ملخص
تسابقت أوروبا في القرنين الـ18 الـ19 نحو أفريقيا لما مثلته من موارد وثروات وظفتها لحركة نهضتها
أخذ الصراع على منطقة القرن الأفريقي بعداً ثقافياً ودينياً وسياسياً متعدد الجوانب والأطراف، وكان التنافس الاستعماري خلال القرنين الـ18 والـ19 على أشده بين إيطاليا وبريطانيا العظمى وفرنسا على منطقة القرن الأفريقي، وعلى مدى ما يقارب الـ100 عام جاء إفراز الهيمنة والتدافع الاستعماري دولاً أفريقية منزوعة السلام في حدودها السياسية ومشكلاتها الإثنية والجغرافية.
فإلى أي مدى لاتزال تبعات الاستعمار الغربي ذات انعكاسات على دول وشعوب القرن الأفريقي؟
تنظيم المصالح
مثل مؤتمر برلين في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1884 حقيقة جهود القوى الكبرى في تنظيم السيطرة على القارة الأفريقية بأكملها، وتوزيع بلدانها في ما بينها، ويصف البعض نجاح ذلك المؤتمر كثمرة من ثمرات الدبلوماسية الأوروبية في تقسيم المنطقة وتغيير ملامح الخريطة السياسية لقارة أفريقيا بمجملها وفق المصالح الأوروبية بعيداً من التوائم الجغرافية لبعض المناطق.
ومن ثم كان المؤتمر نهاية القرن الـ18 تنظيماً للتدافع الاستعماري نحو القارة الأفريقية والحيلولة دون صراع حاد بين الأوروبيين.
ويوصف القرن الـ19 الذي أعقب ذلك بقرن "التوسع الاستعماري"، الذي تسابقت فيه أوروبا نحو أفريقيا لما مثلته من موارد وثروات وظفتها القارة العجوز في دعم تحولها الصناعي ونهضتها، وما كانت تشهده من تطور في مختلف مجالات الحياة، وأعطى النشاط الاستعماري المنظم الذي كان ينظر لتغذية الحركة الصناعية والكسب التجاري، انعكاساته على مناطق القارة الأفريقية، وتوزعت على الشكل الآتي:
منطقة النفوذ الفرنسي في بلدان شمال غربي أفريقيا وأفريقيا الغربية وأفريقيا الوسطى الاستوائية.
منطقة النفوذ البريطاني، وتشمل غامبيا وسيراليون وساحل الذهب ونيجيريا في غرب أفريقيا، إضافة إلى جنوب أفريقيا وشرقها وشمالها الشرقي.
منطقة النفوذ البلجيكي، وتشمل حوض نهر الكونغو بأكمله.
منطقة النفوذ الألماني، وتشمل توغو والكاميرون وجنوب غربي أفريقيا في الغرب، وتنجانيقا ورواندا وبورندي في شرق القارة.
منطقة النفوذ البرتغالي في غينيا البرتغالية (بيساو) وأنغولا وأفريقيا الشرقية (موزمبيق).
منطقة النفوذ الإسباني، الصحراء الغربية والريف وإيفني المغربيتين وغينيا الاستوائية.
منطقة النفوذ الإيطالي، وتضم ليبيا وأريتريا والصومال.
وهكذا تقاسم الأوروبيون معظم دول القارة الأفريقية التي تم توزيعها وتقطيعها، ورسمت بعد ذلك حدودها الاستعمارية بالتراضي من دون الأخذ في الاعتبار انسجام تضاريسها جغرافياً في بعض الدول، مما خلق لاحقاً كثيراً من المشكلات العرقية والبنيوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نصيب القرن الأفريقي
القرن الأفريقي في مفهومه السياسي الواسع يجمع دولاً هي كل من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وأريتريا وكينيا والسودان وأوغندا وجنوب السودان، ويشكل امتداداً جغرافياً في مفهومه الضيق يضم كلاً من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وأريتريا بنحو 1.9 مليون كيلومتر مربع، ويجمع كثافة سكانية تقدر بـ 125 مليون نسمة، ويتميز بأهمية جيوسياسية يستمدها من موقعه الشامل في منطقة شرق أفريقيا المتحكمة بمنابع النيل والمشرفة على مداخل البحر الأحمر وخليج عدن.
وشهد القرن الأفريقي تسابقاً استعمارياً حينما استولت كل من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا على معظم دوله، إذ سعت بريطانيا للسيطرة على البحر الأحمر ضمن مخططها لتأمين خطوط الإمداد مع الهند، ويشير مراقبون إلى أن هذا الهدف تجلى أكثر مع افتتاح قناة السويس عام 1869. ويشار إلى منافسة إيطاليا خلال ثمانينيات القرن الـ19 القوى الأوروبية الأخرى في القرن الأفريقي، وفي عام 1895، هاجمت إيطاليا الحبشة لينتهي الهجوم بهزيمتها في معركة عدوة عام 1896 بدعم روسي وفرنسي لإثيوبيا.
ولكن إيطاليا استطاعت عام 1936، ضم أراضي الصومال الإيطالي إلى دولة أفريقيا الشرقية الإيطالية، باعتبارها جزءاً من الإمبراطورية الإيطالية، واستمر الوضع حتى عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، لتظل مستعمرة أرض الصومال الإيطالي بهذا الاسم حتى نهاية الصراع.
من جهتها، استولت فرنسا عام 1884 على تاجوري حاضرة سلطنة الدناكلية، ووقع ليون لاغار مدير مستعمرة أوبوك اتفاقاً مع قبيلة عيسى الصومالية بغرض فرض الحماية على الأراضي الصومالية الجيبوتية عام 1885، كذلك أصبحت مدينة جيبوتي ضمن نطاق المستعمرة الفرنسية عام 1888 لتصبح العاصمة لاحقاً.
وتقول الباحثة داليا سعد الدين في ما يتعلق بتنافس القوى الدولية في القرن الأفريقي والتناقضات في سبيل المصالح وأثرها في الحدود السياسية للدول، "كانت الحكومة البريطانية تسعى لإرضاء إمبراطور إثيوبيا منليك الثاني لضمان عدم دعمه للحملة الفرنسية بقيادة (مارشان) في القرن الأفريقي، وصد أطماع فرنسا في منطقة أعالي النيل بالسودان. ولأجل ذلك ولتبرير الحملة العسكرية ضد المهديين، غضت بريطانيا الطرف عن التوسعات الإثيوبية في المناطق الحدودية للسودان، الذي كان مستعمرة في السابق لها قبل سيطرة الدراويش".
تبعات الاستعمار
عصام عبد الشافي أستاذ العلاقات الدولية، يقول عن تبعات الاستعمار وأثره في شعوب القرن الأفريقي "ما زالت دول القرن الأفريقي تعاني من تبعات الاستعمار الأوروبي لأراضيها في القرنين الـ19 والـ20، وعلى رغم حصولها على استقلالها، إلا أن هذا الاستقلال تبعته أثار شتى من نقص السيادة وما لحقه من انعكاسات، ليستمر هذا الاستقلال شكلياً، في ظل التحديات البنيوية التي عانت وما زالت تعاني منها هذه الدول حتى اليوم".
ويتابع "ومن التحديات الواضحة التي تعانيها دول القرن الأفريقي وتمثل سبباً جوهرياً في عدم الاستقرار، هي قضية ترسيم الحدود، فلا توجد دولة من دول المنطقة إلا ولديها صراعات حدودية مع دول جوارها، الصومال مع كينيا، وكينيا مع أوغندا، والصومال مع إثيوبيا، وإثيوبيا مع السودان، وغيرها، بل إن هناك صراعات حدودية داخل الدولة الواحدة، وما يفرزه ذلك من نزعات انفصالية، كما يحدث حالياً في الصومال وإثيوبيا والسودان".
ويضيف "مخلفات الاستعمار مرتبطة أيضاً بتحد آخر أكثر خطورة، وهو صراع الهويات بين سكان دول المنطقة، أمام تعدد القوميات والقبليات والعرقيات، وتقسيم هذه القبليات العابرة للحدود السياسية، الذي ترتب عليه حالة من عدم الاستقرار السياسي المستدامة، بسبب سياسات التمييز والإقصاء وتدهور معدلات العدالة السياسية والاقتصادية والقانونية بين مختلف المواطنين، بل وتردي الخدمات العامة في كثير من المناطق". ويعتبر عبد الشافي أن ما "يضاعف من خطر هذه التحديات فشل كثير من السياسات التنموية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة التي يرتبط أغلبها بامتدادات خارجية، كان من شأنها تغليب سياسات تصدير المواد الخام على حساب التصنيع، فأصبحت دول المنطقة بؤراً للتنافس الخارجي على ثرواتها ومواقعها الاستراتيجية، سواء كان هذا التنافس مباشراً أو عبر حلفاء وشركاء محليين".