة الحارثي ومسؤولين عمانيين آخرين، إضافة إلى لقاء منفصل مع رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين محمد عبدالسلام.
وقال في بيان نشره مكتبه إنه "بحث الخطوات التالية من أجل الاتفاق على تدابير لتحسين الظروف المعيشية في اليمن وتنفيذ وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والتوصل إلى تسوية سياسية جامعة من خلال عملية سياسية يقودها اليمنيون وتيسرها الأمم المتحدة".
اشتراطات
وتشترط الميليشيا الحوثية للمضي قدماً في المفاوضات تنفيذ ما وصفه متحدثها عبدالسلام "بالبنود الإنسانية"، وقال "إن لم تبدأ العملية التفاوضية بتنفيذ البنود الإنسانية فلا يمكن البناء على نوايا إيجابية للطرف الآخر"، وأضاف "لا بد أن يتم البدء بتحسين وضع المطار والموانئ وإزالة كثير من القيود، لأن الحصار لا يزال قائماً على كل الأصعدة"، فيما تتهم الحكومة الشرعية جماعته "بالتهرب من تنفيذ التزاماتهم الانسانية" ومن بينها فتح الطرقات والمعابر عن محافظة تعز (غرب اليمن) التي تعج بأكثر من 7 ملايين نسمة.
ويأتي من ضمن الشروط التي وضعتها الجماعة الحوثية "تمكينهم من إيرادات البلاد، وفي المقابل تشير الحكومة الشرعية في ردها على الحوثيين أن "الجماعة المتمردة ترفض توريد الإيرادات النفطية الضخمة التي تتحصل عليها في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
ومع ما تظهره المساعي والتصريحات الإعلامية للساسة الدوليين من حال "تفاؤل" حول التوصل لتفاهمات تضع حداً للأزمة، إلا أن ثمة مراقبين يعتقدون أن هذه التحركات هذه لم تحمل جديد واعتبروها امتداداً لإجراءات "شكلية سابقة شبيهة بسابقاتها" منذ بدء الحرب.
تهديد جديد
وفي لغة معهودة يرى متابعون أنها مبددة لـ"مساعي السلام"، أطلق زعيم الميليشيا الموالية لإيران عبدالملك الحوثي، تهديدات بالتصعيد العسكري وإنهاء حال التهدئة إثر الضغوط الشعبية على الجماعة المطالبة بالرواتب المقطوعة للعام الثامن على التوالي، وهو الأسلوب الذي دأبت الجماعة على اتخاذه كلما ازداد الضغط الشعبي ضدها، وتوعد الحوثي في حال لم تنفذ مطالبه سيكون له موقف "حازم وصارم".
ويعتبر قطاع واسع من المهتمين في الشأن اليمني أن حصر القضية اليمنية في جانبها الإنساني واختزالها في تجديد الهدن الأممية يعد قصوراً في فهم طبيعة المشكلة وجذورها، ومؤشراً إلى تحولها من قضية "دولية سياسية" بامتياز ناتجة من انقلاب مسلح على الدولة والإجماع الوطني إلى "قضية إنسانية" تتلاشى أهمية أبعادها مع الأيام.