Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نواد غنائية للنساء لمناهضة "الذكورية" في تونس

أحدها يضم 250 سيدة وتستهدف إحياء الأغاني التراثية في البلاد

تعد نوادي النساء الغنائية متنفسا اجتماعيا وإنسانيا   (التواصل الاجتماعي)

ملخص

ظاهرة اجتماع عدد من النسوة للغناء كانت موجودة في ما يعرف بالأوساط الأرستقراطية في تونس، وكان الزوج يأتي بعازف وكانت الزوجة توجه الدعوة إلى عدد محدود من رفيقاتها

في العاصمة تونس تهز أهازيج النساء نوادي الغناء، حيث تجتمع السيدات بشكل متوال لتأدية الأغاني بهدف الترويح عن النفس في بلد يؤجج فيه الانهيار الاقتصادي مشاعر الإحباط واليأس.

واللافت أن نوادي الغناء الخاصة بالنساء باتت تلقى رواجاً حتى خارج العاصمة وفي مدن نائية، وباتت ملاذ الباحثات عن الابتعاد عن الروتين اليومي واللاتي لديهن موهبة الغناء أو العزف أو غيرهما، ولا تخلو هذه النوادي من رسائل سياسية أو تعالج مشكلات اجتماعية على غرار مناهضة الذكورية، التي لا تزال متفشية على رغم الأشواط التي قطعتها تونس في منح المرأة حقوقها.

بعض الأغاني تبعث برسائل إنسانية وبعضها الآخر ينادي بالتغيير في شتى المجالات، وسميت الفرقة الموسيقية "لينا بن مهني" على اسم المناضلة في مجال حقوق الإنسان والحريات لينا، التي اشتهرت بنضالها من أجل حرية التعبير والدفاع عن حقوق المرأة في تونس وفي العالم العربي، وفارقت الحياة في يناير (كانون الثاني) 2020.

ترويح عن النفس

أحد النوادي الموجودة في العاصمة التونسية يضم أكثر من 250 سيدة، أسسته الفنانة رحمة بن عفانة، التي تقول لـ "اندبندنت عربية" إن "النادي تأسس منذ سبع سنوات، والهدف منه الترفيه عن النساء وتقليص حدة التوتر وضغوط الحياة. فقد تعددت مهمات النساء في أيامنا هذه، من تربية أطفال ومزاولة المهن وغيرها من أمور حياتية، لذلك تجد المرأة نفسها تحت ضغط نفسي نسعى نحن من خلال النادي إلى تبديده".

 

وأوضحت بن عفانة أن "النادي متنفس لتغيير الأجواء، حتى على النطاق الاجتماعي تنسج علاقات جديدة، وموسيقياً نسعى إلى إحياء الأغاني التراثية التونسية والعربية. النساء اللاتي انضممن إلى النادي تغيرت حياتهن بشكل كبير وفيهن من المتقاعدات أو الموظفات، ونحاول تخصيص أوقات محددة لكل واحدة منهن".

وقالت "في البداية نشرنا فيديو لمعرفة رد الفعل تجاه نساء يؤدين الأغاني والأناشيد في جلسات نسائية، وحرصنا وقتها على اختيار ملابس أنيقة ومحتشمة، ومنذ ذلك الحين تشكلت لنا قاعدة جماهيرية وهناك حتى رجال كثر يتابعون جلساتنا الغنائية".

وشهدت بعض النوادي نقلة لجهة إحيائها حفلات داخل تونس وخارجها في بلدان عدة شملت هولندا وفرنسا وبلجيكا وغيرها، بعد أن كان النشاط يقتصر على الجلسات الخاصة، وهو ما يترجم نجاحاً وترفيهاً لنساء متقدمات حتى في السن.

حضور طاغ في المدن

نوادي غناء النساء لا تحتكرها العاصمة في الواقع، إذ تنتشر في عديد من المدن والمناطق النائية على غرار ولاية محافظة الكاف الواقعة شمال غربي تونس، التي  كانت مهد عديد من المواهب والأعمال التي حفرت في ذاكرة التونسيين، على غرار المطربة صليحة التي ذاع صيتها في العالم العربي.

وقالت هناء مراد، وهي مؤسسة أحد النوادي، "فكرة نادي الغناء النسائي انطلقت مع صديقاتي في أمسيات فنية خاصة، ومدينة الكاف كما هو معلوم لدى كثيرين، من المناطق التي تعتني جداً بالشأن الثقافي، ونحن لدينا مثل شعبي في كل منزل في الكاف نجد أغنية. لكن بعد جائحة كورونا تساءلت لم لا نؤسس نادياً للنساء وقمنا بذلك يوم الـ25 من ديسمبر (كانون الأول) 2021، وهكذا كانت الانطلاقة الفعلية للنادي مع نسوة من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية والفكرية".

وتابعت مراد وهي موظفة لكنها أستاذة تربية موسيقية في الأصل، أن "النسوة يبحثن من خلال هذه المشاركات عن التخفيف من ضغوط الحياة اليومية سواء في العمل أم في المنزل لتحسين المزاج والتقليل من حدة التوتر الذي يصيبهن بسبب كثرة الأعباء الملقاة على عاتقهن، وباعتبار أن الموسيقى هي العلاج الأمثل لجميع المشكلات النفسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشددت على أن "البداية كانت صعبة قليلاً لكن في ما بعد لاقت الفكرة استحساناً من الجميع، ومع العمل بجدية خصوصاً أنني لا اعتبره فضاء للترفيه، بل أنا صاحبة رسالة ولدي إيمان كبير بأن كل الناس بإمكانها تعلم النوتة الموسيقية بطريقة صحيحة وهذا المهم، جمال الصوت هو شيء محبذ لكن ليس أساسياً بالنسبة إلي".

واعتبرت أن "من أهم أساسيات النادي المحافظة على الموروث الغنائي لمدينة الكاف، والتأكيد على ترديده من دون إضافة قراءات موسيقية مغايرة مع اللهجة أو اللكنة الصحيحة، وهكذا يكون للنادي دور في المحافظة على هذا الموروث الموسيقي الغنائي، إضافة إلى ترديد الأغاني التراثية التونسية".

ظاهرة قديمة

ويرى متابعون للشأن الثقافي في تونس أن هناك جذوراً تاريخية لظاهرة نوادي الغناء النسائية، وتقول مديرة القسم الثقافي في وكالة تونس أفريقيا للأنباء ريم قاسم إن "النوادي الغنائية النسائية هي في الحقيقة ظاهرة قديمة متجددة، إذ كانت موجودة في السابق بشكل غير معروف لدى العموم، قبل أن تصبح ظاهرة منتشرة في السنوات الأخيرة وكأنها موضة. فظاهرة اجتماع عدد من النسوة للغناء كانت موجودة في ما يعرف بالأوساط الأرستقراطية في تونس العاصمة، وكان الزوج يأتي بعازف ليرافق النساء في الغناء، وكانت الزوجة توجه الدعوة إلى عدد محدود من رفيقاتها أو صديقاتها المقربات للترفيه عن النفس بمعدل مرة كل شهر أو شهرين".

 

وأضافت "لكن في السنوات الأخيرة كثرت مثل هذه اللقاءات الخاصة في مجموعات ضيقة تلتقي كل مرة في بيت إحدى المشاركات، ولكن توسعت الظاهرة وصرنا نرى كثيراً من هذه النوادي التي تعلن حتى مواعيد وأماكن اللقاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهي نواد يشرف عليها مختصون وفي غالب الأحيان مختصات في الموسيقى، ولا يقتصر النشاط فيها على الغناء فقط بل هناك برامج محددة تشمل تعليم النوتات الموسيقية وغيرها من القواعد الأساسية للموسيقى، حتى أن بعضها ينظم في نهاية موسم النشاط سهرة فنية يكون الدخول لمتابعتها في مقابل مبلغ رمزي لتشجيع المشاركات، كما أن بعض النوادي يوفر للنساء فرصة تعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية".

وأبرزت أن "اللافت هو أن هذه النوادي تجمع نساء تتراوح أعمارهن عادة بين 35 و60 سنة، وهن من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية، ولعل الظاهرة تتطلب دراسة علمية لفهم خفاياها أكثر وعلاقتها بالنفسية".

واستنتجت قاسم أن "الطريف هو أن مثل هذه اللقاءات تتيح أحياناً فرصة اكتشاف الذات من جديد، فبعضهن يتبين أنهن يتمتعن بطاقات صوتية رائعة، ولما لا تكون هذه النوادي فرصة لاكتشاف مواهب غنائية، وفتح طريق الفن أمام عشاق الغناء والموسيقى إذا ما رامت إحداهن المواصلة على هذا الدرب".

رسائل سياسية ونضالية

وعلى رغم أنها في الأساس ترمي إلى الترويح عن النفس في خضم مشكلات تحاصر التونسيين، إلا أن لهذه النوادي كذلك قضايا تدافع عنها وتكافح لتبليغ رسائل تخص معاناة النساء، بحسب مراقبين.

ويقول الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي صابر الميساوي إن "هذه النوادي لديها قضايا تدافع عنها، وهذا ما نكتشفه مثلاً في اختيارات نادي ’لينا بن مهني‘ للدفاع عن المساواة التامة والسعي إلى تغيير العقليات المتجذرة التي ترى أن النساء غير قادرات على اقتحام مجالات عرفت ببصمة رجالية لعقود".

وأضاف الميساوي أن "التحدي الحقيقي لهذه النوادي هو هل هي قادرة فعلياً على إحداث تغيير؟ في اعتقادي هي قادرة خصوصاً عندما نرى كيفية تقبلها بعد رفضها في البداية، لأنها تبعث برسائل ناعمة من خلال الفن، وهو السلاح القادر على معالجة كل القضايا".

وفي ظل التطورات التكنولوجية والضغوط التي يواجهها التونسيون، فإن التساؤل الذي سيبقى يراوح مكانه هو مدى قدرة هذه النوادي على الاستمرارية في السنوات المقبلة أم أنها ستتراجع لفائدة نواد أو أنشطة أخرى؟

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات