ملخص
يسابق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الزمن لنقل محاكمته من جورجيا إلى المحكمة الفيدرالية.
فيما أبلغ محامي دونالد ترمب المحكمة المحلية في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا أن الرئيس الأميركي السابق قد يسعى إلى نقل قضيته الجنائية لإلغاء نتائج انتخابات جورجيا عام 2020 من مقاطعة فولتون إلى المحكمة الفيدرالية في أتلانتا، ثارت أسئلة حول أسباب هذا الطلب الذي سيكون السادس من نوعه من بين 19 متهماً يسعون إلى نقل قضيتهم إلى المحكمة الفيدرالية، فما الفائدة التي ستعود على ترمب من وراء ذلك؟ وهل يتعلق الأمر بهيئة المحلفين التي قد تكون منحازة في هذه المنطقة أم لأن المتهمين يسعون إلى نيل عفو رئاسي ينطبق فقط على الجرائم الفيدرالية؟
وعلى رغم أن خطوة تقدم ترمب بطلب نقل محاكمته في ولاية جورجيا بتهمة الابتزاز وتهم أخرى إلى المحكمة الفيدرالية كانت متوقعة منذ فترة طويلة، إلا أن الوثيقة المكونة من صفحة واحدة وقدمها محاميه في أتلانتا ستيف سادو، كانت أوضح إشارة حتى الآن إلى أن الرئيس السابق سيتبع خطى رئيس موظفيه السابق في البيت الأبيض مارك ميدوز وأربعة متهمين آخرين في السعي إلى نقل القضية إلى المحكمة الفيدرالية بعد اتهامهم في أغسطس (آب) الماضي بالعمل بصورة إجرامية عبر جهودهم المزعومة لإلغاء نتائج انتخابات ولاية جورجيا عام 2020 والتي دفع فيها جميع المتهمين الـ 19 ببراءتهم وبأنهم لم يرتكبوا أي خطأ.
لكن الجهود المبذولة لنقل القضية إلى المحكمة الفيدرالية تعد أول معركة قانونية كبرى منذ تقديم لائحة الاتهام ضد ترمب وميدوز و17 آخرين من قبل المدعية العامة لمقاطعة فولتون بولاية جورجيا فاني ويليس، ذلك أن أي حكم في هذه القضية يمكن أن ينطبق على جميع المتهمين الـ 19 بمن فيهم ترمب نفسه، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
توسيع هيئة المحلفين
ولطالما اشتكى الرئيس الجمهوري السابق ترمب عبر منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي من أن المدعين العامين في كل من أتلانتا ونيويورك يوجهون إليه اتهامات في مناطق قواعد الديمقراطيين، وهو ما يشكك في حيادية هيئة المحلفين التي ستقول كلمتها الفاصلة بأنه مذنب أو غير مذنب، ذلك أن اختيار الهيئة يكون ممن يعيشون في الولاية القضائية أو المنطقة التي توجد بها هيئة المحلفين للمقاطعة التي تجرى فيها المحاكمة.
وإذا نجحت الجهود المبذولة لنقل القضية إلى المحكمة الفيدرالية فقد يفيد ذلك ترمب من خلال توسيع نطاق اختيار هيئة المحلفين خارج مقاطعة فولتون وأتلانتا إلى الضواحي، وهي المناطق التي يتمتع فيها ترمب بمزيد من الدعم حيث لا يمتلك فيها الديمقراطيون تمثيلاً كبيراً، كما يظهر تحليل بيانات صحيفة "أتلانتا جورنال كونستيتيوشن" أن هيئة المحلفين ستكون أكثر ميلاً إلى الحزب الجمهوري قليلاً.
كسر الإجماع
ووفقاً لهذه البيانات فقد حصد ترمب في مقاطعة فولتون أقل من 27 في المئة من الأصوات خلال انتخابات عام 2020، لكن إذا تم نقل القضية إلى محكمة فيدرالية فستكون هيئة المحلفين مختارة من 10 مقاطعات تمثل أتلانتا وضواحيها التي حصد فيها ترمب ما يزيد قليلاً على 33 في المئة من الأصوات، أما إذا تم استبعاد المحلفين من منطقة قضائية فيدرالية بأكملها مثلما حدث في محاكمة جرائم الكراهية بالولاية عام 2021 لثلاثة رجال دينوا بقتل الشاب ذو البشرة السمراء أحمد أربيري، فقد تكون هيئة المحلفين من 46 مقاطعة تمثل المنطقة الشمالية بأكملها لجورجيا، والتي حصل فيها ترمب على 46 في المئة من الأصوات عام 2020.
وتكمن الأهمية وراء ذلك في أنه أثناء المحاكمة يجب أن يوافق المحلفون بالإجماع على إدانة شخص ما بارتكاب جريمة، ومن ثم فإن إضافة محلفين من مناطق أكثر ودية لترمب يزيد احتمال وجود مزيد من المعارضين لإدانته، نظراً إلى شعبيته العميقة بين كثير من المحافظين في هذه المناطق.
مخاوف عدم الحيادية
وتثير قضية حيادية هيئة المحلفين نطاقاً أوسع من الجدل، إذ استبعد المتخصص في الشأن القانوني ديفيد غيلمان، وهو مساعد مدع عام سابق في ولاية نيوجيرسي، أن يحصل ترمب على محاكمة عادلة في مقاطعة فولتون، وعبر عن مخاوفه إزاء حرص مكتب المدعية العامة في فولتون للحصول على أكبر قدر من التغطية الإعلامية لتقديم قضيتهم، مشيراً إلى أن تغيير مكان المحاكمة ضروري بغض النظر عما إذا كانت ستذهب إلى المحكمة الفيدرالية أم لا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره يعترف الأكاديمي المتخصص في القانون بـ "جامعة دايتون" ثاديوس هوفميستر بأن هناك نقاشاً أكبر يدور حالياً في المجتمع القانوني حول ما إذا كانت المحاكم في العصر الرقمي قادرة على العثور على محلفين موضوعيين.
وأشار إلى أن العثور على محلفين غير متحيزين في عصر ما قبل العصر الرقمي حتى في القضايا البارزة كان أمراً صعباً، إذ كان يتعين على المحلفين عدم مناقشة القضية مع أي شخص، وتجنب الراديو والتلفزيون والصحف، وأحياناً يتم عزل المحلفين إذا كانت القضية تنطوي على عقوبة الإعدام، لكن هذا النهج لن ينجح اليوم نظراً إلى أن قليل من المحلفين يمكنهم قضاء ثماني ساعات من دون استخدام هواتفهم الذكية أو وسائل التواصل الاجتماعي، ويشارك عدد من الأشخاص جوانب حياتهم مع الآخرين، وهو ما يتعارض مع واجباتهم في خدمة هيئة المحلفين.
السعي إلى الحصانة
ويجادل المتهمون الآخرون الذين يسعون إلى نقل القضية إلى محكمة فيدرالية، بما في ذلك رئيس موظفي البيت الأبيض السابق مارك ميدوز، بأن القضية تتعلق بأفعال ارتكبت بصفتهم مسؤولين فيدراليين أو نيابة عن مسؤول فيدرالي وهو الرئيس ترمب.
ويستشهد ميدوز بقانون فيدرالي يسمح للأفراد الذين كانوا يشغلون مناصب فيدرالية بعرض القضية على محكمة فيدرالية حال اتهامهم بعمل إجرامي مزعوم أملاً في إعفائهم من العقوبة لتمتعهم بحصانة فيدرالية على اعتبار أنهم كانوا ينفذون مهمات وظيفتهم الحكومية.
وعلى سبيل المثال يقول ميدوز ومحاموه إن وظيفة رئيس موظفي البيت الأبيض تتسرب بطبيعتها أحياناً إلى عالم السياسة، وأن المدعي العام المحلي يعمل بصورة أساس خارج نطاق سلطته من خلال السعي إلى تحديد ما يجب وما لا يجب أن تكون عليه الوظيفة التي ينبغي أن يتولاها المسؤول الفيدرالي.
إبطاء الإجراءات
وقد يكون أحد دوافع ترمب وميدوز والمتهمين الآخرين لنقل القضية أمام محكمة فيدرالية هو إبطاء بعض الإجراءات في الأقل، والتي تبدو سريعة حتى الآن، وإذا ظلت القضية أمام محكمة الولاية فمن المرجح أن يواجه ثلاثة من المتهمين المحاكمة ابتداء من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إذ حصل كينيث تشيسبرو وهو أحد المتهمين الـ 19 بالفعل على محاكمة باكرة، كما سع المحاميان جون إيستمان وسيدني باول إلى محاكمة سريعة.
ووفقاً لموقع "إيبوك تايمز" المحافظ فإن نقل لائحة اتهام مقاطعة فولتون إلى محكمة فيدرالية قد يجعل القضية تستغرق وقتاً أطول، وهنا يشير المتخصص في الشأن القانوني جيلمان إلى أن ذلك قد يكون جذاباً للرئيس ترمب الذي يسعى هو وفريقه إلى تأجيل مواعيد محاكمته إلى ما بعد عام 2024 أو عقب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
هل تنجح المحاولة؟
ويتطلب رفع القضية إلى المحكمة الفيدرالية إقناع القاضي بأن الإجراءات الخاضعة للتدقيق تم تنفيذها من قبل مسؤولين فيدراليين كجزء من عملهم الرسمي، ويجب على المدعى عليهم إثبات أنهم مسؤولون فيدراليون يؤدون واجبات فيدرالية، كما يجب عليهم أيضاً تقديم دفاع فيدرالي معقول، لكن في وقت سابق من هذا العام فشل ترمب في محاولته نقل قضية جنائية في ولاية نيويورك ضده إلى المحكمة الفيدرالية واعتبرت حجته في هذه القضية واهية.
وكتب قاضي المقاطعة ألفين هيلرستين في حكمه الصادر في الـ 19 من يوليو (تموز) الماضي أنه لا يعتقد أن الدفوع المقدمة لمحامي سابق لترمب والتي تعتبر سجلاتها أساساً للادعاءات في هذه القضية، كانت مرتبطة بخدمة ترمب كرئيس، موضحاً أن ترمب فشل في إثبات أن السلوك المنسوب إليه في لائحة الاتهام يتعلق بأي عمل يقوم به الرئيس أو لمصلحته تحت صفة الأعمال الرسمية للرئيس.
ومن المتوقع صدور حكم من قاضي المحكمة الجزئية الأميركية ستيف جونز في أي يوم بناء على الطلب الأول الذي جاء من مارك ميدوز.
ماذا عن العفو الرئاسي؟
وإذا تم انتخاب الرئيس السابق مرة أخرى ونجح في العودة للبيت الأبيض، فيمكن لترمب العفو عن الإدانات الفيدرالية، بما في ذلك احتمال تضمين إدانته هو نفسه على رغم الخلاف الدستوري حولها والذي قد يصل إلى المحكمة العليا الأميركية، لكن ترمب ليس لديه مثل هذه السلطة في ما يتعلق بالجرائم على مستوى الولاية مثل التهم التي تواجهه في جورجيا ونيويورك.
وأشارت شبكة "سي بي أس" الأميركية في تقرير لها إلى أنه في كلتا الحالتين وحتى لو تم نقلهما إلى المحكمة الفيدرالية، فسيتم محاكمة المتهمين ومن بينهم ترمب بموجب قوانين الولاية، ولن يتمكنوا من الحصول على عفو رئاسي ينطبق على الجرائم الفيدرالية.