ملخص
لم يشفع امتداد الساحل الجزائري للمواطنين في الاكتفاء الذاتي من وجبات السمك السنوية... فما السر؟
على رغم أن ساحلها البحري يتجاوز طوله 1400 كيلومتر إلا أن استهلاك المواطن في الجزائر من الأسماك يقل عن ثلاثة كيلوغرامات سنوياً، وبين من يربط الأمر بضعف الإمكانات الصيدية وبين من يشير إلى سيطرة الوسطاء، تبقى الأسماك غائبة عن موائد الجزائريين إلى حين.
لم يعد بإمكان المواطن الجزائري اقتناء مختلف أنواع الأسماك بسبب الغلاء الفاحش الذي تعرفه، بما فيها "السردين" الذي كان إلى وقت قريب يطلق عليه "سمك الفقراء" لأثمانه الرخيصة، وبلغ الوضع أن أصبح الحديث عن أطباق الأسماك غير متداول بالكامل، كما اختفت مطاعم الأسماك وإن حضرت غاب عنها الزبائن الذين كانوا يصطفون في طوابير من أجل تناول طبق أو اثنين.
وبين قلة الوفرة وضعف القدرة الشرائية تبرر مختلف الأطراف الحال الذي بات عليه قطاع الأسماك من صيد إلى تجارة، إذ حذر رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري في الجزائر حسين بلوط من استمرار الغلاء في أسواق السمك إذا لم تتحرك السلطات المعنية، بعد أن وجدت عصابات الموانئ مناخاً مناسباً للتحكم فيها أمام غياب الرقابة والتسيير الجيد لعمليات الصيد البحري والثروة السمكية.
واعتبر أن الأسعار المرتفعة للسمك تعكس وضعاً مؤسفاً لا يمكن تجاهله، و"المسؤولية تتحملها وزارة التجارة وفرق المراقبة"، وأضاف "حرروا قطاع الصيد من العصابات، فالجزائري محروم من السمك وبعضهم لا يعرفونه".
مسؤولية المستهلك
ويبلغ إنتاج الجزائر من الأسماك أقل من 250 ألف طن سنوياً، على رغم امتداد الشريط الساحلي على طول نحو 1400 كيلومتر.
وفي حين كانت ترتفع أسعار الأسماك خلال الفترات التي تشهد تقلبات جوية، بات الأمر يشمل كل فصول السنة، مما جعل معظم الأسماك خارج استطاعة جيوب الجزائريين المنهكة بالغلاء وتدهور القدرة الشرائية، وهو الوضع الذي حول مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة للاستهزاء تارة وطرح الانشغالات تارة أخرى ومطالبة الحكومة بالتدخل تارة ثالثة.
غير أن الجمعية الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك قالت إن المسؤولية الأكبر تقع على المستهلك لأنه آخر حلقة، فلو قاطع الجزائريون شراء السمك لتضررت تجارة الصيادين والوسطاء.
وأضافت أن الصيادين يلجأون إلى رمي الأسماك في البحر عوض إدخالها إلى الأسواق من أجل الحفاظ على عرض أقل من الطلب، بالتالي استمرار ارتفاع الأسعار، منتقداً غياب الرقابة من الجهات الرسمية، علاوة على غياب ثقافة الاستهلاك لدى الجزائريين الذين لم يتبنوا بعد المقاطعة لمعاقبة التجار ومن يقف خلفهم.
ممارسات مشينة
ولم يسلم القطاع من بعض الممارسات المشينة التي تزيد من معاناة المواطن، ومن وضع الكميات المتبقية في الثلاجات لإعادة بيعها في اليوم الموالي بالنسبة إلى التجار بدلاً من خفض الأسعار، وما يترتب على ذلك من أخطار صحية، إلى رمي الصيادين والوسطاء كميات كبيرة من الأسماك وبشكل خاص "السردين" وسط البحر تجنباً للوفرة التي تطيح الأسعار، وهو ما أثارته مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخلفت استياء واستنكاراً لدى المواطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الجمعية الوطنية للتضامن مع البحارة انتقدت تحميل الصيادين مسؤولية ارتفاع أسعار الأسماك من خلال اتهامهم برمي الفائض في البحر، وقالت إن ما يرمى هو السمك الصغير الذي يعلق بشباك الصيادين، وتستغرق عملية التخلص منه حتى سبع ساعات أحياناً، مما يعرض البحار للإرهاق الجسدي زيادة على مشاق الصيد.
ووفقاً للجمعية فإن القانون الجزائري يجرم صيد أسماك أقل من 11 سم، ملقياً بالكرة في مرمى الصيادين أصحاب القوارب الصغيرة الذين يلجأون إلى استعمال شباك خيطية بلاستيكية ممنوعة دولياً. وقال "زيادة على إزعاجهم السمك أثناء فترة التكاثر يتركون شباكهم في البحر، وجميعنا يعلم أن البلاستيك يبقى حتى 40 سنة من دون تحلل".
تبريرات حكومية
في المقابل أرجعت الحكومة الجزائرية ممثلة في وزارة الصيد البحري والمنتجات الصيدية مشكلة غلاء أسعار الأسماك إلى تفوق الطلب على العرض، إذ توجه كميات كبيرة من الثروة السمكية إلى المطاعم والفنادق.
وقالت إن استكمال أسطول الصيد في أعالي البحار سيسهم في قلب طرفي المعادلة وتفوق العرض على الطلب مع نهاية 2023، وهو ما يخفف الضغط على المواطن ويعيد الاعتبار لقطاع الصيد البحري، مشيرة إلى أن الأسطول يتكون من 200 سفينة، إضافة إلى فتح موريتانيا إقليمها البحري أمام سفن الصيد الجزائرية في سياق اتفاق بين البلدين.
وأشارت إلى أن مجال الصيد البحري يحوز 5800 باخرة من مختلف الأحجام والأشكال، وتبقى سفن الأسطول الخاص بالصيد أعالي البحر تعد على الأصابع، موضحة أنه من شأن الزيادة في الإنتاج أن ترفع معدل الاستهلاك الفرد للسمك من 2.93 كلغ سنوياً إلى 3.26 كلغ.
وبين هذا وذاك، قال الباحث في المدرسة العليا لعلوم البحر وتهيئة الساحل سمير غريمس إن ارتفاع سعر الأسماك باختلافها يرجع إلى عوامل لوجستية عديدة، تتعلق بتوزيع جهد الصيد المركز على مسافة ستة أميال، وعدم إرساء البواخر على مسافة أكثر من 30 متراً لتحقيق الوفرة التي تضمن الوصول إلى معدل الاستهلاك المتوسطي، الذي ما زال ضعيفاً ولا يتجاوز 3.2 كيلوغرام سنوياً.
وأبرز أنه من الصعب الحديث عن ارتفاع أسعار الأسماك من دون الوقوف عند العوامل التي تؤثر في الوفرة وخلقت ما يسمى بالتذبذب والارتفاع، بخاصة في الموسم الحالي، مضيفاً "سجلنا التهاباً في سعر هذه المادة التي تبقى هاجساً حقيقياً للسلطات، لأنها لم تصل بعد إلى معدل الاستهلاك العالمي للفرد الذي يقدر بـ14 كلغ".
النهوض بالقطاع وإعادة النظر في تربية المائيات من أجل الرفع من الناتج الإجمالي إلى 250 ألف طن أصبح ضرورة، يضيف غريمس الذي أشار إلى أن 100 ألف طن صيد في البحر سنوياً لا تحقق الغرض المطلوب، و6 آلاف طن من تربية المائيات غير كافية. وختم حديثه بقوله إن أسعار الأسماك تتحكم فيها عوامل كثيرة، لكنها ليست مبرراً لبلوغها أسعاراً قياسية كالتي تشهدها السوق الوطنية.