ملخص
لجنة حقوق الإنسان النيابية في لبنان تحدد "18 سنة" سناً أدنى للزواج... فهل يرى القانون النور؟
جاءت خطوة لجنة حقوق الإنسان النيابية في لبنان لمناقشة اقتراح قانون يهدف إلى توحيد سن الزواج ومنع الزيجات الحاصلة لمن هم دون 18 سنة، لتشكل علامة فارقة في دولة تتعدد فيها أنظمة الأحوال الشخصية.
منح الدستور اللبناني في مادته التاسعة الحرية للطوائف من أجل تطبيق تشريعاتها الخاصة على المسائل المتصلة بالزواج والطلاق، والنسب والبنوة وغيرها من شؤون العائلة، ما يفتح الباب أمام تعدد القوانين وأنظمة الأحوال الشخصية في هذا المجتمع التعددي.
سنا أدنى للزواج
تأتي أهمية القانون المقترح من كون لبنان لا يشرع سناً أدنى للزواج، فلدى البعض يرتبط سن الزواج بالبلوغ استناداً إلى اجتهادات فقهية، فيما يبرز اتجاه ضمن المحاكم الشرعية والروحية إلى التشدد وعدم توقيع العقود قبل التأكد من "كفاءة الزوجين"، بينما ينحو البعض إلى اعتبار 16 سنة هو الحد الأدنى المقبول في ظل التطورات الاجتماعية والثقافية.
لم يراع الاقتراح وجود استثناءات، وعاقب من يسهم بالزواج المخالف للنص بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وفرض غرامة تعادل 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور.
اعتمدت لجنة حقوق الإنسان تلك الصيغة المقدمة من النائبين في كتلة الجمهورية القوية جورج عقيص، وأنطوان حبشي، التي حظيت بترحيب الهيئة الوطنية لشؤون المرأة في لبنان، وأكثرية أعضاء اللجنة النيابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يلفت النائب ميشال موسى رئيس اللجنة إلى أن "إقرار الاقتراح جاء بعد أربع جلسات من النقاش المعمق"، مشدداً على أن "هناك أسباباً موجبة لمثل هذا القانون بفعل شيوع ظاهرة استغلال الأطفال في ظل الظروف الاقتصادية السيئة، وانتشار زواج القاصرات تحت وقع الإغراءات المادية التي تقدم للأهل في بعض الجماعات"، مضيفاً "جاء الإقرار لاقتراح القانون الذي لا يتضمن استثناءات، علماً بأنه في السابق كان هناك توجه مماثل في المجالس النيابية السابقة، لكنه لم يقر في حينه".
يشير ميشال موسى إلى أن "مطلب وضع حد أدنى لسن الزواج هو مطلب قديم، وبات ملحاً أكثر بفعل الظروف الاقتصادية التي يعيشها لبنان، وقد اعتمد 18 سنة لأنه السن المقبول عرفاً وقانوناً، ويشكل مدخلاً لمرحلة النضوج الفعلي، وحرية الإرادة والاختيار".
ويشرح موسى المسار الذي سيسلكه إقرار القانون، إذ "سينتقل هذا الاقتراح إلى لجنة الإدارة والعدل، ولجنة المرأة والطفل من أجل مزيد من الدرس، قبل عرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب لإقراره أو تعديله".
ويضيف "قد يختلف القانون بصيغته النهائية، لكن الاقتراح الحالي يعكس وجهة نظر لجنة حقوق الإنسان، حين أقر من قبل النواب الحاضرين للاجتماعات التي راعت شروط الانعقاد والنصاب القانوني، وقد يكون هناك تحفظات لبعض الفرقاء المتغيبين".
تطوير الصيغة
في مقابل المواقف المؤيدة لقانون دون استثناءات، تظهر مواقف متحفظة على ترك الصيغة على إطلاقها، وتدعو إلى مواصلة النقاش حول قانون السن الأدنى للزواج، ويشير النائب عن كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم إلى إقرار الاقتراح بصيغته الأولية داخل لجنة حقوق الإنسان، منوهاً بأن هناك نقاشاً مستمراً في شأنه ضمن لجنتي الإدارة والعدل، والمرأة والطفل، وصولاً إلى الصيغة النهائية التي تنص على مختلف التفاصيل، ويعتقد هاشم أنه ستؤخذ في الاعتبار التفاصيل الموجودة في الاقتراحات الأخرى من أجل وضع بعض الضوابط، والاستثناءات على المبدأ العام ضمن شروط على ألا يقل عن سن محدد.
يوضح هاشم أنه "لا يمكن القول إن سن الزواج هو 18 سنة ونقطة على السطر، لأنه في بعض الحالات العامة، نجد أن بنت 17 سنة هي أكثر وعياً وإدراكاً ونضجاً من سواها"، مضيفاً "لا بد أن ينسجم القانون الجديد مع الخصوصية للمجموعات الروحية والدينية المتنوعة كيلا يتعرض للطعن من قبلها".
يشدد قاسم هاشم على أنه "لا بد من مواكبة حركة التطور العام للمجتمعات، وألا تبقى تشريعاتنا جامدة، لكن لا بد من احترام الخصوصية والحفاظ على القيم"، متابعاً "في مراحل سابقة كان هناك نقاش مع الجهات الدينية والروحية، من أجل استمزاج آرائهم، وربما صياغة بعض الاستثناءات لخدمة المجتمع في القضايا الأساسية، وصولاً إلى مكافحة الزيجات المستغربة في بعض المجتمعات كتزويج الفتيات في أعمار صغيرة (سن 10 أو 11 سنة)، وقبل سن النضوج، و"هذا ما تحاول المحاكم وضع ضوابط له حتى دون وجود تشريع".
اقتراحات متعددة
تأتي مكافحة زواج القاصرات على رأس قائمة المطالب لبعض الجهات الحقوقية في لبنان، ويشير المحامي أمين بشير ممثل الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة ضمن مناقشات لجنة حقوق الإنسان، إلى "وجود نقاط تشابه واختلاف بين اقتراح الهيئة، وذاك الذي أقرته اللجنة، فهما يلتقيان على تحديد عمر 18 سنة حداً أدنى للزواج، والأسباب الموجبة لناحية عدم السماح بالزواج لمن لا يتمتع بالحق في القيادة أو التوظيف أو الانتخاب، إلا أن الهيئة ضمنت اقتراحها ثلاث مواد إضافية، ترعى وجود حالة استثنائية برقابة قضائية".
يعتقد بشير أنه "لا بد من اللجوء إلى روح الدستور عند معالجة المادة التاسعة منه لناحية عدم الإخلال بالانتظام العام، أي مجموعة الحقوق الأساسية للإنسان، وضرورة تدخل المشرع لمنع الانتهاكات والأخطار التي تتهدد الإنسان والمجتمع بسبب تزويج القاصرات".
يتطرق المحامي بشير إلى "الاستثناء الذي تضمنه اقتراح الهيئة"، قائلاً "لكي يكون القانون منطقياً وواقعياً ومحيطاً لمختلف جوانب الحياة والمشكلات الممكنة، سمح الاقتراح بتقديم الأهل طلباً إلى قاضي الأحداث لتزويج ابنتهم، وذلك بصورة استثنائية، وفي حالات خاصة بعد بلوغها عمر 16 سنة، على أن يأتي قرار القاضي العدلي بعد تحقيقات معمقة، والتأكد إن كانت مغرراً بها، أو تعرضت لتحرش أو اغتصاب مثلاً، وله أن يستعين بخبرات معينة ومساعدين اجتماعيين ونفسيين".
ويضيف "في حال تحقق القاضي من وقوع اعتداء عندها سيعاقب الفاعل عوضاً عن استعمال فعلته لتبرير التزويج، ووضع الدولة والمجتمع تحت الأمر الواقع، وهذا سيضع حداً لتلك الجرائم". كما تضمن اقتراح الهيئة تعديل المادة 505 من قانون العقوبات اللبناني، وإبطال مفاعيل المادة 518 من القانون نفسه، التي تعفي المغتصب من العقاب في حالة الزواج من الضحية.
من جهة أخرى، يتحدث بشير عن "وجود جو إيجابي لناحية مناقشة القضايا التي كانت مصنفة ضمن المحرمات من جميع التكتلات التي تشارك في النقاش، لم نكن نتلمسه في المجلس السابق، تذرعاً بآراء رجال الدين وأحياناً مزاجيتهم".
معضلة التنفيذ
يبقى السؤال عن تنفيذ تلك القوانين في ظل تركيبة اجتماعية متعددة ومعقدة في لبنان، وما يتفرع عنها من انتشار أخطار الزواج العرفي الذي يعد أسلوباً ناجعاً للهرب من بعض القيود القانونية والقضائية، وربما المجتمعية. يجيب المحامي أمين بشير "في لبنان، لا يمكن أن نكون مثاليين، حيث الدولة عاجزة عن تطبيق قانون السير في الحد الأدنى، لكن لا بد في المقابل من النظر إلى القوانين بوصفها خطوة في مسار تطوري للشعوب، وضرورة لنشر ثقافة عامة".
واختتم، "قد لا يطبق من القانون إلا أجزاء بسيطة عند وضعه في السنوات الأولى، لكن سينتهي الأمر إلى تنفيذه كاملاً بعد فترة من الزمن، ومن ثم ستكون هناك آلية لمراقبة الضالعين في الزواج العرفي ومعاقبتهم بسبب وجود نص قانوني".