ملخص
لجوء السلطات الهندية إلى "عدالة الجرافات" بشكل تعسفي يترك خلفه الكثير من الضحايا الأبرياء عدا عن كونها طريقة "مثيرة للجدل" لدرء المجرمين أو معاقبتهم
عندما اندلعت أعمال شغب ذات طابع ديني في إحدى مناطق الهند الشهر الماضي، أقدم أنيس خان - وهو أب مسلم لثلاثة أطفال - على خطوة لم تكن متوقعة في بلدته، عندما فتح منزله لتوفير مأوى لمجموعة من الرجال الهندوس كانوا يفرون للنجاة بحياتهم.
لكن ما قام به من عمل رحيم لم يشفع به، فبدلاً من أن يتلقى مكافأة، يقول خان إنه تعرض للعقاب. وعندما أعلنت السلطات المحلية في بلدة نوح في ولاية هاريانا عن حملة هدم استهدفت المنطقة التي انطلقت منها شرارة أعمال العنف، ودمرت في طريقها المنزل نفسه الذي كان ملاذاً خلال تلك الفترة المضطربة.
الصدامات بدأت في الحادي والثلاثين من يوليو (تموز) الفائت، عندما مر موكب ديني تقف خلفه منظمة هندوسية متشددة، عبر أحد أحياء بلدة نوح حيث يعيش عدد من المسلمين. وتصاعدت التوترات ما أدى إلى اندلاع حرائق في عدد من السيارات والمتاجر والمساجد، وامتدت أعمال العنف إلى مدينة غوروغرام الكبيرة المجاورة للعاصمة الهندية دلهي. وبحلول نهاية تلك الليلة، فقد 6 أشخاص حياتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما تلا ذلك تمثل في رد فعل تُرجم في إجراءات اتخذتها السلطات الهندية في جميع أنحاء البلاد التي يتولى الحكم فيها حزب "بهاراتيا جاناتا" - فبدلاً من انتظار إلقاء القبض على مثيري الشغب الذين يشتبه بتورطهم في التحريض على أعمال العنف، والمضي قدماً في محاكمات طويلة قد تغرق في مستنقع النظام القضائي الهندي البطيء للغاية، جرى اللجوء إلى ما يسمى "عدالة الجرافات"، من خلال إرسال فرق هدم إلى الحي ذي الغالبية المسلمة حيث اندلعت الاشتباكات.
ومن بين أنقاض المنزل المدمر، يقول خان لـ "اندبندنت" إن المبنى الذي شيد حديثاً لم يكن "يتعدى" على أراض عامة كما زعمت السلطات، وإن جميع وثائقه سليمة. وأكد أنه - حتى سماعه هدير الجرافات وهي تصل إلى عتبة منزله - "لم يكن قد تلقى أي إشعار مسبق" من الحكومة بارتكابه انتهاكاً أو مخالفة ما.
التوتر كان سيد الموقف طيلة اليوم الذي نظمت فيه المسيرة في بلدة نو، وسرت إشاعات بأن مونو مانيسار كان من بين المشاركين فيها، وهو هندوسي يميني، مطلوب بتهمة قتل اثنين من المسلمين، بحجة حماية بعض الأبقار (التي تعد مقدسة في ديانته).
يقول خان مستذكراً ليلة اندلاع أعمال الشغب: "كنت داخل منزلي. وفي الواقع، قمنا بإيواء ثلاثة رجال لحمايتهم من العنف. كانوا يهربون للنجاة بحياتهم عندما طلبوا منا أن نستقبلهم. لا أعرف ما إذا كانوا ينتمون إلى مجموعة معينة، لكنهم كانوا من الهندوس، ولجأوا إلينا بعد انطلاق أعمال العنف خلال مرور الموكب الذي كانوا يشاركون فيه".
ويضيف: "قمنا بإطعامهم، وبعد نحو أربع أو خمس ساعات أوصلتهم أيضاً (بأمان) إلى أحد بيوت الضيافة".
كل ما تبقى من منزل خان بعد عملية الهدم، هو سقف يرتكز على جذوع خشبية عدة. أما أعمدته الرئيسة وجدرانه الأمامية والجانبية فقد اختفت جميعها.
ويوضح خان أنه عندما جرى تدمير منزله في الخامس من أغسطس (آب) الجاري، كان هو بعيداً عنه في ولاية راجاستان المجاورة. وقال إن "الأشخاص الذين قمنا بإيوائهم هم الذين أبلغوني بأن المسكن يتعرض للجرف. وقد أبلغوا [الشرطة] أيضاً بأنني لم أشارك في أي أعمال عنف".
وأضاف "كنت لأتقبل الأمر لو أنني ارتكبت خطأً ما. [لكن] الحكومة تقوم بجرف حتى منازل الأشخاص الذين ينقذون الأرواح. أي نوع من العدالة يُطبق هنا؟".
وطُبقت للمرة الأولى نهج "العدالة بالجرافات" على يد يوغي أديتياناث، وهو راهب هندوسي متشدد أصبح في ما بعد زعيماً لولاية أوتار براديش. وقد أكسبه استخدام الآلات الثقيلة في فرض القانون وهيبة النظام - لتدمير ممتلكات المجرمين ورجال العصابات في الولاية - لقب "بابا بلدوزر". ومنذ ذلك الحين أصبحت أعماله رمزاً لقوته السياسية حتى أنها تبوأت مكانةً واضحة في خطاباته الانتخابية.
وانتشر هذا النموذج في ولايات أخرى يحكمها حزب "بهاراتيا جاناتا" بما فيها ماديا براديش وآسام، إضافةً إلى اعتماده من جانب السلطات البلدية في أجزاء من دلهي. وأشاد به أنصار الحزب باعتباره مؤشراً على اتخاذ السلطات إجراءات صارمة ضد الجريمة.
ويرى المنتقدون أن هذا النهج جرى اللجوء إليه في الماضي لاستهداف أقليات بشكل غير عادل أو متناسب، وحرمان المتورطين من حقهم في الاحتجاج ومن فرصة الدفاع عن براءتهم، كما رأينا في قضية خان. وقد انتقد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق على اختياره الجلوس في قمرة قيادة آلية بولدوزر من طراز "جي سي بي" JCB، خلال زيارة رسمية قام بها للهند في أبريل (نيسان) من العام السابق، باعتباره [خطوة] "عديمة الإحساس" في سياق الظروف المحلية.
وفي بلدة نو، تحولت جوانب الطريق السريع الذي يربط دلهي بألوار - التي كانت تعج بالمحلات التجارية والأكشاك المزدحمة - إلى كوم من الحطام. وتقول السلطات المحلية إنه جرى هدم 443 مبنى وتسويتها بالأرض، منها 162 كانت تعد من المباني الدائمة.
ونتيجةً لهذا الواقع، لجأ عدد من الأسر إلى المحاكم بعد تدمير منازلها، قائلةً إن الإجراءات القانونية السليمة والواجبة لم تتبع، وأن أصحاب المتاجر من المسلمين على وجه الخصوص استهدفوا بشكل غير متناسب.
وقد دفع ذلك بـ"المحكمة العليا" في ولايتي البنجاب وهاريانا إلى إثارة المسألة مع الحكومة، وقالت إن "هذه القضية تطرح أيضاً ما إذا كانت المباني التابعة لمجتمع معين، قد جرى هدمها تحت ستار مشكلة فرض القانون والنظام، وما إذا كانت السلطات تمارس من خلال ذلك تطهيراً عرقياً".
وفي مذكرة قدمتها السلطة في المنطقة إلى المحكمة، أقرت بأن عدداً أكبر من المسلمين قد تأثروا بما سمتها "حملة مكافحة التعديات". وقال ديريندرا خادغاتا، نائب مفوض بلدة نو، إن "عدد الأشخاص المتضررين من حملة الهدم، بلغ 354 فرداً، منهم 71 هندوسياً و283 مسلماً".
لكن الإفادة الخطية التي قدمها خادغاتا تشير إلى أن ذلك حصل ببساطة نتيجة كون نوح منطقة ذات غالبية مسلمة. وجاء فيها أيضاً أن "الحكومة، لم تقم أبداً - أثناء إزالة التعديات والإنشاءات غير المرخصة - باعتماد سياسة الانتقاء والاختيار... [على أساس] الطائفة أو العقيدة أو الدين".
وبينما تدحض الحكومة مزاعم استهداف الأقليات من خلال حملة الهدم، يرى منتقدوها أن توقيت اختيار نوح بعد فترة وجيزة من أعمال الشغب، يشير إلى أنه قد لا يكون من قبيل المصادفة البحتة. وفي حديث لوزير داخلية ولاية هاريانا أنيل فيج، بعد فترة وجيزة من الاشتباكات التي وقعت في الحادي والثلاثين من يوليو (تموز)، كشف أن سلطات الولاية قد تفكر في هدم منازل المشتبه في تورطهم في أعمال العنف، قائلاً: "إن الجرافة هي جزء من العلاج".
نواب شيخ الذي تدير عائلته مجموعةً من 18 متجراً مبنيةً على أرض يملكها في قرية نالار، تبعد نحو ميل (1.6 كيلومتر) عن وسط مدينة - وقد جُرفت بالكامل في وقت سابق من هذا الشهر – يقول إن "الإدارة المحلية تلجأ إلى تدمير الممتلكات وجرفها إرضاءً لفئة معينة من الناس. إنها سياسة استرضاء".
وقال لـ "اندبندنت"، "لم أتلق إشعاراً أو أي شيء من هذا القبيل. كان هناك كثير من مسؤولي الإدارة. قدمت لهم مستنداتي، لكنهم لم يستمعوا إلي. وقاموا بدلاً من ذلك، باحتجازي في مركز الشرطة إلى حين انتهاء عملية الهدم".
وأضاف شيخ: "إذا كان (متجري) غير قانوني، إذاً يجب اعتبار كل شيء، من بلدة نوح إلى هنا، غير قانوني. لم يقوموا بإزالة محلات تجارية أخرى. لقد بنيت عقاراتي على الأرض التي أملكها، وهي موجودة منذ عقد من الزمن. لماذا لم تُجرف آنذاك، ولماذا يحدث ذلك الآن؟".
ولدى سؤاله عما إذا كان يشعر بأن هناك استهدافاً لفئة معينة من المجتمع، أجاب: "بالطبع! هذا هو الواقع. لقد اندلع الصراع برمته نتيجة تساهل الحكومة".
وتابع يقول: "يجب أن نعترف بالأخطاء عندما تحدث. كما يجب أن يلقى الأشخاص الذين ارتكبوا جريمة عقابهم. نحن جميعاً نسعى إلى تحقيق السلام في المدينة". وتساءل في الوقت الذي كان يلقي فيه نظرة على حطام متاجره: "لكن كيف يمكن تفسير هذا؟".
إضافةً إلى حملة الهدم، قُبض على نحو 242 شخصاً بعد وقوع أعمال شغب، وسطرت الشرطة قرابة 60 لائحة اتهام منفصلة.
ويلفت محمد إنام إلى أن أربعة من أشقائه كانوا من بين المعتقلين، على رغم أن أحدهم كان في مدينة أغرا لزيارة تاج محل في تلك الفترة. ويقول إن لدى العائلة صوراً سياحية، إضافةً إلى تذكرة دخول مختومة بالوقت، إلى أكثر المعالم السياحية شهرةً في الهند، تثبت مكان وجوده أثناء تصاعد العنف.
ويقول إنام إنه "في الثاني من أغسطس (آب)، جاءت الشرطة وألقت القبض عليه بحجة التورط في عملية رشق حجارة". ومنذ ذلك الحين، ظل إنام يحمل نسخاً من هذه الوثائق في جميع أنحاء المدينة، بحثاً عن شخص قادر على المساعدة في قضيته".
ويضيف: "لقد سلمنا هذه الوثائق إلى مدير الشرطة، والتقينا به وبمسؤولين آخرين مرتين. لكن الجميع يقدمون لنا تأكيدات شفهية واهية، ولا تتخذ أي إجراءات. لا أعرف إلى من أتوجه لطلب المساعدة. إن زوجات أشقائي ووالدتي وأبناءهم، يسترسلون في البكاء. آمل فقط في أن نحصل على العدالة".
يشار إلى أن "اندبندنت" تواصلت مع مفوض الشرطة ناريندرا بيجارنيا للتعليق على قضية إنام، لكنه لم يستجب لطلبات عدة بإجراء مقابلة معه.
أما أنيس خان فيوضح أن أسرته المؤلفة من خمسة أفراد - هو وأطفاله الثلاثة وزوجته - تقيم الآن مع أقارب لها في ولاية راجاستان، التي تنحدر منها العائلة. ويقول: "كان أطفالي يشعرون بخوف. لذا، ذهبت بهم إلى القرية، كي يبقوا هناك إلى حين يهدأ الوضع".
وختم بالقول: "لا أعرف إلى أي مكان سأعيد أطفالي. إن بناء منزل يتطلب مبلغاً من الأموال التي يدخرها المرء طيلة حياته. لقد قاموا بهدمه بالجرافات، فإلى أين سنذهب الآن؟".
© The Independent