ملخص
الصحف المحلية تتساقط مثل الذباب – ومن المألوف إلقاء اللوم على "بي بي سي" وشركات التكنولوجيا الكبرى في التخلص منها. لكن الهيئة جزء من الحل، وليس المشكلة، بحسب رأي ألان رسبريدجر.
تخيلوا السيناريو التالي. الصحف الوطنية في بريطانيا تعاني مالياً، وتقرر، واحدة تلو الأخرى، أنها لم تعد قادرة على تحمل تكاليف التوظيف في مكاتب مكلفة في وستمنستر. وبذلك تلغى تغطية البرلمان والإدارة العامة حتى المستقبل المنظور.
الآن تخيلوا العواقب. فليرفع أيديهم جميع أولئك الذين يعتقدون بأن ديمقراطيتنا ستكون أقوى. لا، لا أظن. فليرفع أيديهم جميع أولئك الذين يعتقدون بأننا سنشهد موجة من الفساد والعقود المشبوهة والتعيينات المشكوك فيها والمخالفات المالية وعدم الكفاءة العامة والتهاون. حسناً، تماماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليست صحفنا، كما يعلم الله، مثالية. لكن عبارة "ضوء الشمس هو أفضل مطهر"، التي صاغها قبل 110 سنوات رجل القانون الأميركي البارز لويس برانديز، تصف أفضل ما تفعله – في أفضل حالاتها.
الآن، ما من خطر فوري بحدوث سيناريو كهذا في وستمنستر. لكن هذا يحدث بالفعل في كل مكان في البلاد إذ تعاني الصحف المحلية للبقاء، وتقلص على نحو كبير تغطيتها للمحاكم والمجالس البلدية والخدمات العامة ولجان التخطيط وغيرها كثير.
من يدري ما الفساد الذي يزدهر بسبب تخفيف الضوء الكاشف، أو وقفه تماماً؟ ما الرشاوى والمدفوعات غير المشروعة؟ ما صفقات التخطيط المشبوهة؟ ما الإدارة العديمة الفائدة للشرطة أو الخدمات الصحية؟ إن الوقت رائع ليكون المرء غير كفؤ أو كسولاً أو نصاباً – أو حتى الثلاثة معاً – وهو يشعر بأمان في ضوء استبعاد أن يجد نفسه محرجاً بعناوين رئيسة مربكة.
إن الانقراض الزاحف على أسماء الصحف المحلية – أقفلت نحو 400 صحيفة في المملكة المتحدة أبوابها في السنوات الـ14 الماضية – مأسوي. وعديد من الصحف التي نجت انضوت في تكتلات ذات إحساس حقيقي ضئيل بالمجتمعات المحلية التي تخدمها. و"دوامة موت" الأخبار في كل مكان: انخفاض في الإيرادات يساوي عدداً أقل من الصحافيين، مما يساوي منتجات أسوأ، وهذا يساوي عدداً أقل من القراء، مما يساوي انخفاضاً في الإيرادات، وهذا يساوي عدداً أقل من الصحافيين. حلقة مفرغة.
هل هناك أشرار يسهل اتهامهم؟ حسناً، يمكننا جميعاً مهاجمة شركات التكنولوجيا العملاقة، التي كانت بلا شك مسؤولة عن أكثر من 70 في المئة من تراجع الإعلانات التي كانت تبقي الصحافة المحلية على قيد الحياة. ضعوا جانباً مسألة ما إذا كان ينبغي على هذه الشركات دفع ثمن الارتباط بالأخبار السائدة أو الترويج لها أو استغلالها. تتلخص جريمتها الرئيسة في ابتكار طريقة للإعلان ذات تكاليف مناسبة أكثر. أهلاً بكم في الرأسمالية.
الجاني الآخر، المقترح في الأغلب – ليس أقله من أصحاب سلاسل الصحف – هو "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي). تفيد الحجة بأن الهيئة، إذا ابتعدت عن الأخبار المحلية، سيستعاد السلوك المتعقل، إلى جانب الأرباح.
هي شكوى تبدو معقولة، لكنها لا تصمد حقاً. لا تملك الولايات المتحدة شيئاً يشبه "بي بي سي" ولو من بعيد، ومع ذلك تعد صحفها المحلية في ورطة أكثر يأساً، فهي تموت بمعدل صحيفتين في الأسبوع. ومنذ عام 2005 تقريباً، أغلقت أكثر من ألفين و500 صحيفة أبوابها وفقد 30 ألف صحافي أو أكثر وظائفهم.
يتجاهل من يتمنون أن تختفي "بي بي سي" السبب الرئيس للمحنة التي تعانيها الصحف المحلية: إنه ما يتعلم طلاب الاقتصاد تسميته بـ"فشل الأسواق". بعبارات بسيطة، من الصعب على نحو متزايد إنشاء أعمال عبر القيام بعمل صحافي جيد.
أحدث صوت يحض "بي بي سي" على الانسحاب من العمل الإذاعي المحلي هو ماكس هاستينغز العظيم، في عمود مثير للإعجاب بخلاف ذلك كتبه في "التايمز" يدعو إلى مزيد من الاستثمار في "الخدمة العالمية" الخاصة بالهيئة. إنه محق في قيمة "الخدمة العالمية" – لكن في رأيي المتواضع، هو مخطئ تماماً في الإيحاء بأن العمل الإذاعي المحلي يجب أن يكون كبش محرقة.
يتعلم طلاب الاقتصاد أيضاً التحدث عن "البضائع العامة" – الخدمات التي تعتبر ضرورية لمجتمع جيد لكن السوق نفسها لا يمكن أن تدعمها. يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار الدفاع الوطني والشرطة الفاعلة وخدمة الإسعاف العاملة والهواء النقي.
يتعلق السؤال هنا بما إذا كانت التغطية الإخبارية الجادة لخدماتنا وهيئاتنا التمثيلية ومؤسساتنا ترقى إلى المصلحة العامة.
قد يكون من المفيد التفكير في دونالد ترمب. هل تتذكرون كيف شن، كرئيس، حرباً عاتية لتشويه سمعة الأخبار السائدة كلها، ولاسيما أخبار "النيويورك تايمز" المحترمة، باعتبارها "أخباراً مزيفة؟".
يعرف أننا نعيش في عالم من فوضى المعلومات حيث يعرف عدد متناقص من الناس ما يجب أن يصدقوه أو من على وجه الأرض يجب أن يثقوا به. وإذا كانت أخبار "النيويورك تايمز" مزيفة، دعوني أعرفكم على "فوكس نيوز". أو قد تصدقون حتى ما أقوله لكم أنا، دونالد ترمب. هكذا ينتهي بكم الأمر ببلد حيث لا يزال 70 في المئة من الجمهوريين وثلث الأميركيين على نحو عام لا يصدقون أن جو بايدن فاز في انتخابات عام 2020.
لذلك، نعم، من الصالح العام تماماً أن يكون لدى الناس إمكان الوصول إلى معلومات نظيفة موثوقة – تماماً كما يحتاجون إلى مياه نظيفة والحق في توقع وصول سيارة إطفاء إذا وقع حريق في مقلاة بمطبخهم.
اربطوا بين الأمرين. نحن بحاجة إلى مصدر للحقائق المتفق عليها عن الأشياء المهمة في مجتمعاتنا المحلية. تختفي الطرق القديمة للتمويل بسرعة، لذلك نحن بحاجة إلى إجراء محادثة عاجلة في ما سينجح في المستقبل. إذا كانت الأخبار تعتبر خدمة عامة، قد تبرز حاجة إلى شكل من أشكال الضرائب أو الإعانات لجعلها قابلة للاستمرار.
أوه، لحظة، لدينا بالفعل شيء يشبه ذلك: اسمه "بي بي سي".
لحسن الحظ، يبدو ريشي سوناك أقل هوساً بشن حرب على "بي بي سي" من بوريس جونسون أو ليز تراس أو نادين دوريس. أوصت مجلة "كيرنكروس ريفيو"، التي نظرت في مستقبل مستدام للصحافة قبل أربع سنوات، بإنشاء معهد لأخبار المصلحة العامة، يعمل بالشراكة مع "بي بي سي".
لم تصل هذه الفكرة إلى أي مكان حتى الآن. لكن عاجلاً أم آجلاً، سيعود إلى البروز السؤال المزعج عن ضمان أن يظل مجتمع ما حسن الاطلاع في عصر فوضى المعلومات. أنا متأكد من أن "بي بي سي" ستؤدي دوراً محورياً في أي حل.
لذلك، نعم، دعونا نمول "الخدمة العالمية" على نحو صحيح. ولا، لا تلغوا العمل الإذاعي المحلي لدى "بي بي سي". نحن بحاجة إلى كليهما – ربما أكثر مما ندرك.
ألان رسبريدجر محرر مجلة "بروسبكت" ومحرر سابق في "الغارديان" ومدير سابق لكلية الليدي مارغريت التابعة لجامعة أوكسفورد
© The Independent