ملخص
منظمة "إيكواس" ترفض إعلان الانقلابيين في النيجر فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات و"يونيسف" تحذر من أوضاع مليوني طفل في البلاد
رفضت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، إعلان الانقلابيين في النيجر فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، وفق ما أعلنه مسؤول رفيع المستوى في المنظمة الإقليمية، اليوم الإثنين.
وكان قائد الانقلاب الجنرال عبدالرحمن تياني الذي تولى السلطة بعد إطاحة الجيش الرئيس محمد بازوم في 26 يوليو (تموز)، أعلن في نهاية الأسبوع مرحلة انتقالية لا تتجاوز ثلاث سنوات.
وألقى تياني خطابه المتلفز أول من أمس السبت، بعد أن زار وفد من "إيكواس" النيجر في خطوة دبلوماسية قد تكون الأخيرة قبل حسم المنظمة قرارها التدخل عسكرياً لاستعادة النظام الدستوري في هذا البلد.
وقال مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن في المنظمة عبدالفتاح موسى في تصريحات لقناة "الجزيرة"، اليوم الإثنين، إن "الفترة الانتقالية التي تستغرق ثلاث سنوات غير مقبولة"، مضيفاً "نريد استعادة النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن".
وفي خطابه السبت، اتهم تياني الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالاستعداد لمهاجمة بلاده من خلال "تشكيل قوة احتلال بالتعاون مع جيش أجنبي" لم يحدده.
وقال قائد الانقلاب "إذا شن هجوم ضدنا، فلن تكون تلك النزهة التي يبدو أن البعض يعتقدها".
ويرى قادة "إيكواس" أنه يتعين عليهم التحرك بعد أن أصبحت النيجر رابع دولة في غرب أفريقيا تشهد انقلاباً عسكرياً منذ عام 2020، بعد بوركينا فاسو وغينيا ومالي.
ووافقت المنظمة الإقليمية أخيراً على تفعيل "قوتها الاحتياطية" استعداداً لاحتمال التدخل عسكرياً في النيجر، لكنها ذكرت أنها تفضل السبل الدبلوماسية لحل الأزمة.
ولم تعلن "إيكواس" موعداً للتدخل المحتمل أو أي تفاصيل بشأنه.
وفاقم الانقلاب المخاوف الدولية بشأن عدم الاستقرار في منطقة الساحل التي تواجه حركات تمرد إرهابية متزايدة مرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش".
استراتيجية بازوم
منذ انقلاب 26 يوليو في النيجر، الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد بازوم، شهدت البلاد هجمات دامية عدة، لكن محللين حذروا من التسرع في تفسير المعلومات الضئيلة المتوفرة في شأن الوضع الأمني.
فور وصولهم إلى السلطة، برر العسكريون انقلابهم الذي أطاح الرئيس بازوم بـ"تدهور الوضع الأمني" في البلاد. وهذا التصور يتقاسمه قسم من سكان النيجر، لكن يبدو أن الأرقام تناقضه.
ففي الأشهر الستة الأولى من عام 2023، تراجعت الهجمات على المدنيين 49 في المئة مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2022، كما تراجع عدد القتلى 16 في المئة، وفقاً لمنظمة "اكليد" غير الحكومية التي تحصي ضحايا النزاعات حول العالم.
سلط مراقبون وشركاء غربيون، لا سيما فرنسا حليفة النظام المخلوع التي لا تزال تنشر 1500 جندي في النيجر، الضوء على هذه النتائج المشجعة.
ونسب هذا التحسن جزئياً إلى الاستراتيجية التي طبقها بازوم لمحاربة الجماعات الإرهابية، وهي فريدة في منطقة الساحل.
في حين ينفذ العسكريون الحاكمون في كل من مالي وبوركينا فاسو عمليات "لمكافحة الإرهاب" تلحق خسائر فادحة بالمدنيين، واختارت النيجر سياسة "اليد الممدودة".
وأبرمت في هذا السياق اتفاقات سلام بين مجموعات السكان ونفذت مشاريع تنموية وأجرت مفاوضات مع قادة الجماعات المسلحة، وفق استراتيجية اعتبرها الشركاء الغربيون واعدة، لكنها تعرضت لانتقادات في النيجر لا سيما في صفوف الجيش.
المناطق الحمراء
يختلف مفهوم الأمن باختلاف الواقع، وأعرب سبعة من كل عشرة من سكان النيجر (72 في المئة) ارتياحهم لتطور الوضع الأمني في بلادهم، وفق استطلاع لـ"أفروبارومتر" أجري في يونيو (حزيران) 2022.
وكان سكان المناطق الريفية المتأثرين بشكل مباشر بأعمال العنف، أكثر ارتياحاً من سكان المدن (78 في المئة مقابل 47 في المئة)، وفقاً لهذا الاستطلاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى الباحث في مختبر الدراسات والأبحاث حول الديناميات الاجتماعية والتنمية المحلية (لاسديل) في نيامي، مهامان تاهيرو علي باكو، أن "سكان المدن أكثر إلماماً بالسياسة ولديهم إمكانات أفضل للوصول إلى المعلومات، وكلما ارتفع مستوى المعيشة أعطيت أهمية اكبر للمسائل الأمنية والصحية".
وأضاف باكو، الذي شارك في استطلاع أفروبارومتر، أن هذا الاستطلاع لم يجر في المناطق المصنفة "حمراء"، حيث ينعكس الوضع الأمني بصورة مباشرة على السكان، وذلك لضمان سلامة المحققين.
ومهامان باكو واحد من القلائل الذين تمكنوا أخيراً من الوصول إلى المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية عند أطراف النيجر ومالي وبوركينا فاسو، لكنه أشار إلى أن "الهجمات الأكثر توثيقاً هي تلك التي تنفذ على رموز الدولة أو الهجمات النوعية، لكن بسبب انتشار الأسلحة وقطاع الطرق فإن أعمال العنف تكاد تكون يومية".
علاوة على ذلك فإن عدد الهجمات والضحايا لا يعكس بالضرورة الشعور بانعدام الأمن الذي تنشره الجماعات المتطرفة التي تمارس شكلاً من أشكال السيطرة غير المباشرة يمتد أحياناً إلى مناطق بعيدة جداً من قواعدها.
حكم غير مباشر
أما الباحثة في مركز "فرانكو بيه" لحل النزاعات وبعثات السلام، تاتيانا سميرنوفا، فتذكر أن "العنف الواضح الذي كان يتراجع لا يعني بالضرورة أن الأشخاص يعيشون حياة أفضل، فلا تزال تفرض الضرائب وحتى إذا انخفض عدد الهجمات، فإن تأثير الجماعات المسلحة ينتشر داخل النيجر".
ويقول المدير الفخري للأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي والباحث في لاسديل، جان بيار أوليفييه دو ساردان، إن الإرهابيين "لا يسعون للاستيلاء على السلطة الرسمية، بل يمارسون شكلاً من الحكم غير المباشر والسيطرة الاجتماعية على مناطق واسعة".
وهو نفوذ يترجم بصورة خاصة بإغلاق المدارس الابتدائية والثانوية في منطقة الساحل.
تم إغلاق نحو 890 مدرسة في أغسطس (آب) 2022 بسبب انعدام الأمن في مناطق النيجر الأربع الأكثر تضرراً من الهجمات منها تيلابيري، وفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وفي مايو (أيار) الماضي، أشارت وزارة التعليم في النيجر إلى أن أكثر من 900 مدرسة لم تعد تعمل في منطقة تيلابيري وحدها.
أدت اتفاقات السلام بين المجموعات السكانية المحلية إلى انخفاض ملحوظ في أعمال العنف في بعض المناطق بحسب المحللين والأرقام المتوفرة، لكن مناطق أخرى شهدت تصاعد وتيرة الحوادث.
وتضاف الهجمات الإرهابية إلى نزاعات محلية يجعل تنوعها من الصعب اعتماد توجه عام.
من دائرة إلى أخرى، "تختلف الديناميكيات وكذلك المجموعات والنزاعات" على حد قول تاهيرو علي باكو.
ويضيف "من الخارج، يميل الجميع إلى اعتبار أن جميع الأوضاع هي نفسها، لكن في الواقع ليست متجانسة".
تحذيرات "يونيسف"
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، اليوم الإثنين، أن أكثر من مليوني طفل "في حاجة لمساعدة إنسانية" في النيجر، موضحة أنه قبل الانقلاب كان هناك في البلاد "1,5 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون سوء تغذية، بينهم ما لا يقل عن 430 ألف طفل يعانون أكثر أشكال سوء التغذية فتكاً".
وبحسب المنظمة الإغاثية الأممية فإن هذه الأعداد قد ترتفع "إذا استمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، وضرب ركود اقتصادي العائلات والأسر والمداخيل".
كما حذر البيان من أن "الانقطاعات في التيار الكهربائي"، وهي آفة مزمنة في النيجر زادتها استفحالاً العقوبات التي فرضتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" على هذا البلد إثر الانقلاب، تؤثر في سلسلة التبريد ويمكن أن تضر بفاعلية "لقاحات الرضع" المخزنة في المنشآت الصحية.
ولفتت "يونيسف" في بيانها إلى أنها "تواصل تقديم مساعدات إنسانية للأطفال في جميع أنحاء البلاد"، منبهة إلى أن لديها مساعدات للنيجر عالقة على المعابر، لا سيما عند الحدود مع بنين.
وأطلقت المنظمة الأممية "نداءً عاجلاً" إلى "الجهات الفاعلة" في هذه الأزمة لضمان وصول العاملين في المجال الإنساني والإمدادات الإنسانية إلى النيجر.
كما طلبت من الجهات المانحة استثناء الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية من العقوبات، والنيجر هي واحدة من أفقر دول العالم وتعتمد اقتصادياً على دول أجنبية.
وزادت اقتصاد النيجر تردياً الهجمات التي تشنها جماعات إرهابية في غرب البلاد وجنوبها الشرقي.