ملخص
جعلت التضاريس الوعرة والطرق المتضررة الاستجابة الحكومية غير مكتملة، حيث كانت بعض القرى الأكثر نكبة هي آخر من يتلقى المساعدة
مع استمرار إغلاق الكثير من الطرق بسبب الانهيارات الأرضية، لجأ بعض القرويين المغاربة إلى طرق بدائية فاستخدموا الحمير في نقل المؤن والإمدادات إلى السكان في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها بالعربات، في حين تفقد آخرون أنقاض منازلهم وسط حالة من الحزن على فقدان ذويهم.
وأودى الزلزال، الذي بلغت قوته 6.8 درجة وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية وضرب جبال الأطلس الكبير في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي، بحياة ما لا يقل عن 2946 شخصاً وأوقع 5674 مصاباً وفق أحدث الأرقام الرسمية، مما يجعله أسوأ زلزال من حيث عدد القتلى في المغرب منذ عام 1960 والأقوى منذ عام 1900 على الأقل.
وعلى جانب طريق، انكب إيدو حماد محمد (42 سنة) من قرية أكنديز النائية في الأطلس الكبير، على فرز حزم من إمدادات الإغاثة لقريته الواقعة على بعد 12 كيلومتراً والتي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الحمير. وقال إنه لم يصل أي مسؤول حكومي إلى القرية بعد. وأضاف "مات كثيرون في قريتي. فقدت بعض العائلات 15 من أقاربها والبعض الآخر 12 أو 7".
وتابع "نحتاج الخيام على وجه الخصوص. فما لدينا ليس كافياً. الناس بمن فيهم الأطفال ينامون في العراء وليس لديهم سوى أغطية".
وعمل مواطنون عاديون على نقل وتسليم الكثير من الإمدادات إلى القرى الجبلية. وجعلت التضاريس الوعرة والطرق المتضررة الاستجابة الحكومية غير مكتملة، حيث كانت بعض القرى الأكثر نكبة هي آخر من يتلقى المساعدة. وأقيمت مستشفيات ميدانية وملاجئ في مواقع يسهل الوصول إليها.
وقال عبدالله حسين (40 سنة) من قرية زاويت في الأطلس الكبير، "لا يوجد طريق هنا. لا أحد يستطيع إزالة الصخور التي انهارت من الجبل". وأضاف "هذا هو اليوم السادس بعد الزلزال. وما زلنا ننام في العراء وليست لدينا أغطية". وبينما كان يضع إمدادات على الحمير أيضاً، قال إنها لا تستطيع القيام بالرحلة إلى قريته إلا مرتين يومياً.
نشاط الملك
ومع إعراب بعض الناجين عن إحباطهم إزاء بطء وتيرة الاستجابة، ظهر ملك المغرب، محمد السادس يوم الثلاثاء للمرة الأولى على شاشة التلفزيون منذ وقوع الزلزال، إذ زار مصابين في أحد مستشفيات مراكش.
وتحدث مراسلو "رويترز" عن زيادة ملحوظة خلال يوم الأربعاء في عدد القوات المغربية والشرطة وعمال الإغاثة على الطرق القريبة من مركز الزلزال. وأقيمت خيم أو تم توسيعها وازدحمت المستشفيات الميدانية، بينما نفذت مروحيات عسكرية 35 إلى 40 مهمة يومياً منذ السبت بين مطار في مراكش والأماكن الجبلية المعزولة، شملت إجلاء جرحى ونقل مساعدات، بحسب ما أفاد تلفزيون "الأولى" المغربي الأربعاء.
وتعاملت الفرق الطبية مع حالات كسور بالعظام وجروح وإصابات بالصدمة نتجت من انهيار المباني، كما عالجت أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري ممن شردهم الزلزال على رغم شح الإمدادات الطبية.
عائلات تعاني
وفي قرية أوتاغري الصغيرة، التي سويت بالأرض بالكامل تقريباً وقُتل فيها أربعة أشخاص، أمضى ناجون خمس ليالٍ منذ وقوع الزلزال في العراء في فناء مدرسة، في إحدى المساحات القليلة التي لم تغطها الأنقاض.
وقال سعيد حسين (27 سنة)، الذي عاد إلى القرية من منزله الحالي في مراكش للمساعدة بعد الزلزال "الأمر صعب حقاً. الجو بارد". وأضاف أن الناجين يخشون الهزات الارتدادية ويكافحون من أجل التأقلم مع الوفيات والدمار.
وأردف "نكتم مشاعرنا. أنت تعلم أن الناس هنا يتسمون بالصلابة بعض الشيء ولا يمكنهم إظهار أنهم ضعفاء أو أن بمقدورهم البكاء، ولكن في داخلك تريد فقط الذهاب إلى مكان ما والبكاء".
وتلقت القرية للتو شحنة من الخيام قدمتها الحكومة، لكنها لم تكن مقاومة للماء، وهو ما يشكل مصدر قلق بالغاً في منطقة جبلية تكثر فيها الأمطار والثلوج.
وقالت نعيمة وازو (60 سنة) التي فقدت ثمانية من أقاربها بسبب الزلزال "سيأتي الشتاء قريباً وسيكون الوضع صعباً للغاية على الناس. كانت الحياة هنا صعبة حتى عندما كان الناس يعيشون في منازلهم. تتساقط الثلوج هنا والخيام لن تحل المشكلة".
وفي بلدة تلات نيعقوب الصغيرة التي تعرضت لضرر بالغ لكنها تحولت إلى نقطة إغاثة، كان المرضى يتلقون العلاج داخل سيارات إسعاف مصطفة بجوار مخيم للناجين.
وفي البلدة نفسها، تفقدت الطالبة إيمان سعيد (19 سنة) أنقاض منزلها بعد العودة من مدينة فاس حيث تدرس. وقالت إنها فقدت عشرة أفراد من عائلتها في الزلزال منهم شقيقها. وأضافت "كل ذكرياتي هنا. عائلتي وأصدقائي وجيراني. مات الجميع وفقدوا منازلهم في هذه المنطقة".
وقالت "كان أخي شاباً عطوفاً للغاية. وكان جميع الجيران يعرفونه وبكوا عليه عندما مات لأنه كان خدوماً ويقدم يد العون للجميع. كان مستواه جيداً في المدرسة ونجح للتو في امتحان السنة الثانية من المرحلة الثانوية هذا العام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فرق انقاذ دولية
ويستعين المغرب بفرق إنقاذ من كل من بريطانيا وإسبانيا والإمارات وقطر، لكنها تواجه تضاريس وعرة حيث ضرب الزلزال في عمق مناطق جبلية تضم قرى متناثرة ونائية.
وأوضح أحد أفراد فريق الإنقاذ القطري "نتدخل في الكثير من الأماكن التي لا يمكن أن تصلها العربات".
وقد سويت العديد من القرى بالأرض، خصوصاً أن معظم الأبنية طينية، كما في قرية إنغيد حيث قال المزارع محمد المتوكل لوكالة الصحافة الفرنسية "فقدنا كل شيء".
وأطلق الصليب الأحمر الدولي نداء لجمع أكثر من 100 مليون دولار لتوفير الاحتياجات العاجلة للمغرب، فيما تتواصل حملات تضامنية واسعة من مختلف مدن البلاد لإيصال مساعدات للمناطق المنكوبة.
في قرية أداسيل، المنكوبة هي الأخرى، تجمع ناجون حول متطوعين يوزعون المساعدات، وقد جاؤوا من مدينة تيزنيت البعيدة بنحو 400 كليومتر.
وأوضحت إحدى المتطوعات مريم بكريم (38 سنة)، "أطلقنا نداء على فيسبوك وبدأت التبرعات تصل بعد أقل من نصف ساعة"، مشيرةً إلى أن المبادرة مكنت من إرسال نحو أربعين شاحنة محملة بالأغذية والملابس نحو المناطق المتضررة.
فيما أنشِئت ثلاثة مستودعات بإقليم تارودانت (جنوب مراكش) لتجميع المساعدات ونقلها عبر شاحنات أو جواً إلى القرى المنكوبة، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.
وهذا الإقليم هو ثاني المناطق تضرراً جراء الزلزال بعد إقليم الحوز، وكلاهما يضمان قرى متناثرة في الجبال.
وقال مسؤول في وزارة التجهيز الأربعاء لوكالة الصحافة الفرنسية إن فرقاً متخصصة تواصل العمل على فتح العديد من المسالك الثانوية وسط الجبال، لتأمين الوصول إلى قرى صغيرة.
وأكد أن "الطريق الرئيسة المؤدية لجماعة (دائرة) إغيل حيث مركز الزلزال قد فُتحت وأيضاً لقرية أغبار المجاورة".
لكن تلك العمليات تواجه تحدي تكرار انهيارات صخرية بسبب هزات ارتدادية، وفق ما أضاف المسؤول في الوزارة. وأدت هزة ارتدادية الأربعاء في قرية إيمي نتالا (نحو 70 كيلومتراً جنوب غربي مراكش) إلى تهاوي صخرة أصابت شخصاً إصابات خفيفة نقل على أثرها إلى المستشفى.
وعد بالتعويض
وكان رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش أكد الإثنين الماضي أن السكان الذين هُدمت بيوتهم "سيتلقون تعويضات"، موضحاً "سيكون هناك عرض واضح سنحاول تحضيره هذا الأسبوع" في هذا الشأن.
ولفت إلى أنه يتم النظر حالياً في حلول لإيواء المشردين، بينما أنشئ صندوق خاص لمواجهة تداعيات الكارثة، وهو مفتوح لتلقي التبرعات.
والزلزال الذي وقع ليل الجمعة - السبت، بقوة 7 درجات بحسب المركز المغربي للبحث العلمي والتقني (6.8 وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية)، هو أقوى هزّة يتمّ قياسها في المغرب على الإطلاق. واعتبر الأعنف من نوعه في المغرب.
فيما يبقى الزلزال الأكثر فتكاً حتى الآن هو ذلك الذي دمر مدينة أغادير الساحلية (نحو 250 كيلومتراً جنوب غربي مراكش) في 29 فبراير (شباط) 1960، مخلفاً ما بين 12 إلى 15 ألف قتيل، هم ثلث سكان المدينة.