ملخص
تباينت آراء المحللين والمراقبين بشأن الدافع وراء عدم الاستجابة لمطلب لبنان بضرورة تقييد حركة قوات "يونيفيل" بمرافقة الجيش اللبناني خلال جلسة مجلس الأمن لتمديد ولاية تلك البعثة.
نجحت الدبلوماسية الأميركية بتجاوز الطرح "اللبناني - الفرنسي" القاضي بوضع قيود على حرية الحركة والتجول لقوات حفظ السلام الدولية "يونيفيل"، في منطقة عملياتها بجنوب لبنان، مسايرة لـ "حزب الله"، حيث ضمنت الصيغة النهائية للقرار قدرتها للوصول بحرية إلى المواقع المشتبه فيها، ومنها ميادين الرماية والأنفاق التي بناها الحزب عبر الخط الأزرق.
وأكد مجلس الأمن في قراره على سلطة "يونيفيل" في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة في مناطق عمليات قواتها وفي حدود قدراتها، لضمان عدم استخدام منطقة عملياتها للقيام بأنشطة عدائية، ومقاومة المحاولات بوسائل القوة لمنعها من القيام بولايتها، ودعا إلى مواصلة تعزيز التعاون مع الجيش اللبناني من دون المساس بولاية "يونيفيل".
ويختصر البندان 15 و16 من القرار 2695 المتعلقين بحرية حركة أفراد "يونيفيل"، مشهد الصراع الدبلوماسي الذي سبق التصويت على القرار بعد إرجائه مرتين، قبل أن يتم التوصل إلى بعض التعديلات اللفظية واللغوية، وإضافة عبارة "التنسيق مع الحكومة اللبنانية لتسهيل وصول "يونيفيل" الفوري والكامل إلى المواقع التي تطلبها بغرض إجراء تحقيق سريع".
الحزب وفرنسا
ووفق المعلومات فإن الخارجية اللبنانية بعثت قبل أسابيع رسالتين إلى كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لمحاولة حثهما على رفض صيغة لا تنص على التنسيق بين "يونيفل" والجيش، كذلك قام "حزب الله" عبر قنواته بإبلاغ الفرنسيين رفضه المسودة الأولى للصيغة نظراً لأنها لم تتضمن تعديلاً على قرار التمديد في عام 2022.
وبعد صدور القرار، رحب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بتمديد مهمة "يونيفيل" حتى نهاية أغسطس (آب) 2024، مشيراً إلى أن القرار "لحظ بنداً أساسياً طالب به لبنان ويتعلق بقيام (يونيفيل) بعملها بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية"، إلا أن مصادر "حزب الله" لم تخف استياءها واعتبارها أن القرار يشكل "فشلًا كبيراً للبنان واعتداء على السيادة الوطنية".
الخنادق والتسلح
وفي السياق، اعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، أن ما دفع مجلس الأمن للتشدد بصلاحيات قوات "يونيفيل" خلال السنوات الأخيرة هو عدم احترام "حزب الله" لآلية "تلطيف" القرار الدولي الذي اتخذ في عام 2006 والذي ربط حينها تحركات القوات الدولية بموافقة الجيش اللبناني، كاشفاً عن استمرار الحزب بتسليح نفسه ونقل الأسلحة في تلك المنطقة، لا سيما أخيراً حين كشف عن قيامه بحفر خنادق تجاوزت الخط الأزرق وعدم ريبته من التواجد العلني قرب الحدود مع إسرائيل.
ولفت إلى أن أعمال المراقبة من دون التنسيق مع الجيش اللبناني هو أمر ضروري نظراً لحالات عاشتها قوة "يونيفيل" مع مختلف الأطراف اللبنانية، مُنعت بموجبها من الوصول إلى بعض المناطق والنقاط، مؤكداً أن القرار لن يؤثر على العلاقة الجيدة بين هذه القوات والجيش اللبناني.
ووفق المعلومات فإن إدراج الخزانة الأميركية لجمعية "أخضر بلا حدود" على لوائح العقوبات، واعتبارها واجهة لأنشطة "حزب الله" العسكرية على الحدود كان رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن الحزب ينتهك القرار 1701 بمختلف السبل ويسعى عبر الدولة اللبنانية لتقييد عمل تلك القوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القوة "المؤسساتية"
من جهته، اعتبر المتخصص القانوني في المفوضية الأوروبية محي الدين الشحيمي، أن فشل الحكومة اللبنانية بحماية "الشراكة" بين الجيش و"يونيفيل" هو الذي أدى إلى تغير المزاج الدولي، بالتالي باتت "الأمم المتحدة أمام امتحان صيانة القرار 1701 وحماية قوات يونيفيل والمحافظة على الأمن والسلم".
وبرأيه، الأمم المتحدة خرقت بعض القرارت المتعلقة بمهام ووجود "يونيفيل" بعد عام 2006، وذلك إرضاء للجانب اللبناني حينها بعد وساطات دولية قامت بها فرنسا، إلا أن التحدي الذي مارسه "حزب الله" بتواجده العلني ضمن نطاق عمليتها بات محرجاً للمنظمة.
وشدد على أن قوات "يونيفيل" ليست طرفاً في النزاع وإنما مهمتها حفظ "ستاتيكو" الأمن والسلم، إلا أنها في المقابل يمكنها استخدام القوة المؤسساتية للدفاع عن نفسها في تعرضها لأي اعتداء مسلح.
تجسس إسرائيلي
في المقابل تشير مصادر مقربة من "حزب الله"، إلى أنها لا تعير الاهتمام لنص القرار الصادر عن مجلس الأمن الذي سيبقى "حبراً على ورق" كما حصل خلال العام الماضي، كاشفةً أن قيادة "يونيفيل" أبلغت العام الماضي المعنيين في الحزب أنها لن تطبق هذه الفقرة من القرار الدولي وأنها ستبقى على القواعد المعمول بها سابقاً.
وتؤكد أنه في حال انسحب التعديل في النص على تحركات "يونيفيل"، فإن الأمر سيقابله تعديل بما "يحمي دور (المقاومة) واستمرارية عملها بعيداً من التجسس عليها".
ويقول المتخصص العسكري عمر معربوني، إن الخطورة في القرار هو إمكانية قيام "يونيفيل" بدوريات علنية وسرية ما يعني أن إمكانية تجسسها على "حزب الله" والجيش، لا سيما في حال تم تركيب كاميرات وتسيير دوريات ذات طابع سري، الأمر الذي سيعرضها برأيه إلى اصطدام مع الأهالي الذين يؤيدون الحزب.
ويرى أن القرار سيؤدي إلى مخاطر قد تطال قوات "يونيفيل" إذا ما تصرفت بشكل منفرد ويحولها إلى "قوة تخدم مصالح إسرائيل"، لناحية الإسهام في الكشف عن مواقع تسليح "حزب الله".
التحدي الفلسطيني
من ناحيته رأى الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهند الحاج علي، أن ازدياد نشاط بعض الفصائل الفلسطينية وارتفاع حدة التوتر في جنوب لبنان، أدى إلى تزايد أهمية قوات "يونيفيل"، معتبراً أن لبنان تحول إلى صندوق رسائل بين أطراف دولية، وأن هناك قابلية أكثر لاندلاع نزاع كما كان عليه الأمر قبل أربع سنوات.
وبرأيه فإن التوتر الإيراني - الأميركي والنشاط الفلسطيني المسلح على الأراضي اللبنانية، إضافة إلى توتر الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكسب التمديد أهميته مع تزايد عوامل الانفجار، مشيراً إلى خطاب سابق للأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله، الذي قال فيه "إن كل تلك القرارات حبر على ورق، وما يهم هو ما تقرره قوى الواقع".
تعديل مهامها
وتأسست القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان عام 1978 بقرار من مجلس الأمن، بعد انسحاب إسرائيل من لبنان، بهدف استعادة الأمن والسلام الدوليين، ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها في تلك المناطق، وقد عدلت مهمتها مرتين نتيجة للتطورات، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وبعد انسحاب إسرائيل من المناطق التي كانت تحتلها في جنوب لبنان والبقاع الغربي عام 2000.
ولاحقاً، وبعد حرب يوليو (تموز) عام 2006، عزز مجلس الأمن دورها، وأضاف إلى مهامها مراقبة وقف الأعمال العدائية، ومرافقة ودعم الجيش اللبناني في عملية الانتشار في جنوب لبنان، وتنسيق ذلك مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي، تنفيذاً لبنود قرار مجلس الأمن الدولي 1701.
وقبل عام 2022 كان عديد تلك القوات 15 ألف شخص، إلا أنه تم تخفيض القوة العاملة في لبنان إلى 10 آلاف و365 شخصاً، بينهم تسعة آلاف و347 جندياً، من إندونيسيا والهند وإيطاليا وغانا والنيبال وماليزيا وفرنسا وإسبانيا والصين وإيرلندا. وتمول البعثة من طريق حساب مستقل يعتمد سنوياً بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبلغت الميزانية المعتمدة للبعثة حوالى 510 ملايين دولار أميركي.