Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الوحش الطيب" متلازمة ميل غيبسون السينمائية

حاز على تجربة فريدة في حقبة الأعداء الجدد الخارقين

غيبسون نجح في تحقيق معادلة خاصة في هوليوود عبر دور شرطي مشاكس ذو ميول انتحارية (أ ف ب)

ملخص

من خلال تدرجه في تقديم أبطال طيبين تمكن ميل غيبسون من إقناع الجماهير بضرورة لجوء الإنسان العادي إلى رصيده من الشراسة والهمجية وسوء الخلق في سبيل ترويض الشر الجديد

من خلال أعمال سينمائية شهيرة خلدتها الذاكرة، عبر الفنان الأسترالي المولد ميل غيبسون عن حقبة زمنية وظاهرة فنية، وليس عن نجوميته فحسب، وتميزت هذه الحقبة بأنها نواة لمحاولة مستميتة من قبل الممثل البارز وعدة نجوم معاصرين له، هدفها الإبقاء على صورة البطل الإنساني الطيب العادي في أذهان الجمهور، بوصفه قادراً على مجاراة الخصوم الجدد، الذين يريدون هدم المجتمعات الحديثة وإعادة الإنسان إلى أزمنة الظلام والتخلف.

وتكمن المفارقة في حقبة غيبسون في اختلاف أسلحة الخصم لتصبح أقوى من السابق بكثير، ونتج ذلك من ازدهار حقبة الأبطال الخارقين المتحولين أو القادمين من كواكب خارجية ومثل عليها بوضوح (سوبر مان- 1939) الذي احتاج صناع السينما في حقبته إلى إنتاج وخلق واختلاق أعداء جدد له بمواصفات تفوق قدرة الإنسان العادي.

ففي حقبة الأعداء الجدد الخارقين لمع نجم غيبسون ومن معه من نجوم أصروا على تجسيد بشر عاديين وطيبين لأدوار الخير وحدها، فراكموا من خلال تلك الفكرة شهرة كاسحة، وكان منهم سلفستر ستالون (رامبو)، وروبو كاب، وغادغ دريد، وبروس ويليز من خلال سلسلة (داي هارد 1-5)، وإدي ميرفي وأرنولد شوارزنيغر ونجوم آخرون.

ما بعد "بريف هارت"

احتوى فيلم "قلب جريء" (بريف هارت) على مشاهد مميزة كثيرة وكان أشهرها مشهد المعركة الملحمية، حين وصل (وليام والاس) إلى ساحة المعركة ولم يكن كثير من أنصاره يعرفونه، فأنكر بعضهم شخصيته، لأنه لا يتمتع بأي صفات خارقة كالتي وصفت لهم، مع ذلك قادهم (والاس) للنصر، مستخدماً كل رصيده من الوحشية والهمجية من أجل هزيمة الخصم.

وانطلاقاً من هذا الدور العادي حقق غيبسون معادلته الخاصة في هوليوود لاحقاً، عبر سلسلة (ليثل ويبون) التي أكد من خلالها ضرورة منع انقراض شخصية البطل البشري العادي من السينما والمخيلة الإنسانية، فهو يؤدي دور شرطي مشاكس، ذي ميول إلى الانتحار، وهذا دلالة على عدم قدرته على التكيف مع نمط الحياة الحديث، مع ذلك يتمكن من سحق أعداء المجتمع.

ومن الملاحظ أن كل النجوم المذكورين سابقاً والمعاصرين له قدموا مرة أو أكثر دور الشرطي المشاكس ذاته، مما يعني أن مرحلة البطل البشري العادي هي مرحلة يجب أن تظل حية حتى في حقبة الأبطال الخارقين أمثال باتمان وسبايدرمان وتيرمينيتر وهالك وغيرهم من الأبطال المتحولين.

تحولات البطل العادي

من أجل مواكبة تطور الخصم كان لا بد من تطوير شخصية البطل، لكن غيبسون ورفاقه فضلوا تطوير شخصية البطل ذاتياً، وليس من خلال التحول إلى مخلوق آخر، أو من خلال جلب أبطال فضائيين أو من كواكب وعوالم وأزمنة أخرى. وفرض هذا التحدي على غيبسون الممثل والمنتج والمخرج أن يعود بالمتابع إلى رصيد البطل البشري العادي الطيب من التوحش والشراسة، فركز عدسته باتجاه شخصيات ثائرة لم تتردد في تفجير مكنوناتها البدائية واستلهام مهارات الافتراس القديمة التي تحلى بها الإنسان زمن الغابة، حيث المفترس (البطل) على رغم طيبته ووداعته قادر على التفنن والتجلي أثناء لحظة القتل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذلك تبدو مشاهد مرعبة يؤديها البطل الطيب مثل شج رأس الخصم أو ذبحه أو التلذذ في قتله، مشاهد مقبولة جماهيرياً في زمن الفن الجديد، بل إن كثيراً من المشاهدين ينتظرون هذه اللحظة تحديداً للتدقيق في تفاصيلها والتمتع بها أكثر من لقطات الفيلم العادية، ومن خلال هذه اللحظة تمكن غيبسون من تأدية الدورين معاً، وتوحيد قوة الخير مع قوة الشر لأول مرة ضمن شخصية البطل الطيب، مما أقنع الجماهير بإمكانية لجوء البطل إلى الفظاظة وسوء الخلق من أجل الإجهاز على خصم خطر.

يذكر أن دور البطل الطيب قديماً في السينما وتحديداً في حقبة (الكاوبوي) وحقبة (بروس لي/ الفنون القتالية) تمثل في تطبيق العدالة التي تمنح شعبية واسعة للبطل، والتي تنتهي غالباً من خلال تكريس البطل كامل قدراته لشل الخصم وتسليم الشرير إلى العدالة من دون إيذائه أو الفتك به.

"ليثل ويبون" شعبياً

"السلاح الحديدي" هي أشهر ترجمات هذا العنوان المتداولة شعبياً، و"السلاح الحديدي" هو تجسيد لفكرة انتهاء العصور البدائية القديمة ومنها العصر الحديدي، والفيلم في كامل أجزائه يجسد انتهاء مرحلة البطولة العادية للإنسان غير القادر على التحول إلى مخلوق خارق، مع ذلك يشير العنوان إلى مفارقة العمل الرئيسة وهي السخرية والتهكم من حقبة البطل الطيب القديم الذي جسده ببراعة كل من بروس لي والكاوبوي وغيرهما من الأبطال المسالمين، إذ يمثل فيلم "قبضة الغضب" عام 1972 لبروس لي أدوار البطولة الجماعية من خلال تنازع مدرستين قتاليتين وهما اليابانية والصينية، وينتهي الفيلم بإعدام البطل الصيني (تشن) بعد أن سلم نفسه إلى العدالة.

من خلال تدرجه في تقديم أبطال طيبين غير خارقين قادرين مع ذلك على كسر شوكة خصوم خارقين، وعبر أعمال بدأت مع "مادماكس 1979" ومن ثم "بريف هارت" و"ليثل ويبون"، و"حافة الظلام" في عام 2010 وغيرها من أعمال شهيرة، تمكن غيبسون من إقناع الجماهير بضرورة لجوء الإنسان العادي إلى رصيده من الشراسة والهمجية وسوء الخلق في سبيل ترويض الشر الجديد المتمثل في الإرهاب والمخدرات والفساد والعنصرية وتطوير أسلحة بيولوجية فتاكة وغيرها من آفات المجتمع.

أخيراً، الشراسة في قواميس اللغة ومعجم المعاني هي الفظاظة والرد على الخصم بوسائل تفوق ما لديه من انحطاط فكري وأخلاقي ونفسي. وعلى هذا المنوال سار عدد من النجوم عبر هذا الخط السينمائي والدرامي المبتكر في هوليوود بعد حقبة غيبسون لتظهر أعمال مشابهة في السينما العربية والعالمية.

وكان من الأعمال المشابهة عربياً لهذا النهج ما قدمه الفنان المصري فريد شوقي في فيلمه (جعلوني مجرماً) عام 1954، و(الرجل الشرس) عام 1996، وكذلك الفنان نور الشريف (زكي الطيب) وأعمال عديدة أخرى، حاولت أن تقدم الفكرة ذاتها ولو من خلال تحريفها شكلياً ووضعها ضمن صياغات ومقاربات، مطابقة للفكرة ذاتها موضوعياً.

المزيد من سينما