Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حافظ الثنائي الشيعي على إرث موسى الصدر أم استغلوه؟

ماذا بقي من نهجه في ذكراه الـ 45؟

 "إرث موسى الصدر تم القضاء عليه إلى حد كبير من رافعي لوائه زوراً" (أ ف ب)

ملخص

لبنانية حركة "أمل" تتراجع لمصلحة تسليم قيادتها مقاليد السلطة إلى "حزب الله"

على رغم مرور 45 عاماً على اختفاء الزعيم السياسي ورجل الدين الشيعي اللبناني موسى الصدر، إلا أن قضية اختفائه لا تزال لغزاً غامضاً، ولم يتم التوصل إلى نتيجة قطعية حول مصيره ومصير رفقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.

وكان الصدر  شوهد للمرة الأخيرة في الـ 31 من أغسطس (أب) 1978 صحبة رفيقيه أثناء زيارتهما العاصمة الليبية طرابلس، وكان الإمام الصدر مؤسس حركة "أمل" وصل إلى ليبيا في زيارة للمشاركة في احتفالات "ثورة الفاتح من سبتمبر" التي أوصلت الرئيس الليبي معمر القذافي إلى السلطة عام 1969، بصحبة مساعديه الشيخ يعقوب والصحافي بدر الدين، وتمت استضافتهم في فندق الشاطئ بطرابلس، وأعلنت السلطات الليبية حينها أن الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس مساء الـ 31 من أغسطس على متن رحلة للخطوط الإيطالية متوجهة إلى روما، وعثرت السلطات الإيطالية في ما بعد على حقائب الصدر والشيخ يعقوب في فندق "هوليداي إن" بروما.

 

وانتهت تحقيقات القضاء الإيطالي إلى قرار المدعي العام في روما عام 1979 حفظ القضية بعد أن تأكد أن الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الإيطالية، وعلى رغم مرور 45 عاماً على حادثة اختفاء الصدر إلا أن مريديه وجمهوره من الطائفة الشيعة في لبنان ينتظرون جلاء الحقيقة وعودته، على رغم أنه كان في الـ 50 من عمره عندما اختفى.

جديد ملف الاختفاء

وكان القضاء اللبناني تسلم رسالة من وزيرة العدل الليبية حليمة عبدالرحمن في الـ 26 من أغسطس الجاري تبدي فيها استعداداً لطرح ملف هنيبعل القذافي على طاولة التفاوض، وتقديم التعاون القانوني والإنساني توصلاً إلى حل يفضي لإطلاق سراح هنيبعل المسجون منذ ديسمبر (كانون الأول) 2015 في أحد السجون اللبنانية "بتهمة إخفاء معلومات"، وفقاً لمصدر مسؤول متابع لملف قضية اختفاء الصدر في حديث سابق إلى "اندبندنت عربية"، والذي اعتبر "أن هنيبعل ليس متهماً بإخفاء معلومات وحسب، بل متهم أيضاً بالمسؤولية عن مصير الصدر ورفيقيه".

من جهة أخرى رأى مصدر قضائي معني بملف القذافي الابن أن الرسالة الليبية "لم تبد أية رغبة في كشف مصير الصدر ورفيقيه، وكأن المطلوب تعاون لبناني بلا مقابل"، وفق ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط".

وفي السياق وجه سيف الإسلام القذافي أول من أمس الأربعاء رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وذلك رداً على استمرار احتجاز شقيقه هنيبعل ورفض مطالب الإفراج عنه، وكتب سيف القذافي في الرسالة التي نشرتها وسائل إعلام محلية "ليبيا ستنهض من كبوتها وستزأر زأرتها التي تعلمون، وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

من هو موسى الصدر؟

ولد موسى صدر الدين عام 1928 في مدينة قم بإيران، وهناك قضى معظم سنوات طفولته وشبابه والتحق بكلية الحقوق في جامعة طهران عام 1950 بالتزامن مع دراسته وتدريسه في الحوزة حتى نال شهادة جامعية في الحقوق الاقتصادية عام 1953، وبعد وفاة والده عام 1954 توجه إلى العراق وبقي فيه حتى عام 1959، وقدم إلى لبنان للمرة الأولى عام 1955، ثم عاد للنجف لمتابعة تحصيله العلمي ثم مرة جديدة إلى لبنان عام 1960، حيث أسس عام 1969 "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" وانتخب رئيساً له، وفي عام 1974 أسس "أفواج المقاومة اللبنانية" المعروفة بحركة "أمل" واستقر في مدينة صور اللبنانية، وعمل على الاهتمام بالمكون الشيعي في أنحاء لبنان كافة، فأسس عشرات الجمعيات الخيرية.

"البعد من السلاح"

وكان للإمام الصدر جهود واضحة مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، إذ عمل على إقامة جسور حوارية بين الطوائف المتناحرة وشكل مع مجموعة من اللبنانيين ما عرف باسم "لجنة التهدئة الوطنية"، ولما فشلت في وقف الاقتتال الدائر قام بالاعتصام في مسجد "الصفا" وامتنع من الطعام والشراب أياماً عدة، لينهي الاعتصام بعد تأليف الحكومة التي أخذ منها وعداً بالعمل على إقامة المصالحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال في الخطبة الأولى خلال اعتصامه لإيقاف الحرب الأهلية في الـ 28 من (يونيو) حزيران 1975 "نحن نخشى أن ينفجر وطننا، نحن نخشى أن مؤامرة دولية تهدف إلى ضرب لبنان، نحن متخوفون من ذلك ولذلك لن نترك هذا المسجد وهذا الاعتصام إلا بوضع حد لكل ما يجري أو بوضع حد لحياتنا"، متابعاً "نحن أمامنا هذا الطريق ورجاؤنا الإسهام في نجاح هذه الخطة بالسلام وباللطف والبعد عن السلاح، وبالاعتصام وبالصبر والصمود حتى نتمكن من إنقاذ وطننا وإنقاذ جنوبنا".

كما شارك أيضاً في كثير من الفعاليات العالمية واشتهر باعتباره "صوتاً مسلماً" ينادي بالتقريب بين المذاهب والأديان المختلفة، ويدعو إلى إنهاء الصراعات الطائفية القائمة في شتى أنحاء العالم.

شيعة لبنان بين زمن موسى الصدر و"الثنائي الشيعي"

يقول الكاتب ورئيس تحرير موقع "جنوبية" علي الأمين "يفقد مصطلح الثنائية الشيعية معناه اليوم لمصلحة أحادية مسيطرة ومتحكمة ومقررة ترعاها إيران على كل المستويات، إذ يمكن القول إن إرث موسى الصدر تم القضاء عليه إلى حد كبير من رافعي لوائه زوراً، ويكفي أن يقال مثلاً إن اختطاف موسى الصدر من قبل معمر القذافي لم يشكل أية عثرة في مسار العلاقة الممتازة بين النظام الإيراني والليبي حتى لا نتبنى مقولة إن اختطاف الصدر كان سبباً من أسباب عمق العلاقة الليبية - الإيرانية في عهد القذافي والتي لم تهتز طوال حكمه".

ويتابع الأمين أن "اختفاء موسى الصدر في ليبيا كان بداية عملية اختطاف الشيعة اللبنانيين إقليمياً، ومنذ ذلك الحين بدأ النظام السوري بإحكام السيطرة عليها، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران دخل النفوذ الايراني إلى المشهد الشيعي وتقاسم لاحقاً مع النظام السوري النفوذ على الشيعة بقوة المال والسلاح، وأسهم في ذلك تصدع وطني عام جعل من الثنائي الشيعي، ’حركة أمل‘ و ’حزب الله‘ في موقع المتحكم بقوة إيران وسوريا على الشيعة اللبنانيين".

أما الصحافي والباحث حسن الدر فيعتبر أنه "مما لا شك فيه بأن الحكم على أتباع الإمام قياساً إليه فيه ظلم للطرفين، فالظروف تبدلت والتحديات تعددت وأدوات الحل والحرب اختلفت، والأهم أن ما يمتلكه الإمام من مواصفات وملكات ليست في غيره"، ويضيف أنه بالنسبة إلى ’أمل‘ و ’حزب الله‘ فهما ليس حزباً واحداً وإن اجتمعا على العناوين الاستراتيجية التي حددها الإمام الصدر، وهنا تكمن قوته والذي كتب بنود التحالف التكاملي بين ’أمل‘ و ’حزب الله‘ قبل ولادة الحزب بأعوام، وهذا دليل على بعد نظره وسلامة تشخيصه للمواقف وبنائه السليم عليها".

ويضيف، "حاول كثيرون الإيقاع بين الحركة والحزب وخصوصاً بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ومنذ ذلك اليوم بدأ مصطلح الثنائي بالتبلور وأخذ التحالف ينحو باتجاه التكامل الاستراتيجي درءاً للفتنة الداخلية، ثم جاء عدوان يوليو (تموز) 2006، ليعمق حلف الأخوة، فتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري حرباً دبلوماسية في موازاة الحرب العسكرية التي كان يقودها السيد حسن نصرالله، وأثمر هذا التناغم انتصاراً واضحاً اعترفت به إسرائيل وأنكره بعض اللبنانيين، ثم توالت الأحداث الدراماتيكية من السابع من مايو (أيار) 2008 إلى الحرب على سوريا وحراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، كان فيها الثنائي على موقف واحد باعتبارها أحداثاً مفصلية شكلت خطراً على الكيان اللبناني ومصير الطائفة الشيعية والمقاومة".

"استغلال لصورة الإمام الصدر"

وتوضح الباحثة وأستاذة علم النفس في "الجامعة اللبنانية" منى فياض "أنها ذات ميول يسارية، ولم تحبذ منهاج الإمام موسى الصدر وما كان يقوم به حينها"، وسألت "كيف جاء إلى لبنان ولماذا؟ إذ إنه يحمل الجنسية الإيرانية وأتى إلى العراق ومن ثم إلى لبنان وتزوج وأقام علاقات اجتماعية"، وتشير إلى أنه "بداية كان همه أن يرفع شأن الطائفة الشيعية، وخلال فترة زمنية معينة شجع على حمل السلاح، ولكن عندما تعرف على لبنان أكثر ومن بعد "اتفاق القاهرة" عام 1969 لتنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان وقبل اختطافه بفترة وجيزة، بدأ بتغيير خطابه وأصبح ضد العنف وأصبح يعترف بأن لبنان هو وطن نهائي، ونادى بالحوار والعيش المشترك". لكن من جهة أخرى فإن فياض ترى أنه عند ذلك "اختطف وقتل"، وتضيف "أما عن البدعة التي تتحدث بها ابنته (كانت السيدة مليحة الصدر قد صرحت أن كل المعطيات تؤكد أنه حي في ليبيا) على أنه لايزال على قيد الحياة وأصبح اليوم في الـ 95 من عمره، فهذا من باب إحياء أسطورة وتشبيهه بالمهدي المنتظر".

وتؤكد أستاذة علم النفس أنها "ليست ضد إحياء هذه الأسطورة شرط أن ينفذوا ويمارسوا نهج الإمام الصدر كما كان في أيامه الأخيرة"، وتوضح أن ما يقوم به "الثنائي" إنما هو استغلال لصورة الصدر بشعبوية واضحة، "إذ يقومون بانتقاء ما يناسب مصالحهم من أقواله للبقاء في السلطة والتحكم بالجماهير، وفي النهاية تصب أعمالهم في مصالح دول أجنبية مثل إيران".

ماذا يمثل الصدر كقيمة في الوجدان الشيعي؟

ويعتبر الكاتب علي الأمين "أن ترسيخ الهوية الوطنية للشيعة هو أبرز ما يبقى اليوم من موسى الصدر، وهو أبرز ما افتقده الشيعة اللبنانيون بسبب الانجراف الذي قاده ’حزب الله‘ كممثل لإيران نحو الولاء للقيادة الإيرانية، وأحدث خللاً وإرباكاً في المواءمة بين الهوية الوطنية للشيعة والولاء الإيديولوجي لإيران، وتبقى ’حركة أمل‘ متمايزة في هذا المجال باعتبارها تمثل مصالح الشيعة اللبنانيين في الدولة، لكن ذلك فقد تأثيره في ظل سياسة القضم والابتلاع السياسي لها من قبل ’حزب الله‘ ومن خلفه إيران، بحيث تبدو لبنانية ’حركة أمل‘ وكأنها تتراجع لمصلحة تسليم قيادتها مقاليد السلطة للحزب إلى حد كبير، وقد شكل الإمام موسى الصدر في الوعي اللبناني العام، ولا يزال، عنواناً بارزاً من عناوين الانخراط في مشروع الدولة، فمنذ سعى إلى تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عام 1967 كمؤسسة لبنانية رسمية تعنى بشؤون الطائفة الشيعية، كان يخوض بذلك معركة الاندماج الشيعي في إطار الدولة ومن باب العنوان اللبناني الطائفي، وهو ما سبب في حينه ردود فعل لدى فئات شيعية عدة ولأسباب مختلفة، منها أسباب تاريخية لها علاقة برفض مأسسة العنوان الديني الشيعي في مؤسسة تابعة للدولة، ومنها سياسي ناتج من قلق الزعامات الشيعية السياسية من نفوذ العنوان الديني داخل الدولة، وعلى رغم ذلك وفي معزل من أبعاد هذا النقاش الذي استمر في زمن الصدر، إلا أن ما قام به كان في جوهره إيماناً بالدولة وبمتطلبات الولاء الكامل لها من زاوية دينية ومذهبية، وبهذا المعنى يمكن ملاحظة أن الصدر دفع ثمن إيمانه بلبنان الدولة، فهو لم يستسغ مشروع ولاء خارجي إذ لم يعرف عنه أنه والى دولة أو محوراً أو حاول الانخراط في اصطفافات الحرب عام 1975، بل وقف ضدها واعتصم ضد الحرب في مسجد الصفا في بيروت عام 1976 في موقف شهد تعاطفاً لبنانياً وإن لم يوقف الحرب".

وعن هذا الأمر يعلق الكاتب حسن الدر أنه "لا شك في أن الإمام موسى الصدر شخصية استثنائية، فقد شكل في حضوره الوجيز على الساحة اللبنانية حالاً فريدة يصعب تكرارها، فهناك كثافة الحضور وقوة التأثير ووطنية الخطاب في زمن غلبت عليه مشاريع التقسيم والفدرلة وخطابات الانعزال والطائفية والعنصرية، ومن هنا نستطيع التأكيد أن الثنائي يقتفي أثر الإمام الصدر ويسير بتعاليمه، فالإمام كان شديد الحرص على وحدة لبنان وعيشه المشترك ومنع الفتنة والاقتتال الداخلي ومواجهة العدوان الصهيوني وتعظيم قوة المقاومة تحسباً لطبيعته العدوانية، ونسج أفضل العلاقات مع سوريا باعتبارها بوابة لبنان الوحيدة على العالم العربي"، مضيفاً "أنه لو كان السيد موسى الصدر بيننا لما حاد عن هذه العناوين، ولكن لو كان بيننا لكان لحضوره الاستثنائي وقع مختلف وتأثير آخر، ومن يتتبع سيرته وسلوكه ومقاربته للأمور يدرك ذلك بوضوح وموضوعية".

المزيد من تقارير