Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دلالات قمة أميركا واليابان وكوريا الجنوبية للصين

تعطل نهج السياسة الخارجية لبكين وتعوق طموحاتها للسيطرة على تايوان

خلال المؤتمرالصحافي الذي جمع بايدن ورئيس وزارء اليابان ورئيس كوريا الجنوبية (أ ب)

ملخص

هل يمكن أن يكون التعاون مستداماً وسط الخلافات التاريخية المستمرة بين كوريا الجنوبية واليابان؟

مثلت القمة الثلاثية الأولى من نوعها على مستوى القادة التي استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن في منتجع كامب ديفيد، وضمت رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، لحظة فاصلة للعلاقات تتجاوز الخلافات السابقة إلى تعاون استراتيجي واسع، لكن القمة تثير أسئلة حول مغزاها الحقيقي، فما الذي تعنيه تجاه الصين وشبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ؟ وهل يمكن أن يكون هذا التعاون مستداماً وسط الخلافات التاريخية المستمرة بين كوريا الجنوبية واليابان؟

لحظة فاصلة

القمة التي عقدت أمس الجمعة تمثل تتويجاً لسنوات من الدبلوماسية المكثفة بين المسؤولين في سيول وطوكيو وإدارة الرئيس بايدن الذي جعل العلاقات مع البلدين أولوية، ودعا قادتهما إلى واشنطن في أول زيارتين لزعيمين أجنبيين خلال فترة رئاسته، كما سافر بايدن أيضاً إلى العاصمتين والتقى كبار مساعديه بشكل متكرر مع كبار المسؤولين في البلدين، مما يجعل القمة التي تعقد لأول مرة على هذا المستوى لحظة تاريخية فاصلة، على حد وصف المسؤولين الأميركيين.

وما يجعل القمة مهمة للدول الثلاث، أن الاتفاقيات الجديدة التي خرجت منها تأتي قبل انتخابات الولايات المتحدة عام 2024، حيث يترشح بايدن لولاية ثانية وسينافس على الأرجح الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يعد الأوفر حظاً للفوز في السباق التمهيدي للحزب الجمهوري، ومن المؤكد أن بايدن سوف يستخدمها كدليل على نجاحه في قيادة تحالفات عالمية ضد خصوم واشنطن، فيما تثير الانتخابات قلق عديد من قادة العالم من أنه إذا لم يفز بايدن بإعادة انتخابه، فقد تتضرر التحالفات العالمية الرئيسة، بما فيها هذا التحالف الجديد وفقاً لما تشير إليه صحيفة "وول ستريت جورنال". 

مغزى كامب ديفيد

أولت إدارة بايدن عناية خاصة للقمة، فاختارت لها منتجع كامب ديفيد الريفي في ولاية ميريلاند، والذي أنشأه الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية كملاذ رئاسي آمن خارج العاصمة، وهو الموقع المشبع بتاريخ من المفاوضات رفيعة المستوى والمحجوز عادة للاجتماعات الأكثر أهمية بين رؤساء الولايات المتحدة وزعماء العالم منذ إدارة روزفلت، حسبما أشار موقع شبكة "أي بي سي" الأميركية.

ومثلما كانت قمم كامب ديفيد لحظة فاصلة في الماضي، حين استضافت أحداثاً تاريخية بين قادة العالم، مثل لقاء الرئيس دوايت أيزنهاور ورئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروتشوف في ذروة الحرب الباردة، واللقاء الذي جمع جيمي كارتر مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات للتوصل إلى اتفاق سلام بين القاهرة وتل أبيب عام 1978، وقمة عام 2000 بين بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول الوضع الدائم، تراهن الإدارة الأميركية الحالية على تسجيل لحظة تاريخية أخرى لقمة غير مسبوقة تضم بايدن ويون وكيشيدا خلف أبواب مغلقة كنوع من التقدير ولمزيد من التفاعل المباشر بين الزعماء الثلاثة، الذي وصفته إدارة بايدن بأنه فصل جديد في الشراكة للقرن الحادي والعشرين.

 تاريخ جديد

على حد وصف كيشيدا فإن الاجتماع بهذه الطريقة يعني من وجهة نظره أنهم يصنعون تاريخاً جديداً، في إشارة إلى الاتفاق بين الحلفاء الثلاثة على تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية وإنشاء أنظمة مراقبة وحماية سلاسل التوريد، ودفع التنسيق والتعاون في أشباه الموصلات وأمن التكنولوجيا المتقدمة، فضلاً عن إطلاق مبادرات جديدة للأمن السيبراني، ومكافحة المعلومات المضللة.

 

 

وعلى رغم أن الاتفاق لا يرتقي إلى مستوى الدفاع المشترك، إلا أن هناك خططاً لمشاركة بيانات ومعلومات التحذير ضد الصواريخ الباليستية في  اللحظة نفسها، وإجراء تدريبات إضافية ضد الغواصات والمناورات العسكرية المشتركة، إضافة إلى اتفاق على أن تشارك الدول الثلاث في مشاورات متبادلة إذا واجهت المنطقة هجوماً مفاجئاً أو تهديداً وجودياً، ومن شأن هذه الإجراءات حسبما يقول الخبراء أن تجعل الدول الثلاث أقرب إلى نوع من الشبكة الأمنية المتكاملة التي تعتقد واشنطن أنها ضرورية لتعزيز أهدافها المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

إن الاتفاق على عقد قمم سنوية بين الدول الثلاث هو أحد الطرق التي يرى المسؤولون الأميركيون أنها تجعل التحالف الثلاثي أكثر ديمومة وأكثر قدرة على مقاومة التغييرات السياسية المستقبلية في كل عاصمة.

انحياز ضد الصين

وبينما تصدى المسؤولون الأميركيون بصراحة للتهديد الذي تشكله كوريا الشمالية، فقد كانوا متحفظين في التحدث عن التحديات التي تتعلق بالصين، ومع ذلك فإن بكين لا تزال تلوح في الأفق بشأن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها القمة لكبح جماح الصين في المنطقة الذي يمكن ملاحظته من بين سطور البيانات الرسمية للقمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين حاول الرئيس بايدن ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان التأكيد على أن القمة لا تستهدف الصين، إلا أن سفير الولايات المتحدة في اليابان رام إيمانويل أكد بالضبط كيف تعطل القمة نهج بكين للسياسة الخارجية، حين قال في لقاء نظمه معهد "بروكينغز" يوم الأربعاء الماضي، إن استراتيجية بكين تستند إلى فرضية أن حليف أميركا الأول والثاني في المنطقة (طوكيو وسيول) لا يمكن أن يجتمعا ويتفقا معاً، لكن رسالة القمة هي أن التحالف قوة وله وجود دائم في منطقة المحيط الهادئ وأنه يمكن المراهنة لفترة طويلة على أميركا.

المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمستشار السابق في مجلس الشيوخ للشؤون الخارجية براد بومان، اعتبر أن الصين من خلال مناوراتها الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي، جمعت بين اليابان وكوريا الجنوبية لإنشاء تحالف أكثر توحيداً وتماسكاً وقدرة مع الولايات المتحدة، وأن التعاون العسكري بين الدول الثلاث يمكن أن يعوق أيضاً طموح بكين لاستعادة تايوان، لأن أي شيء يزيد من جاهزية الجيوش الثلاثة سيجعل الردع أقوى، بخاصة أن الاستخبارات الأميركية أشارت إلى أن الرئيس الصيني شي جينبينغ أصدر تعليماته لجيشه بأن يكون جاهزاً بحلول عام 2027 لغزو تايوان، وفقاً لما ذكرته "وول ستريت جورنال".

ومع ذلك، تتمتع كوريا الجنوبية واليابان بروابط تجارية واقتصادية قوية مع الصين، مما يحد من استعدادهما للانحياز علانية ضد بكين، لكن روب رابسون، وهو دبلوماسي أميركي متقاعد خدم لسنوات في كوريا الجنوبية واليابان يرى أنه على رغم أن القمة تقدم رسالة قوية وانطباعاً بأن الولايات المتحدة لديها أصدقاء أكفاء جداً، إلا أن هناك قيوداً تشمل تقنين عناصر التنسيق والتعاون العسكريين في تايوان، شريكة الولايات المتحدة التي تهدد بكين بضمها بالقوة.

بكين وموسكو

ترى الباحثة في معهد الولايات المتحدة للسلام كيمي أديوالور، أن الصين وروسيا وكوريا الشمالية لن تكون أي منهما راضية عن القمة ولكن لأسباب مختلفة، فبالنسبة إلى كوريا الشمالية، تعزز القمة تصورها بأن الولايات المتحدة تريد تطوير تحالف عسكري شبيه بحلف شمال الأطلسي "الناتو" في المنطقة معاد لمصالح بيونغ يانغ الأمنية، وقد تحفز القمة قيام كوريا الشمالية بتجارب الصواريخ بعيدة المدى، أو الدعوة إلى مزيد من العروض للوحدة مع والصين وروسيا، كما شوهد في أواخر يوليو (تموز) الماضي عندما انضم وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني لي هونغ تشونغ إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون في عرض عسكري في بيونغ يانغ للاحتفال بالذكرى السبعين لانتهاء الحرب الكورية، المعروفة هناك بيوم النصر.

 

 

غير أن بكين تنظر إلى تعزيز التحالفات الأميركية في المنطقة على أنها مناهضة للصين، إذ تريد من حليفي الولايات المتحدة السعي إلى حكم ذاتي استراتيجي من خلال وضع سياساتهما لأنفسهما، بدلاً من اتباع أميركا، كما تنظر بعين القلق إلى التعاون بين دول قمة كامب ديفيد لمساعدة الشركاء الإقليميين في مجموعة دول الآسيان، إضافة إلى دول جنوب شرقي آسيا وجزر المحيط الهادئ.

استمرار التعاون

على رغم القمة التاريخية والتأثير الموحد بين طوكيو وسيول نتيجة إطلاق صواريخ كوريا الشمالية، فإن العلاقات بين البلدين لا تزال معقدة لا سيما بالنظر إلى الشعور العام في كوريا الجنوبية الذي يرى أن تعاملات يون مع طوكيو هي استسلام من جانب واحد للعلاقات التي تم إصلاحها، كما أن عدداً من ضحايا العمل القسري خلال احتلال اليابان لكوريا، المعترف بهم من قبل المحكمة العليا في كوريا الجنوبية يواصلون رفع قضايا تعويضات، وليس من الواضح ما إذا كانت المحكمة ستسمح لهؤلاء بالحصول عليها من خلال أصول الشركات اليابانية، لأنه إذا حدث ذلك، إما في ظل ولاية يون أو خلال فترة رئاسة كوريا الجنوبية المستقبلية التي هي أكثر تحيزاً لمخاوف الضحايا، فإن العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية قد تتعثر بسرعة مرة أخرى.

إدارة بايدن لاتزال تأمل أن يخلق إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات في شكل ثلاثي هيكلاً داعماً للعلاقات التي تمضي قدماً، حتى لو تحولت الرياح السياسية داخل سيول أو طوكيو في اتجاه مختلف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير